ميخائيل ماجد، الكاتب الصحفي والخبير في الشئون الشرق الأوسطية. حصرياً ليوميات أوراسيا
إن مسألة وضع القدس هي واحدة من أكثر المسائل إيلاماً بالنسبة للشرق الأوسط. تعتبر إسرائيل القدس عاصمة للبلاد. على العكس، فإن الفلسطينيين على يقين من أن القدس الشرقية يجب أن تكون عاصمة لدولة فلسطينية. وفي عام 1980، أقر البرلمان الإسرائيلي قانوناً ينص على أن القدس عاصمة وحيدة غير القابلة للتجزئة لدولة إسرائيل. ورداً على ذلك، أقر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 478 الذي يعتبر القانون الإسرائيلي فيه انتهاكا للقانون الدولي. امتنعت الولايات المتحدة التي كانت حليفة وثيقة لاسرائيل عن التصويت.
صحيح أنه في عام 1995 اعتمد الكونجرس الأمريكي قانونا حول نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. ولكن هذه الوثيقة لا تزال لم تدخل حيز النفاذ. وأرجأ جميع الرؤساء تنفيذ القانون بسبب المخاوف من حدوث العاصفة السياسية الأخرى في الشرق الأوسط. والآن قرر ترامب الاعتراف رسمياً بالقدس عاصمةً لإسرائيل والبدء في الاستعدادات لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. لماذا فعل ذلك؟
قبل كل شيء، تجدر الإشارة إلى قرب الرئيس ترامب إلى الجماعات اليمينية اليهودية (حسب المعايير الإسرائيلية) في الأعمال والسياسة. والروابط في هذا المجال وثيقة جداً وابنة ترامب إيفانكا متزوجة من أحد أغنى اليهود الأمريكيين جاريد كوشنر الذي هو أحد وكلاء مفوضين للرئيس وله تأثير قوي على سياساته. لايفانكا نفسها أيضا تأثير كبير على سياسة ترامب، وأنها اعتنقت اليهودية وغيرت اسمها إلى "يائيل". وكما يعتبر شيلدون أديلسون وهو أحد أغنى الرجال في الولايات المتحدة وأحد أغنى اليهود في العالم وصاحب إمبراطورية كازينوهات وأحد الرعاة الرئيسيين للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة صديقاً مقرباً من عائلة ترامب. في الوقت نفسه، شيلدون أديلسون مرتبط بعائلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ناتانياهو. عائلاتا ترامب وناتانياهو قريبتان جدا. وهذه هي عشيرة ودية من حيث المبدأ تقف على مسار قاس ضد العرب، وكذلك لاسيما ضد إيران. يبدو للوهلة الأولى أن القرار مرتبط بهذه الظروف.
ولكنني أميل إلى الاعتقاد بأن لديه أسباب أخرى، وربما أكثر أهمية. والحقيقة هي أنه على الرغم من التصريحات المعادية لإيران ترامب (على وجه الخصوص، سعى إلى إلغاء الاتفاق النووي وفرض عقوبات ضد هذا البلد)، في الواقعة لم تفعل الولايات المتحدة شيئا ضد إيران. وهذا ليس بصدفة تماماً.
وحتى الآن وعلى الرغم من كل تصريحات ترامب ازدادت إيران قوة. في الواقع، هناك عدد من الدول مثل العراق وسوريا واليمن تقع في منطقة النفوذ الإيراني وتسيطر عليها إيران إلى حد كبير من خلال شبكة من الميليشيات الشيعية. وبالإضافة إلى ذلك، تخضع سياسات هذه البلدان للإيرانيين. سبب "الحزام الشيعي" الممتد من حدود إيران إلى البحر الأبيض المتوسط من خلال الدول الثلاث المذكورة تغير توافق القوى في الشرق الأوسط، وهو أمر يزعج إسرائيل جدا. تستعد النخبة الإسرائيلية للحرب. يضرب السلاح الجوي الإسرائيلي تقريبا كل يوم الإيرانيين وحلفائهم (قوات الحكومة والميليشيات الشيعية اللبنانية) في سوريا. يتمتع حزب الحرب في إسرائيل الآن بقوة كبيرة. وتطالب إسرائيل بانسحاب جميع القوات الإيرانية والمؤيدة لإيران من سوريا وإلا تهدد بشن الحرب. لكن الأسد لا يستطيع أن يخوض الحرب بدون دعم إيران وحزب الله وغيرهما من القوات المؤيدة للحكومة السورية. فإنه لا يستطيع أن يحمي البلد ولأنه ضعيف جدا. هذا هو طريق مسدود، وبالتالي من هنا ينجم خطر الحرب.
