استبعد محللون سياسيون فلسطينيون أن تكون الجهود المصرية الأخيرة، والزيارة التي أجراها وفد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إلى القاهرة، قد أحدثت "اختراقاً" في ملف المصالحة الفلسطينية.
والأربعاء الماضي، عاد وفد الحركة، برئاسة إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، إلى قطاع غزة، قادماً من مصر، بعد زيارة استمرت لنحو 20 يوماً.
ووصفت الحركة، في بيان تلقّت "الأناضول" نسخة منه، تلك الزيارة بـ"الناجحة".
والتقى الوفد، بحسب البيان، مسؤولين مصريين لمناقشة "التطورات السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، وملف المصالحة، وكذلك العلاقة الثنائية على المستوى السياسي والأمني".
وفي إطار الجهود المصرية الرامية لتحريك ملف المصالحة، وصل الأحد الماضي، وفد أمني مصري إلى قطاع غزة، عبر معبر بيت حانون "إيريز"، لمتابعة تنفيذ اتفاق المصالحة.
وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقعت حركتا "فتح" و"حماس"، على اتفاق للمصالحة، في القاهرة، لكن تطبيقه لم يتم بشكل كامل وسط خلافات بين الحركتين بخصوص بعض الملفات.
وتتهم الحكومة الفلسطينية حركة حماس بعرقلة توليها لمهامها بشكل كامل في قطاع غزة، فيما تنفي الأخيرة ذلك وتقول إنها وفرت كل الظروف الملائمة لعمل الحكومة لكنها "تتلكأ في تنفيذ تفاهمات المصالحة".
**لا جديد
مصطفى إبراهيم، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، نفي وجود أي اختراق حقيقي في ملف المصالحة الفلسطينية؛ عقب الزيارة الأخيرة التي أجراها وفد "حماس" إلى القاهرة.
وقال إبراهيم، خلال حديثه مع "الأناضول": "أعتقد أن المصالحة تراوح مكانها ولا جديد يذكر".
ورجّح أن التحركات الأخيرة، التي جاء بها الوفد الأمني المصري، تأتي في إطار المحافظة على "سيرورة المصالحة الفلسطينية، وليس إنجازها".
وأوضح إبراهيم أن إنجاز ملف المصالحة بحاجة إلى "قرارات داخلية فلسطينية من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومن حركة حماس، للتوصل إلى نقاط مشتركة للملفات العالقة".
إلا أن نقاط الخلاف وعلى رأسها ملف "موظفي حركة حماس" لا زالت قائمة، ما يشير إلى أن ملف المصالحة "يراوح مكانه"، بحسب إبراهيم.
ورأى إبراهيم أن كل ما ينشر من تطورات إيجابية على صعيد ملف المصالحة، "قد يأتي في سياق التصريحات الكلامية، دون وجود أي شيء جدّي على أرض الواقع".
وأشار إلى أن لقاء الوفد الأمني المصري، الذي وصل غزة الأحد، بوزراء الحكومة الفلسطينية بغزة، لم ينتج عنه شيء.
وتابع: "الوزراء لا يمتلكون القرار، .. القرار الأخير هو للرئيس عباس، ولو كان هناك خطوات حقيقية كنا سمعنا بها؛ خاصة فيما يتعلق بملف الموظفين".
وعقب أحداث الانقسام في 14 يونيو/حزيران 2007، عيّنت حركة "حماس" نحو 40 ألف موظف حكومي، بهدف إدارة شؤون قطاع غزة، بعد مطالبة الحكومة الفلسطينية موظفيها بالقطاع بالاستنكاف عن الذهاب لأماكن عملهم آنذاك.
وتسبب ملف الموظفين، في تعطل خطوات تنفيذ اتفاق المصالحة الأخير، حيث تطالب حماس الحكومة الفلسطينية بدفع رواتب هؤلاء الموظفين، فيما تقول الأخيرة، إن موظفي غزة سيحصلون على رواتبهم في حال تمكينها من مسؤوليتها بالقطاع، وفق قرارات لجنة إدارية وقانونية شكلت بموجب اتفاق المصالحة.
وتحتاج المصالحة الفلسطينية من أجل تحقيقها إرادة حقيقية من كلا الطرفين من أجل إنهاء الانقسام، بحسب إبراهيم، الذي قال أيضا: "واضح غياب الإرادة، وضبابية ما هو مطلوب من حركة حماس، وما يريده الرئيس الفلسطيني".
