ألقى وزير الخارجية ريكس تيلرسون خطابه المنهجي حول سوريا: على الأسد أن يترك منصبه ويحظرللحلفاء الأوروبيين مساعدة في استعادة البلد الذي مزقته الحرب. في الوقت نفسه، تحتفظ الولايات المتحدة الأمريكية بالحق في الحفاظ على وجودها العسكري في سوريا حتى بعد هزيمة داعش - الآن لديهاهدف آخر.
لن تشارك الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، فضلا عن "الشركاء الإقليميين" في لإعادة إعمار سوريا الواقعة تحت حكم الرئيس بشار الأسد. هذا ما أكده وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون خطابه المنهجي حول سوريا في جامعة ستانفورد.
حسب التقديرات الأميركية، فإن "نظام الأسد لا يسيطر إلا على حوالي 50٪ من أراضي سوريا. وتدل هذه التقديرات على أن واشنطن إما غير قادرة على السيطرة على الوضع، أو تتجاهل الحقائق: في نهاية عام 2017 في الأراضي المحررة من قبل الجيش السوري بمساعدة القوات الجوية الفضائية الروسية تم تحرير أكثر من 90 % من أراصي البلاد. إذا انطلقنا من كلمات تيلرسون، إذن، في الواقع، ترفض الولايات المتحدة مساعدة سوريا كلها. من الجدير بالذكر أن روسيا، على النقيض من ذلك، دعت دول الاتحاد الأوروبي في الأسبوع الماضي لعدم الاكتفاء بتقديم المساعدات الإنسانية فقط لسوريا، بل أيضاً لمساهمة "أكثر أهمية في إعادة إعمارها" (وفسرت صحيفةThe Financial Times في ذلك الوقت هذه الدعوة بأن "روسيا تجبر الاتحاد الأوروبي على المساهمة في انتعاش سوريا").
بين وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون أفكاره نيابة عن حلفاء الولايات المتحدة في شهر سبتمبر من العام الماضي. وفي رأيه أنه ما يسمى بمجموعة أصدقاء سوريا (التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وعدد من "الشركاء الإقليميين" من دول الشرق الأوسط) لا تنوي المشاركة في إعادة إعمار سوريا، طالما الأسد في السلطة.
أكد وزير الخارجية تيلرسون في خطابه الحالي أنه يعتزم أن تثني الدول الأخرى عن أي علاقات اقتصادية مع دمشق. يجب أن تبقى مثل هذه الحالة حتى إقالة الأسد من السلطة "عبر العملية الجارية تحت رعاية الأمم المتحدة". وهذا، وفقا لتيلرسون، هو شرط للسلام في سوريا. وفقط بعد ذلك، "ستكون الولايات المتحدة سعيدة للإصرار على تطبيع العلاقات الاقتصادية بين سوريا والدول الأخرى".
وفى الوقت نفسه دعا تيلرسون روسيا الى زيادة الضغط على "نظام الاسد" حتى "يشارك بشكل بناء فى عملية جنيف" و" اليدء بالمشاركة الموثوق بها فى جهود الامم المتحدة". وقال وزير الخارجية الاميركية أيضاً "إن نظام الاسد ينظر بوضوح الى روسيا كضامنة لامنها وبالتالي فان روسيا تلعب دوراً هاماً في الاقناع".
الولايات المتحدة لا تريد تكرار أخطاء أوباما
ووصفت وزارة الخارجية السورية، رداً على خطاب تيلرسون، الوجود العسكري الأمريكي غير الشرعي الذي يهدف إلى الدفاع عن "الدولة الإسلامية". لكن عدم وجود أسباب شرعية لوجود في سوريا، كما كان من قبل، لا يزعج واشنطن. وعلاوة على ذلك، فإن الجيش الأمريكي لم يعد بحاجة إلى عذر في شكل "محاربة داعش" - وهذا ينتبع بصورة مباشرة من كلمات تيلرسون.
أعلن وزير الخارجية الأمريكي أن داعش في الحقيقة على شفا الموت بفضل جهود الولايات المتحدة (على ما يبدو أنه "نسي" دور الجيش السوري والمساهمة العسكرية الروسية في مكافحة الإرهابيين). ولكن الأهم هو أن القوات الأمريكية ستبقى في سوريا بعد هزيمة تنظيم الدولة أيضاً، لضمان عدم قبض إيران وقوات الأسد على " المناطق التي تم تحريرها مؤخراً بمساهمة الولايات المتحدة".
وهكذا، فإن إدارة دونالد ترامب تريد تجنب أخطاء باراك أوباما التي أدت إلى سحب القوات من العراق قبل أن يتم تحييد "تهديد التطرف"، كما يدعي تيلرسون. في رأي وزير الخارجية أن الخطأ الآخر لأوباما هو أن الوضع في ليبيا لم "يستقر" بعد هجمات الناتو والإطاحة بمعمر القذافي. ونقلت صحيفة " The New York Times" عن تيلرسون قولهإ ننا "لن نسمح بتكرار التاريخ نفسه في سوريا". هذا هو أول بيان من قبل الممثل رفيع المستوى للإدارة الأمريكية أن الولايات المتحدة تعتزم البقاء، وفقا لصحيفة The New York Times.