ومع ذلك، لاترضي القيادة الأمريكية حرب ضد سوريا وإيران في هذا الوقت. لأنه إذا نجح الإسرائيليون في سحق أعدائهم، وهذا يمكن أن يؤدي إلى إحياء داعش. وبالإضافة إلى ذلك، في سوريا تنظيم القاعدة القوي جدا (واسمه الآخر هو جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام) ولديه الوحدات العسكرية التي قوامها 000 20 عسكري في شمال البلد. وإذا انهزمت الحكومة السورية تتمكن القاعدة من شن الهجوم.
هنا تختلف مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل. تعتبر الولايات المتحدة داعش مشكلة رئيسية وتطمح القضاء عليه في أقرب وقت ممكن. لجزء من النخبة الأمريكية إيران الشيعية والأسد (على الأقل حتى الآن) هما السد الذي يمنع تدفق التطرف السني في شخص داعش والقاعدة والحركات المماثلة الأخرى. يمكن أن يسبب السد تهيجاً، ولكن من الخطورة أيضا تدميره بالقنابل. لكن اسرائيل تعتبر إيران عدواً رئيسياً له مدعياً أن "الإيرانيين أذكياء ومتعلمون ودهاة مثلنا"، في حين يتحدث الإسرائيليون عن داعش بازدراء ويدعون أن "بضعة آلاف من المسلحين ببنادق الكلاشينكوف لا تمثل لنا تهديداً كبيراً ".
ولعل قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية هو محاولة لتهدئة إسرائيل ومنع أو تأجيل حربها ضد الإيرانيين وسوريا.
وفي الوقت نفسه، فإن القرار الذي اتخذه ترامب على الأرجح لا يفيد المصالح الاستراتيجة لأمريكا. لقد تم بالفعل تقويض النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط بشكل ملحوظ واكتساب إيران قدرة حيث كانت الولايات المتحدة تهيمن في الماضي القريب. ولا شك في أن هذا القرار أيضا سيزيد سخط العالم العربي. وليس من قبيل المصادفة أن تستخدم إيران بنشاط موضوع فلسطين. وهذا وضع مثالي لتعزيز نفوذ إيران.
وليس من قبيل المصادفة أيضاً وكما تفيد Reuters أن وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس أعربا عن معارضتهما لنقل البعثة الدبلوماسية. ويعتقد المسئولان أنه مثل هذه الخطوة قد تعرض الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين وأفراد عائلاتهم للخطر في الشرق الأوسط وفي البلدان التي يسكنها المسلمون.
أما بالنسبة لمشاكل ترامب داخل الولايات المتحدة، فمن غير المرجح أن هذا القرار قد يحقق له فوائد كبيرة في هذه الجبهة. وفقاً لاستطلاعات الرأي أن 59% من الأميركيين يفضلون ألا يأخذ ترامب طرفاً في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بينما 63% ومنهم 44% من الجمهوريين يعارضون نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. لذلك، إذا أراد ترامب تعزيز موقفه في الولايات المتحدة مع هذه الخطوة وصرف نظر المجتمع عن قضية العلاقات مع روسيا، فإنه من غير المرجح أن تنجح في محاولته هذه.
الإعداد والترجمة من الروسية: د. ذاكر قاسموف