وانتقد إبراهيم "الإجراءات العقابية" التي أقرّتها الحكومة الفلسطينية ضد قطاع غزة في أبريل/ نيسان الماضي، (من بينها تخفيض رواتب موظفي السلطة الفلسطينية بنسبة 30% وإحالة بعضهم للتقاعد المبكر)، كخطوات تقول إنها تأتي من أجل "الضغط على حماس لتحقيق المصالحة".
ورأى أن تلك الإجراءات العقابية لم "يتم تصويبها بالشكل الصحيح"، كما أنها "أفادت إسرائيل، التي تتهرب في الوقت الحالي من مسؤوليتها تجاه أزمات غزة، وتتهم السلطة الفلسطينية بالمسؤولية عنها."
ووصف إبراهيم تلك الخطوات بـ"السياسة الخاطئة التي تبعد من إتمام المصالحة بشكلها الحقيقي".
**مُعضلة التمكين
ولا يزال التقدّم بملف المصالحة الفلسطينية خطوة إلى الأمام مرهون بتمكين الحكومة في قطاع غزة، في ظل غياب مفهوم واضح ومحدد لما يُقصد به من "التمكين"، وفق إبراهيم.
وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي الفلسطيني: "نسمع من مسؤولين تمكين الحكومة يجب أن يكون فوق الأرض وتحتها، وفي هذا إشارة مبطنة لموضوع سلاح المقاومة".
ويعتقد المحلل السياسي أن المرحلة المقبلة قد "تشهد حديثاً عن سلاح المقاومة" الأمر الذي ترفضه حركة "حماس" بشدة، مشيراً إلى أن الرئيس الفلسطيني كان قد سبق وقال: "نريد سلطة واحدة وسلاح واحد".
واتفق مع إبراهيم، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، أكرم عطا الله، الذي قال إن القضايا العالقة "لا تزال شائكة، وأهمها ملف من يسيطر ويحكم في قطاع غزة؟".
ورأى عطا الله في حدثه للأناضول، أن زيارة الوفد المصري لقطاع غزة محاولة "لتحريك المياه الراكدة بين الحركتين، في إطار تطبيق بنود اتفاق المصالحة الأخير".
لكنّه استبعد أن تحدث تلك الزيارة "اختراقاً" حقيقياً في ملف المصالحة، في ظل عدم الحديث عن "الملفات الحقيقية".
ورجح أن يشهد ملف المصالحة تحركاً "بسيطاً جداً وبوتيرة بطيئة"، خلال الفترة المقبلة، فيما يعتبر أنه من "المستحيل أن يتم تطبيق الاتفاق بشكله الكلّي أو يشهد الملف تحركاً دراماتيكياً".
**فرصة أخيرة
طلال عوكل، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، اعتبر زيارة وفد حركة "حماس" إلى القاهرة "فرصة أخيرة من أجل إتمام ملف المصالحة".
ونظراً إلى طول المدة الزمنية التي قضاها وفد "حماس" في مصر، والتي استمرت لحوالي 20 يوماً، يعتقد عوكل أنها قد تعتبر مؤشراً إيجابياً لمضمون الزيارة.
كما رجّح عوكل أن تكون "حماس" قد قدّمت تعهّدات للجانب المصري في ملفي المصالحة، والعلاقات الثنائية، مستنداً بذلك إلى زيارة الوفد الأمني المصري للقطاع، ورضاه عن موقف الحركة.
وقال للأناضول: "الوفد الأمني المصري ما كان من الممكن أن يتحرك باتجاه غزة لمعاودة دوره في ملف المصالحة، لولا أنه حصل من حماس على تعهدات أو مواقف تشجعه على النجاح والاستمرارية".
وبناء على ذلك، قد تدفع تلك التطورات الطفيفة ملف المصالحة إلى الأمام، "باعتبار هذه الزيارة، هي الفرصة الأخيرة أمام الحركتين لإتمام ذلك الملف"، بحسب عوكل.
ويرجح عوكل أن تكون الخطوة التي أقدمت عليها مصر بإدخال شاحنات بضائع إلى قطاع غزة، عبر بوابة صلاح الدين الخاضعة لإدارتها فقط (بدون إدارة السلطة أو إسرائيل)، رسالة لحركة "فتح" أو "السلطة الفلسطينية" بأن مصر على استعداد لتطوير علاقتها بـ"حماس"، حال كانت هي الطرف المسؤول عن تعطيل المصالحة.
وبالتزامن مع زيارة "حماس" للقاهرة، شهد قطاع غزة دخول عشرات الشاحنات المحمّلة بالبضائع، عبر بوابة صلاح الدين، جنوبي القطاع (تسيطر عليها حماس من داخل غزة وتبعد نحو 3 كلم جنوب معبر رفح).