وقد نوه تيلرسون في خطابه بإيران لا دون قصد. وكما أفادت صحيفة The Wall Street Journal أن الولايات المتحدة "تحويل تركيزها" أنشطتها في سوريا من الحرب المعلنة ضد داعش إلى مواجهة النفوذ الإيراني في هذا البلد. وقال تيلرسون "ان ايران عززت تواجدها بشكل كبير وتم نشر قوات حرس الثورة الاسلامية وحزب الله اللبنانى، كما يتم نقل المقاتلين الموالين لايران من افغانستان وباكستان والدول الاًخرى ". ومن الواضح أن الأميركيين في تصديهم لمثل هذه القوة الإيرانية يجهزون المجموعات من "وكلائهم"، مثل جيش الدفاع الحدودي الكرد العربي قوامه 30 ألف عسكري والتي يجب أن تكون دعماً لكردستان السورية المدعومة من الولايات المتحدة، ووأنها تعرف أيضا كاتحاد شمال سوريا. من الجدير بالذكر أن هذه المبادرة واجهت الاعتراضات الشديدة ليس في طهران ودمشق فحسب، بل من أنقرة أيضا.
الأوروبيون غير مسرورين من "طلب عقد شمعة"
كما ذكرنا أعلاه، أن كل هذه المشاريع المتنوعة تهدف إلى إقناع الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة على الأقل على عدم المشاركة في إعادة إعمار "الأراضي التي يسيطر عليها نظام الأسد". تقدر الأضرار الملحقة لسوريا ب350 ملياردولار، وكان هذا الرقم في وقت سابق ب200 مليار دولار. يدعي الأميركيون والأوروبيون والسعوديون أن الأموال لن توجه إلى الأراضي الواقعة تحت سيطرة بشار الأسد وأنها تخصص لإقليم "اتحاد شمال سوريا".
ومن الواضح أن بوريس جونسون باعتباره ممثل البلد الذي هو أقرب حليف للولايات المتحدة قد أكد أن "أصدقاء سوريا" لن يشاركون في اعادة اعمارها. ولكن هناك شكوك جدية في أن دول أوروبا القارية مستعدة لمتابعة واشنطن في جميع تعهداتها في سوريا.
على سبيل المثال، ليست فرنسا مهتمة باقتداء الولايات المتحدة في الشجار مع تركيا، مع الأخذ بعين الاعتبار عقد الاجتماع مؤخراً بين إيمانويل ماكرون ورجب طيب أردوغان، ووصف هذا الاجتماع كانفراج في العلاقات. نعم، تعتبر إعادة إعمار سوريا في باريس من أحد الاتجاهات الرئيسية لفعاليات الرئيس ماكرون.
يؤكد الأكاديمي السياسي الألماني ألكسندر رار في تعليقه لصحيفة "فزكلياد" الروسية أنه ومن الطريف أن فرنسا كيف تتعامل مع حظر المشاركة في إعادة إعمار مستعمرتها السابقة سورية". وأن فرنسا لديها "الكثير من الفرص للتدخل في هذه المنطقة" مقارنة مع ألمانيا. وأشار الأكاديمي الألماني إلى انعدام الحكومة في ألمانيا وبالتالي فإن البلاد لا يملك إمكانية ممارسة السياسة الخارجية النشطة. لكن برلين لديها مصلحة حيوية في إعادة إعمار سوريا على الأقل من أجل إعادة اللاجئين من الحرب التي استمرت 7 سنوات ودمرت البلد (وفقا لمصادر مختلفة، في ألمانيا الآن من نصف مليون إلى 900 ألف نازح سوري) إلى أوطانهم. في يونيو من العام الماضي أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية السيدة أورسولا فون دير ليليين عن مشروع جديد ينص على تدريب المهاجرين في التخصصات الصالحة لإعادة إعمار سوريا ". ولكن إذا لم يتم إعمارالبلاد، فمن الواضح أن المتخصصين المدربين حديثاً سوف يؤخرون عودتهم إلى أوطانهم.
يشير ألكسندر رارإلى أنه بالنسبة للولايات المتحدة لم يكن الطلب لرحيل الأسد "خطأً فقط، بل أنه عقيدة مقدسة". وأضاف قائلاً إن الأميركيين تنفسوا الصعداء بعد انهيار الاتحاد السوفياتي واعتقدوا أنهم من الآن فصاعداً أسياد وحيدون للشرق الأوسط، ولكن فجأة ظهرت روسيا مرة أخرى.
والآن هناك "محاولة لإظهار القوة. يريد الأميركيون بناء النظام العالمي بوحدهم، وربما قد يطلبون من الأوروبيين "عقد شمعة ".
تبدو محاولة الإجبار على "عقد شمعة" في هذه المرة كخطأ. وأن الدبلوماسية الأميركية في السنوات الأخيرة، مليئة بالأخطاء. والمشكلة الرئيسية في أنها تحولت إلى لاعب فاشل في كل مكان، اللاعب الذي هو داعماً في الموقف الدفاعي ويفسد اللعبة بشكل مستمر. بطبيعة الحال، هذا الوضع يضر به وغيره.