ميخائيل مجيد
الكاتب الصحفي، حصرياً لـ Eurasia Diary
أعلن حزب المعارضة الأرمني إيلك (انطلاق-Yelk)، بداية الثورة المخملية في أرمينيا، رداً على قرار قيادة البلاد تنصيب سيرج ساركسيان (Serzh Sargsyan) زعيماً مؤبداً يحكم أرمينيا حتى وفاته والآن في كرسي رئيس الوزراء.
كانت أرمينيا جمهورية رئاسية حتى ديسمبر 2015. في عام 2008، أنتخب سركسيان رئيساً لأرمينيا، في عام 2013 أعيد انتخابه. بتاريخ 6 ديسمبر 2015 في أرمينيا أجري الاستفتاء الذي تحولت أرمينيا من النظام الرئاسي إلى الجمهورية البرلمانية. و كان هذه التحول لصالح الحزب الجمهوري الحاكم وسيرج سركسيان للاحفاظ على السلطة في المستقبل، لأنه لم يحق له أن يرشح لفترة رئاسية جديدة بموجب قوانين البلاد. ولذلك، قرر الحزب الجمهوري الحاكم وزعيمه سيرج سركسيان (المحمي من عشيرة أرمن قاره باخ وموسكو)، في ديسمبر/ كانون الاول عام 2015 تحويل أرمينيا إلى جمهورية برلمانية. ومنح رئيس الوزراء بصلاحيات أساسية في إدارة البلاد، في حين أن جعلت صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة.
ويوم السبت ، وافق الحزب الجمهوري رسمياً على ترشيح الرئيس السابق سركسيان لمنصب رئيس للوزراء في البلاد. وانتهت سلطة سركسيان كرئيس في 9 من أبريل / نيسان الحالي، أنه ينوي إدارة أرمينيا من كرسي رئيس الوزراء. في الواقع ، قرر سيرج أن يصبح ملكاً أرمنياً أي حاكماً مدى الحياة.
يعتير إيلك حزباً موالياً لأوروبا ومناهضاً لروسيا. كما حشد الجماهير في شواريع يريفان جدية يبدو خطيراً لدرجة كافية. لكن ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت كافية لهدم النظام.
تسيطر روسيا على إدارة الدولة الأرمنية لحد كبير. تعود شركات الطاقة الكبيرة إلى اروسيا الاتحادية . يضطر مئات الآلاف من العمال الأرمن إلى الهجرة للعمل في روسيا وذلك بسبب عدم كفاءة الاقتصاد المحلي. حتى وقت قريب كان رئيس وزراء البلاد ذنباً للكرملين وأحد كبارمسئولي "غازبروم" كارين كارابيتيان. وأخيراً، يرتبط وجود الدولة الأرمنية ذاتها بوجود الوحدة العسكرية الروسية التي تغطي أراضي أرمينيا.
في سياق العلاقات العدائية مع أذربيجان وزيادة مستمرة لقدرة الجيش الأذربيجاني (أذربيجان الغنية بالنفط تشتري الأسلحة الحديثة من إسرائيل وروسيا وتركيا بكميات لم تتمكن أرمينيا من الوصول إليها تماماً) ولذلك اضطرت القيادة الأرمنية بالتمسك بالتحالف العسكري مع روسيا. أظهرت حرب أربعة أيام في أبريل / نيسان 2016 أن القدرات العسكرية المتزايدة لأذربيجان وعزمها الواضح على إعادة قاره باخ بقوة.
تلقي المعارضة لوماً على سيرج ساركيسيان بسبب هذه الأحداث. وهو متهم في تزوير الانتخابات، وفي أسعار الطاقة المتزايدة والمشاكل الاقتصادية الأخرى (فرض النظام الفاسد الأتاوي الفاسدة وغير الرسمية التي لا تطاق على رجال الأعمال الأرمن)، كما أنه متهم في الهزيمة العسكرية في حرب أبريل، وفي حقيقة أنه دمية روسية. بالإضافة إلى ذلك، أراد سيرج ساركيسيان الآن أن يصبح حاكماً مدى الحياة: لم يكن العديد من الأرمن مستعدين لصنع السلام في ظل مثل هذه الديكتاتورية الصريحة. يقترح حزب "إيلك" التركيز على النماذج الأوروبية والعمل بشكل وثيق مع الاتحاد الأوروبي. في السنوات الأخيرة ، جنباً إلى جنب مع المشاعر المناهضة للحكومة، كانت المشاعر المعادية لروسيا تنمو بسرعة في أرمينيا، لأن سيرج ساركيسيان هو أحد رعاة موسكو.
