أعلن وزير الدفاع الباكستانى خرم دستغير خان انه أمر بتجميد التبادلات الاستخبارية مع الولايات المتحدة. وكان هذا يعتبر بدوره لفة أخرى في الشجار المتصاعد بين الولايات المتحدة وباكستان. ولكن ما مدى أهمية هذا؟
وكان الرئيس الامريكى دونالد ترامب قد اتهم باكستان ب"الكذب والخداع" فى أول تغريدة بالسنة الجديدة فى 1 يناير الحالى.
ومنذ ذلك الحين أعلنت واشنطن أنها ستوقف تقديم أى دعم لباكستان فى مجال الأمن. وسارع السياسيون الباكستانيون إلى الإعراب عن قلقهم: قال وزير الخارجية إن الدولتين لم تعدا حليفتين، وأعلن قائد الجيش أنه يشعر بالخيانة.
ومع ذلك، على الرغم من هذا الكلام، في الواقع، رد كلا الجانبين على الأحداث أكثر حذرا مما قد يبدو.
وأكد المسؤولون الأمريكيون أن تعليق المساعدات الامنية إجراء مؤقت وأن نفقات إسلام اباد في محاربة الارهاب يمكن أن تعوض حسب كل حالة على حدة انطلاقاً من التائج التي تحرزها باكستان في محاربة الإرهاب.
وفي الوقت نفسه، يفهم الكثيرون أن بيان خرم دستغير خان هو في أساسه رمزي.
وقبل كل شيء، لأن باكستان على مدى العقدين الماضيين قد قلل بالفعل إلى حد كبير من كمية المعلومات الاستخباراتية التي تسرها إلى الولايات المتحدة.
تضارب المصالح
كانت الولايات المتحدة وباكستان حليفتين منذ أوائل الخمسينيات عندما بدأ الأمريكيون بتقديم المساعدات الاقتصادية وتتعاون مع إسلام أباد في المجال الأمني.
خلال الفترة من عام 1959 إلى عام 1970، منحت باكستان قاعدة بالقرب من بيشاور لكالة الاستخبارات المركزية والتي كانت تستخدم لالتقاط الرسائل اللاسلكية من الاتحاد السوفياتي واعتراضها.
وخلال الثمانينيات، عملت الدولتان معاً بشكل وثيق خلال الحرب فى أفغانستان كان المسلحون الافغان الذين جندتهم ودربتهم وحدة المخابرات للجيش الباكستاني- المخابرات الباكستانية المشتركة (ISI) يخوضونها بشكل أساسى من الاراضى الباكستانية.
وصرح وزير خارجية باكستان خواجة محمد آصف أن بلاده والولايات المتحدة لم تعيدا حليفتين
ولكن بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، نشأ تضارب مصالح بين البلدين. وقد أقام الأميركيون وجوداً عسكرياً في أفغانستان وبدأوا في استخدام باكستان كطريق للإمدادات، فضلاً عن أعمال الاستطلاعات على أرضها.
وكان الاتفاق على أن الولايات المتحدة تستخدم التكنولوجيا مثل اعتراض الرسائل والطائرات المسيرة لجمع المعلومات الاستخبارية، وتضمن باكستان المعلومات الاستخباراتية التي توفر عن طريق جواسيسها.
وكانت أهمية هذه الاتفاقية في أن المسلحين الإسلاميين الذين كانوا عدوأً رئيسياً للولايات المتحدة، كانوا متمركزين أساساً في المنطقة الحدودية من شمال غرب باكستان، وكان من الممكن القضاء عليهم على أساس المساعدات الباكستانية.
وتكمن المشكلة في العلاقات في أن باكستان تعلمت في الثمانينات استخدام هذه الجماعات للتصدي للنفوذ الهندي في أفغانستان. ولا تستطيع السلطات الباكستانية أن تخسر هذه الأداة القيمة.
