تتواصل العملية العسكرية التركية ضد الأكراد في سوريا وعلاوة على ذلك، وعد أردوغان بتوسيعها. ويتهم الأكراد روسيا بالخيانة ومن الواضح أن موسكو لا تريد التدخل. لماذا لا تحاول روسيا وقف تقدم الجيش التركي وما هي مصلحتها في هذه القصة؟
تحدث رئيس تركيا على الهاتف أولا مع فلاديمير بوتين وثم مع دونالد ترامب - أردوغان أوضح الهدف من العملية العسكرية التركية في الأراضي الكردية في سوريا. والعملية التي بدأت في عفرين، وفقا لأردوغان، لن تقتصر على هذه المنطقة فقط وستشمل المناطق الأخرى أيضاً:
"بعد أن بدأنا عملية" غصن الزيتون "، أوقفنا مؤامرات القوى المختلفة التي ننوي تحقيق خططها في منطقتنا. وابتداء من منبج على طول حدودنا (مع سوريا) سنقوم بإخلاء المنطقة من الإرهابيين تماماً، فسنضمن أمننا ".
يقصد أردوغان الأراضي التي يسكنها ويسيطر عليها الأكراد الذين تعتبرهم أنقرة من الموالين لحزب العمال الكردستاني في تركيا. يدعوالأتراك الأكراد السوريين بإرهابيين ويخشون من تمكنهم من إقامة شبه دولتهم وبهذا سيزيدون دعمهم لأخوانهم الأكراد الذين هم على استعداد للقتال من أجل استقلال كردستان التركية.
أي بالنسبة لتركيا، فإن المسألة الكردية هي مسألة بقاء وزوال لدولتهم.
في تركيا ملايين من الأكراد وفصل الأراضي المأهولة بهم عن البلاد لا يمكن إلا بالقضاء على جمهورية تركيا نفسها. هذا هو السبب في أن أنقرة ترغب في درء الأكراد السوريين المعجبين بأنفسهم على مدى سبع سنوات من الصراع السوري الداخلي. ولن تسمح تركيا بظهور الحكم الذاتي على حدودها والذي يعتبر جزء من سوريا رسمياً ولكن مستقل في الواقع. كما أنه سيصبح قاعدة للمؤامرات الأمريكية في المنطقة.
وأصبحت تصريحات الأمريكيين بالذات حول إمكانية إنشاء جيش من الأكراد السوريين يبلغ قوامه 30 ألفاً، آخر القش الذي أثار العملية العسكرية التركية في عفرين. وفي الوقت نفسه، كان في عفرين عسكريون روس أيضاً، ولم يكن هناك أي تواجد عسكري أمريكي. واضطرت موسكو إلى الانسحاب من هناك، حتى لا تعرض حياة أفراد الشرطة العسكرية والعاملين في المجال الطبي للخطر. وهذا بطبيعة الحال، يسبب على الفور الكثير من التعليقات على اسلوب"خيانة روسيا الاكراد".
لم يرض الوضع القائم الأكراد الذين حاولوا أن يلعبوا مع روسيا والولايات المتحدة على حد سواء على أمل أن يتمكنوا من الحصول على الحكم الذاتي وحتى الدولة المستقلة. وفي الوقت نفسه، تعاون جزء من القوات الكردية بشكل متزايد مع واشنطن التي، على ما يبدو، وعدتهم شيئاً خارج مقدرتها. نعم، لا تتمكن الولايات المتحدة من تقديم أي حكم ذاتي للأكراد، لأن كل شيء مرتبط بسوريا وتركيا وإيران في الواقعة وبروسيا التي تقوم بدور راعي دمشق ومحرر للعلاقات في مثلث سوريا - تركيا - إيران.
