أعلن الكاتب الفرنسي إيف بينارد، رفضه لادعاءات الأرمن حول أحداث عام 1915، مشيرًا أن دولًا مثل فرنسا وبريطانيا وروسيا ترفض المطالب المتعلقة بفتح أرشيفاتها، لأنها تخشى من حقيقة عدم ارتكاب تركيا لأي إبادة بحق الأرمن.
وأضاف الكاتب خلال حديثه لمراسل الأناضول عن كتابه الجديد المعنون بـ "نظرة جديدة على وجهات النظر التركية الأرمنية"، أن الأرمن لم يكونوا "القط الوديع"، خلال أحداث 1915، مشيرًا أنهم ارتكبوا الفظائع بحق المسلمين ما بين سنوات 1914-1915.
وتابع: "الثابت بالدليل القاطع هو أن الأتراك كانوا ضحايا المذابح التي ارتكبها الأرمن في الأناضول، تركيا لم ترتكب إبادة جماعية بحق الأرمن".
ولفت بينارد إلى وجود حملة تضليل يتعرض لها الشعب الفرنسي حول أحداث عام 1915، مشيرًا إلى عدم وجود أي وثائق تشير إلى ارتكاب الأتراك مجازر ضد الأرمن.
وطالب بينارد الحكومة الأرمينية بفتح دار المحفوظات (الأرشيف) الخاص بها إذا كانت جادة بمزاعمها، وقال: "الحكومة الأرمينية لا تقول الحقيقة لذلك هي لا تريد فتح المحفوظات.".
وشدد بينارد على أن فرنسا وبريطانيا وروسيا، شأنها شأن الحكومة الأرمينية، تحتفظ بوثائق حول أحداث 1915 لكنها لا تقبل فتح أرشيفها الخاص بتلك الأحداث.
وذكّر بينارد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعا بالفعل الجانب الأرميني إلى فتح محفوظاته المتعلقة بأحداث 1915، إلا أن الحكومة الأرمينية غير مستعدة لفتح أرشيفها.
وأضاف بينارد أن الأشخاص الذين كانوا يدافعون عن الادعاءات الأرمنية غيروا رأيهم بعد قراءتهم كتابه وكانوا سعداء بالمعلومات التي حصلوا عليها.
ما الذي حدث في 1915؟
تعاون القوميون الأرمن، مع القوات الروسية بغية إنشاء دولة أرمنية مستقلة في منطقة الأناضول، وحاربوا ضد الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى التي انطلقت عام 1914.
وعندما احتل الجيش الروسي، شرقي الأناضول، لقي دعمًا كبيرًا من المتطوعين الأرمن العثمانيين والروس، كما انشق بعض الأرمن الذين كانوا يخدمون في صفوف القوات العثمانية، وانضموا إلى الجيش الروسي.
وبينما كانت الوحدات العسكرية الأرمنية، تعطل طرق امدادات الجيش العثماني اللوجستية، وتعيق تقدمه، عمدت العصابات الأرمنية إلى ارتكاب مجازر ضد المدنيين في المناطق التي احتلتها، ومارست شتى أنواع الظلم بحق الأهالي.
وسعيا منها لوضع حد لتلك التطورات، حاولت الحكومة العثمانية، إقناع ممثلي الأرمن وقادة الرأي لديهم، إلا أنها لم تنجح في ذلك.
ومع استمرار هجمات المتطرفين الأرمن، قررت الحكومة في 24 نيسان/ أبريل 1915، إغلاق ما يعرف باللجان الثورية الأرمنية، ونفي بعض الشخصيات الأرمنية البارزة.
واتخذ الأرمن من ذلك التاريخ ذكرى لإحياء "الإبادة الأرمنية" المزعومة، في كل عام.
وفي ظل تواصل الاعتداءات الأرمنية رغم التدابير المتخذة، قررت السلطات العثمانية، في 27 آيار/ مايو 1915، تهجير الأرمن القاطنين في مناطق الحرب، والمتواطئين مع جيش الاحتلال الروسي، ونقلهم إلى مناطق أخرى داخل أراضي الدولة العثمانية.
ومع أن الحكومة العثمانية، خططت لتوفير الاحتياجات الانسانية للمهجّرين، إلا أن عددًا كبيرًا من الأرمن فقد حياته خلال رحلة التهجير بسبب ظروف الحرب، والقتال الداخلي، والمجموعات المحلية الساعية للانتقام، وقطاع الطرق، والجوع، والأوبئة.
وتؤكد الوثائق التاريخية، عدم تعمد الحكومة وقوع تلك الأحداث المأساوية، بل على العكس، لجأت إلى معاقبة المتورطين في انتهاكات ضد الأرمن أثناء تهجيرهم، وجرى محاكمة وإعدام المدانين بالضلوع في تلك المأساة الإنسانية، رغم عدم وضع الحرب أوزارها.
الحاجة إلى ذاكرة عادلة والتفهم المتبادل
وتطالب أرمينيا واللوبيات الأرمنية في أنحاء العالم بشكل عام، تركيا بالاعتراف بما جرى خلال عملية التهجير على أنه "إبادة عرقية"، وبالتالي دفع تعويضات.
وبحسب اتفاقية 1948، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فإن مصطلح "الإبادة الجماعية" (العرقية)، يعني التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية.
وتؤكد تركيا عدم إمكانية اطلاق صفة "الإبادة العرقية" على أحداث 1915، بل تصفها بـ"المأساة" لكلا الطرفين، وتدعو إلى تناول الملف بعيدًا عن الصراعات السياسية، وحل القضية عبر منظور "الذاكرة العادلة" الذي يعني باختصار التخلي عن النظرة أحادية الجانب إلى التاريخ، وتفهم كل طرف ما عاشه الطرف الآخر، والاحترام المتبادل لذاكرة الماضي لدى كل طرف.
كما تقترح تركيا القيام بأبحاث حول أحداث 1915 في أرشيفات الدول الأخرى، إضافة إلى الأرشيفات التركية والأرمنية، وإنشاء لجنة تاريخية مشتركة تضم مؤرخين أتراك وأرمن، وخبراء دوليين.
يريفان لم تنتهز فرصة تطبيع العلاقات
شهد عام 2009 أهم تطور من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين، حيث وقع الجانبان بروتوكولين من أجل إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية، وتطوير العلاقات الثنائية، في تشرين الأول/أكتوبر، بمدينة زيورخ السويسرية.
ويقضي البروتوكولان، بإجراء دراسة علمية محايدة للمراجع التاريخية والأرشيفات، من أجل بناء الثقة المتبادلة وحل المشاكل الراهنة، فضلًا عن الاعتراف المتبادل بحدود البلدين، وفتح الحدود المشتركة.
وأرسلت الحكومة التركية، البروتوكلين إلى البرلمان مباشرة من أجل المصادقة عليهما، فيما أرسلت الحكومة الأرمنية، نصيهما إلى المحكمة الدستورية من أجل دراستهما، وحكمت المحكمة أن البروتوكلين لا يتماشيان مع نص الدستور وروحه.
وأعلنت أرمينيا تجميد عملية المصادقة على البروتوكلين، في كانون الثاني/يناير عام 2010، وسحبتهما من أجندة البرلمان، في شباط/ فبراير 2015.