أقامت كازاخستان علاقات قوية وطيبة مع جيرانها وخاصة القوتين العالميتين روسيا والصين ، واستطاعت كازاخستان أن تنهي كافة المشاكل والقضايا العالقة سواء مع الصين والتي لم يستطع الاتحاد السوفيتي التوصل لحل لها طوال الفترة السوفيتية ، وكذلك تسوية المشاكل الحدودية مع روسيا وبشكل خاص الحدود البحرية في بحر قزوين ، وخلال فترة استقلالها التي تحتفل بمرور ربع قرن عليه هذا العام ، قدمت كازاخستان مبادرات هامة لإقامة تعاون وشراكة مع دول منطقة أوراسيا في مختلف المجالات ، والتي تُوجت بتأسيس الاتحاد الأوراسي .
بعد توطيد علاقاتها ليس في منطقة أوراسيا وحسب ، بل مع كافة الدول في قارتي آسيا وأوروبا ، تتجه كازاخستان نحو القارة الأفريقية ، والتي تمثل أهمية كبيرة لكافة دول العالم ، حيث تحاول الدول الاستعمارية السابقة للقارة احتكار التعاون مع دول القارة السمراء لصالحها ، واعتبارها منطقة نفوذ لها ، وتحاول منع الدول الأفريقية من الانفتاح علي باقي دول العالم .
أقامت كازاخستان علاقات دبلوماسية مع معظم دول القارة الأفريقية ، رغم وجود ثلاث سفارات لها في القارة " مصر ، إثيوبيا ، جنوب أفريقيا " ، كما حصلت علي صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي ، وهذا ما يفسر اهتمام كازاخستان بالدول الأفريقية ، باعتبارها من أكثر الدول التي لديها فرصاً هامة لتطوير المنافع المشتركة والمصالح المتبادلة سواء من خلال التعاون الثنائي ، أوالمتعدد الأطراف مع دول القارة الأفريقية .
كازاخستان من الدول الحبسية جغرافياً بسبب عدم وجود سواحل لها علي المحيطات أو البحار المفتوحة ، وهذا ما يزيد من صعوبة التعاون بينها وبين القارة الأفريقية ، وخاصة في المجال التجاري ، ولذلك فإن الطرفان يركزان علي توطيد العلاقات في إطار المؤسسات المتعددة الأطراف ، وهذا ما يفسر اهتمام كازاخستان بالمشاركة في مؤتمرات قمة الاتحاد الأفريقي , وذلك لاستمرار الاتصالات والتعاون مع دول القارة ، وتنسيق المواقف بشأن العديد من القضايا الدولية الهامة .
حصلت كازاخستان علي تأييد واسع من الدول الأفريقية , خلال منافستها مع مدينة لييج البلجيكية , حول استضافة معرض إكسبو الدولي 2017 ، وكذلك دعم الدول الأفريقية لمبادرة الرئيس نزار بايف بشأن إنشاء المنظمة الإسلامية للأمن الغذائي , حيث أن معظم الأعضاء في تلك المنظمة الجديدة هم من الدول الأفريقية ، إلي جانب مساندة الدول الأفريقية للمبادرة التي تقدمت بها كازاخستان بشأن " الإعلان العالمي لنزع السلاح النووي " والذي تقدم بها الرئيس نزاربايف في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، حيث صدر القرار الأممي بتأييد 35 دولة منها 11 دولة أفريقية , ومن بينها السنغال .
لقد عانت كازاخستان ومعظم دول القارة الأفريقية من تجارب الأسلحة النووية ، فقد أجرت فرنسا 17 تجربة نووية في الصحراء الكبرى على الأراضي الجزائرية ، وهذا ما يفسر اهتمام الدول الأفريقية بشأن قضايا نزع السلاح النووي ، وبناء عالم خال من الأسلحة النووية وتعزيز نظام عدم الانتشار النووي ، وقد تبني الجانبان في عام 1996 المبادرة الخاصة بجعل القارة الافريقية ومنطقة آسيا الوسطي خالية من الأسلحة النووية ، وتعول كازاخستان كثيراً علي دول القارة الأفريقية لدعمها في ترشحها للحصول علي العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي لعامي 2017 ، 2018 .