ومع ذلك، تمكن سيرج سركسيان وجماعته من الحكم في البلاد لسنوات عديدة بفضل العلاقات مع موسكو والوضع العسكري والسياسي غير المستقر. على الرغم من كراهية كبيرة لقادتهم يخاف الأرمن من زعزعة الاستقرار. إذا بدأت أعمال الشغب، كيف سترد أذربيجان عليها؟ لم يكن الجميع معجيبن بالروح المؤيدة لأوروبا لحزب "إيلك". وهذا ليس فقط بسبب مسيرات المثليين وغيرها من الابتكارات الاجتماعية والثقافية الأوروبية التي لن تقبلها أرمينيا في المستقبل المنظور. يفهم الجميع أن الاتحاد الأوروبي أغنى وأقوى من روسيا وأن نظامه الاقتصادي أكثر فعالية، وهذا هو الشيء الرئيسي.
لكن إذا فازت جماعة "إيلك"، هل توافق روسيا على مغادرة أرمينيا؟ هل الدولة الأرمينية قادرة على الوقوف بمفردها ضد أذربيجان، بعد أن فقدت حليفاً قوياً في شخص موسكو؟ بكل بد يمارس الاتحاد الأوروبي السياسة الخارجية الضعيفة بالصراحة، أنه لم يدافع حتى عن أوكرانيا المجاورة الصديقة، فماذا بعد ذلك نقول عن أرمينيا؟ ( وأما الولايات المتحدة، فإنها لا تبدي الكثير من الاهتمام لأرمينيا، علاوة على ذلك، لا يمكن للأميركيين وحليفتهم إسرائيل أن تحب الشراكة المتنامية بين أرمينيا وإيران). أخيراً، ماذا سيحدث للعمال الأرمن، بعد كل شيء، ومن المرجح أنه في حالة ثورة ناجحة وإقرار المسار المعادي لروسيا، فإن روسيا ستعيدهم إلى الوطن. من الذي سيطعم عائلاتهم؟ لا يمكن العمل في أرمينيا...
في الوقت نفسه، لا يمكن الحديث عن إبرام السلام مع أذربيجان على أساس حل وسط. لقد تمكنت الحرب الناجحة في كاره باخ (1992 - 1994) من منح الشرعية لدولة أرمنية المستقلة في نظر سكانها الفقراء الذين يعانون من النظام التسلطي في البلاد. هذا النصر هو مصدر الافتخار الوحيد لهذه الدولة (نحن نتحدث عن حاضر أرمينيا، وليس ماضيها). لذلك، فإن أي سياسي يقترح معاهدة السلام على أساس قاره باخ ستقابله الكراهية الشعبية ...
لقد وقعت أرمينيا في الفخ بسبب شعور وطني قوي. إنها ليست مستعدة للعيش بعد الآن بالاعتماد على روسيا، كدولة دمى وفقيرة وفاسدة ودولة استبدادية. والقيصرية ليست بما هو يستعد الشعب الأرمني لقبوله بمشاعره الديمقراطية القوية إلى حد كبير والمستوى العالي للنشاط الاجتماعي. لكن لا أحد يعلم ما إذا كانت أرمينيا ستتمكن من الوجود بدون روسيا. هذه هي المفارقة الرئيسية لأرمينيا الحديثة. ونحن لا نعرف حتى الآن كيف سيتم حلها.
كل هذه العوامل تؤثر على اختيار أرمينيا. لذلك، على الرغم من الكراهية الكبيرة لـسيرج ساركيسيان، إلا أنه لا يمكن على الإطلاق أن يكون المتظاهرون قادرين على جمع ما يكفي من الناس للإطاحة بنظامه التسلطي.
الترجمة من الروسية: د. ذاكر قاسموف