يواصل المسلحون تواجدهم في الحدود الأفغانية الباكستانية
وهكذا، في حين صرحت باكستان علناً أنها تؤيد التحالف الذي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان، في الواقع، أنها خلقت الظروف الملائمة لهذه المجموعات التي تسللوا الى الاراضي الباكستانية وترسخت في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية على طول الحدود مع أفغانستان(Fata).
وعلى الرغم من أن الباكستانيين وفروا حقاً المعلومات لمساعدة الولايات المتحدة لقتل أو اعتقال عدد من زعماء "تنظيم القاعدة" في المناطق القبلية، ولكن لم تسلم باكستان للأمريكيين أياً من الزعماء البارزين لحركة "طالبان" أو "حقاني" الذين تستخدمهم كوكلائها في أفغانستان.
مشاكل مع الطالبان
وكان الاستثناء الوحيد هو الاستيلاء في عام 2010 على القائد العسكري الرئيسي لحركة الطالبان الملا برادار. لكن الكثيرين يعتقدون أن القضاء على الملا برادار كان مفيداً للحكومة الباكستانية، وأنه كان يجري سراً محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية التي بدأت تقترب تدريجياً من الهند.
ساعدت باكستان حقاً الولايات المتحدة في القضاء على بعض قادة ما يسمى بحركة طالبان الباكستانية، مثل بيت الله مسعود والبعض الآخرين ولكن وقع هذا لأن هذه المجموعات رفعت السلاح على باكستان بعد اقتحام المسجد الأحمر في إسلام أباد في عام 2007 والذي أسفر عن مقتل مسلحين .
في عام 2014، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما تحفيض عدد القوات في أفغانستان، بدأت باكستان عملية تطهير المناطق القبلية لضمان أمن الحدود.
The United States has foolishly given Pakistan more than 33
billion dollars in aid over the last 15 years, and they have given
us nothing but lies & deceit, thinking of our leaders as fools.
They give safe haven to the terrorists we hunt in Afghanistan,
with little help. No more!
كتب الرئيس الامريكى في تغريده فى1 يناير عام 2018 :"منحت الولايات المتحدة بحماقة لباكستان أكثر من 33 مليار دولار من المساعدات على مدى السنوات ال15 الماضية، ولكن لم يعطوا لنا شيئاً سوى الكذب والخداع، معتبراً أن قادتنا حمق ووفروا المأوى للإرهابيين الذين نبحث عنهم في أفغانستان، لا أي مساعدة، كفى! ".
وعلى الرغم من أن جميع العناصر الذين تعتبرهم باكستان تهديداً لمصالحها قد أبعدوا من الحدود إلى أفغانستان، وظل "العناصر الأصدقاء" سليمين في مدن باكستانية الكبيرة، مثل كويتا وبيشاور وكراتشي، وحتى في العاصمة اسلام اباد يمكن كثيراً ما نرى قادة حركة طالبان المعروفين.
مع الأخذ بعين الاعتبار هذا الوضع، لا يمكن أن تتوقع الولايات المتحدة أي بيانات قيمة من الاستخبارات الباكستانية. وفي الوقت نفسه، فإنها بالتأكيد سوف تشارك بكل سرور هذه البيانات، إذا كانت مفيدة لمصالح كلا الجانبين.
والطريقة الوحيدة التي يمكن لباكستان أن تخلق بها الصعوبات بالنسبة للولايات المتحدة هي سد الطرق البرية إلى أفغانستان. ولكن بينما لم تلمح إسلام أباد إلى إمكانتية اتخاذ مثل هذا الإجراء.
أسوأ ما يتوقعه الخبراء من باكستان في الوقت الراهن هو أنه يمكن أن تزيد رسوم العبور للتوريدات من الولايات المتحدة أو خلق العقبات لتأخير تسليمها.
وهذه هي موشرات التوتر والانتقام، ولكنها ليست مثيرة لدرجة يمكن اعتبارها بالمواجهة المتبادلة أوالحرب الكلامية.