ساندت كازاخستان دول غرب أفريقيا في التصدي لتفشي فيروس إيبولا ، وقد خصصت مبلغ 350 ألف دولار إلي الاتحاد الأفريقي والصندوق الانمائي للأمم المتحدة لمكافحة هذا الفيروس ، كما تساهم كازاخستان بشكل فعال مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي , الذي يعمل علي تحسين مستوى التعليم في القارة الأفريقية ، وقد تم في أستانا عام 2015 تنظيم تدريب مهني لأكثر من 20 من ممثلي الدول الأفريقية في مجالات الرعاية الصحية , والزراعة والصناعة والنفط والغاز ، وفي هذا العام 2016 بدأ تنفيذ برامج لتدريب الدبلوماسيين الأفارقة في أديس أبابا بدعم من وزارة الخارجية الكازاخية .
تسهم كازاخستان بشكل كبير في الجهود الدولية لحفظ الأمن والسلام في القارة الأفريقية ، حيث يشارك العديد من العسكريين الكازاخستانيين ضمن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في كل من كوت ديفوار , وليبريا , والصحراء الغربية .
تحظي زيارة رئيس السنغال ماكي سال إلى كازاخستان يومي 20 ، 21 مايو 2016 بأهمية كبيرة ، باعتبارها أول زيارة لرئيس أفريقي من غير الدول العربية إلي أستانا ، حيث تفتح الزيارة صفحة جديدة في العلاقات بين كازاخستان ودول القارة الأفريقية , خاصة أن هناك رغبة قوية لدي كازاخستان في تطوير شراكة اقتصادية وسياسية مع السنغال التي تسعي هي الأخري لتوسيع نطاق علاقاتها الدولية مع المنطقة الأوروآسيوية , ولديها اهتمامات قوية بإقامة علاقات وثيقة مع دول آسيا الوسطي وخاصة كازاخستان التي لديها إمكانيات اقتصادية واستثمارية كبيرة , وتحتل مكانا ً هاما ً على خريطة العالم السياسية ، ووتتمتع بسمعة عالية في الساحة الدولية .
السنغال هي واحدة من الدول القليلة غير العربية في القارة الأفريقية التي أقامت معها كازاخستان علاقات علي أعلي المستويات الثنائية ، ففي سبتمبر 2013 اجتمع الرئيس نزاربايف , مع نظيره الرئيس سال على هامش قمة مجموعة العشرين في سان بطرسبرج ، وفي مارس 2008 , ترأس وزير الشئون الخارجية وفد كازاخستان خلال الدورة 11 في مؤتمر قمة منظمة التعاون الإسلامي في داكار ، وقد تم خلال الزيارة توقيع بروتوكول بشأن إقامة العلاقات الدبلوماسية بين السنغال وكازاخستان .
تعيش السنغال منذ استقلالها حالة مستقرة سياسياً , الأمر الذي انعكس بشكل كبير علي الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد ، فقد تفادي السنغال علي عكس أغلب الدول الأفريقية الأخري الانقلابات العسكرية والتحول السياسي العنيف ، ولذلك تشهد السنغال حالة نشطة من الديناميكية الاقتصادية والتنمية الديمقراطية ، وهذا ما جعل الانتخابات والحراك السياسي هو السبيل الوحيد لتداول السلطة في البلاد ، ولذلك تحظي السنغال بأهمية كبيرة لدي الدول الأوروبية باعتبارها من أكثر الدول استقراراً في غرب أفريقيا ، الأمر الذي ساعدها علي جذب الاستثمارات وتطوير مشاريع البنية التحتية بشكل كبير .
انتُخبت السنغال ثلاث مرات منذ استقلالها عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي ( 1968 - 1969 ، 1988 - 1989 ، 2016 - 2017 ) ، كما تم انتخابها ستة مرات في عضوية المجلس الاقتصادي والاجتماعي , الأمر يدل على درجة الثقة العالية التي تتمتع بها لدي المجتمع الدولي ، وهذا ما يؤكد علي الدور القيادي الذي تقوم به دكار في القارة الأفريقية .