عرضت موسكو على الأكراد الحد الأقصى مما يمكن أن يحصلوا عليه حقاً وهو الحكم الذاتي داخل سوريا. كانت موسكو مستعدة لطرح هذه المسألة في المقام الأول قيد النقاش مع دمشق وحتى مع أنقرة. لكن الأكراد فضلوا الشادوف الأمريكي في السماء على العصفور الروسي في اليد وصادفوا الرد التركي المتوقع. لم توقف موسكو الأتراك، ليس فقط لأنها لم تتمكن من فعل ذلك في الواقعة. وبالدرجة الأولى أن هذه العملية قد تؤدي إلى نتائج مفيدة لموسكو:
أولاً لأن هذه العملية قد تقضي تماماً على الأوهام الأمريكية الأخيرة حول إمكانية إنشاء كردستان السورية الموالية لأمريكا. وقد اقترح وزير الخارجية تيلرسون بالفعل تشكيل "منطقة أمنية" طولها 30 كيلومتراً، قائلا إن الولايات المتحدة لا تريد مواجهة تركيا فى شمال سوريا. ومع ذلك، على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تترك هذه المنطقة السورية في الواقع، ستضطر إلى الاستغناء عن خطط إنشاء الجيش الكردي الكبير الحليف لها. وهناك خطوة أخرى يجري اتخاذها لإخراج الولايات المتحدة من سوريا.
ثانيا، إن العملية التركية تدفع الأكراد السوريين للتفاوض مع دمشق. وفي حقيقة سيتواصل "التهديد التركي" وسيجبرهم على البحث عن مكانهم في سوريا. وهذا لأن دمشق وموسكو يمكنهما تقديم ضمانات أمنية من الأتراك لهم، والوجود المستقل لن يحميهم من "العمليات المضادة للإرهاب" المستمرة في أنقرة التي تساهم في عملية إعادة بناء سوريا الموحدة.
ثالثا، في الحقيقة أن أنقرة نسقت هذه العملية مسبقاً مع موسكو وبهذا توطد التعاون الروسي التركي. وبالنظر إلى المدى الذي يمكن أن تحقق السياسة المنسقة بين الطرفين من الفائدة الكبيرة لكلا البلدين. فإن المعدلات هنا مرتفعة جدا.
وبطبيعة الحال، كل هذا يتحقق في حالة عدم تحول عملية "غصن الزيتون" إلى الحرب الكردية التركية الكاملة والطويلة. ولكن الآن يبدو أن خطط أنقرة لا تشمل تأجيل العملية ولا تصعيدها. وبالنسبة لروسيا فإن النقاط الأساسية الهامة هي:
1. يجب استعادة سوريا كدولة موحدة ودون وجود عسكري أجنبي.
2 - ينبغي تعزيز التفاهم والثقة المتبادلين في العلاقات مع تركيا ليس في أعقاب الحرب السورية فقط، فحسب بل نتيجة التسوية السورية. لا ينبغي أن تحس تركيا بأي قلق بشأن التهديد لأمنها من سوريا المنعشة.
3. يجب أن تصبح العلاقات داخل التحالف الثلاثي تركيا وروسيا وإيران ضماناً للسلام في سوريا وتساعد على تعزيز موقف روسيا في المنطقة كلها.
4. يجب على تركيا أن تعزز استقلالها عن الولايات المتحدة، وأن تبدأ كشكل مثالي بخطوة نحو الانفصال عن منظمة عسكرية لحلف شمال الأطلسي.
5. يجب أن يحصل الأكراد في سوريا على نوع ما للحكم الذاتي مع ضمانات لإدارتهم الذاتية ولكن بدون إمكانية تقسيم دولة موحدة.
إن التحرك نحو تنفيذ كل هذه النقاط سيساعد على تعزيز موقف روسيا في الشرق الأوسط
وسيرفع علاقاتنا مع دول المنطقة إلى مستوى جديد ويجعل بلدنا مشرفاً مناسباً للجميع في حل النزاعات والصراعات الإقليمية الرئيسية.
وكونها لاعب لا غنى عنه والذي سيساهم كثيراً في زيادة الوزن الجيوسياسي العام لروسيا في العالم الحديث ومتعدد الأقطاب.