السنغال لديها واحد من أهم الجيوش الأكثر كفاءة في المنطقة ، ولديه خبرة طويلة للمشاركة في عمليات حفظ السلام الدولية في مختلف أنحاء العالم تحت إشراف الأمم المتحدة , والاتحاد الأفريقي وغرب أفريقيا ، وهذا ما يعكس أهمية ومكانة السنغال علي الساحة الدولية .
إذا كان عدم وجود وسائل للنقل البحري بين كازاخستان والسنغال من أهم العقبات بين الجانبين لتطوير العلاقات التجارية ، إلا أنهما لديهما البدائل العملية لتطوير العلاقات الاقتصادية بينهما ، خاصة في القطاع الزراعي ، التي يعمل بها نحو 75 % من قوة العمل في البلدين ، حيث يمكن تطوير هذا القطاع بالتعاون بين الجانبين لتكون السنغال سوقاً لمختلف المنتجات الزراعية في غرب أفريقيا خاصة منتجات الفول السوداني والحبوب والقطن ومنتجات البستنة التي يتزايد الطلب عليها في السوق الأوروبية .
تطورت في السنوات القليلة الماضية عمليات استكشاف واستخراج النفط والغاز في المناطق الساحلية للسنغال علي المحيط الأطلسي من خلال شركة النفط الوطنية بالتعاون مع الشركات الأمريكية والبريطانية والاسترالية ، ويمكن تطوير التعاون بين السنغال وكازاخستان في هذا المجال ، حيث تمتلك كازاخستان محموعة من الشركات الهامة في هذا القطاع ، وهو ما يزيد من فرص التعاون في العديد من القطاعات الاقتصادية للتغلب علي مشكلة النقل التجاري للسلع بين البلدين .
تكتسب الروابط الثقافية أهمية متزايدة في العصر الحديث ، ليس فقط باعتبارها وسيلة إلى تعميق المعرفة المتبادلة , ولكن لأنها تعتبر أساساً هاماً للتعاون بين الأمم وتخلق جواً من الثقة والتفاهم المتبادل بين المم والشعوب ، ولذلك فإن تلك الروابط هي أحد المواضيع الرئيسية المطروحة علي مائدة المباحثات بين كازاخستان والسنغال من أجل تطوير العلاقات الثقافية بين البلدين ، إلي جانب مجال الرياضة ، والتعليم ، وخاصة البعثات العلمية للدارسين من السنغال الذين يدرسون التقنية والطب في جامعات كازاخستان ، بالإضافة إلي تنظيم دورات تدريبية للخبراء في مجال النفط والقطاعات الصناعية الأخرى من الصناعة ، كذلك لم يكن التعاون في المجال الأمني والعسكري ومكافحة الإرهاب بعيداً عن محادثات رئيسي كازاخستان والسنغال .
تكتسب زبارة رئيس السنغال إلي كازاخستان أهمية كبيرة لدي الطرفين ، حيث تفتح صفحة جديدة لتطوير العلاقات بين البلدين من جهة , وبين آسيا الوسطى ومنطقة غرب افريقيا وجنوب الصحراء الكبرى والقارة الأفريقية من جهة أخري , خاصة أن الزيارة تعد الأولي لرئيس دولة أفريقية غير عربية إلي كازاخستان ، وإلي إقليم آسيا الوسطي ، حيث تأتي عشية التصويت في مجلس الأمن في شهر يونيو علي اختيار كازاخستان عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي لعامي 2017 ، 2018 ، الأمر الذي يرجح تصويت أغلب إن لم يكن كل دول القارة الأفريقية لصالح كازاخستان ، هذا إلي جانب الاتفاقيات المتعددة في مختلف المجالات التي تم توقيعها خلال الزيارة وخاصة في المجال الاقتصادي ، الأمر الذي يعكس مدي تأثير تلك الزيارة علي الجانبين في المستقبل المنظور لتطوير التعاون بينهما في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية .
الكاتب أحمد عبده طرابيك
