انعكاسات الصراع الأمريكي الإيراني على مستقبل الشرق الأوسط

تحليلات 13:00 26.05.2019

في خطوة لم تكن مفاجئة، أرسلت واشنطن تعزيزات عسكرية ضخمة إلى منطقة الشرق الأوسط ضمّت حاملة الطائرات "أبراهام لنكولن" وخمس سفن حربية أخرى، ونشرت قاذفات استراتيجية من طراز "بي 52" في قاعدة العيديد القطرية التي يتمركز فيها نحو عشرة آلاف جندي أمريكي، وأعادت نشر بطاريات صواريخ باتريوت، كما قامت بتعزيز قواتها بسفينة هجومية برمائية.

الاستعراض الكبير لقوة الولايات المتحدة لم يقف عند هذا الحد، فهناك شبكة واسعة من القواعد العسكرية متمركزة في المنطقة منذ حرب الخليج الأولى عام 1991، من ضمنها قاعدة للأسطول الأمريكي الخامس في البحرين، ومقر الجيش الأمريكي الثالث في الكويت الذي يوجد فيه 16 ألف جندي أمريكي، وقوات أخرى في قاعدة الظفرة في الإمارات فيها حوالي 5 آلاف جندي، إلى جانب قواتها الخاصة في اليمن، هذا بالإضافة إلى أن لديها اتفاقية لاستخدام موانئ ومرافق ومطارات عُمانية.

بدأ الحصار الأمريكي لإيران، بتصفير الفوائد الاقتصادية للاتفاق النووي، المعروف رسمياً بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة"، من خلال الانسحاب منه، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية، ثم انتقل إلى العمل على تصفير صادرات إيران من النفط والغاز، ثم امتد ليشمل قطاعات الحديد والصلب والألومنيوم والنحاس الإيرانية بضمها إلى قائمة العقوبات.

الحصار الاقتصادي تبعه حصار عسكري، بدأ بتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، ما شكل ضربة مؤلمة للنظام الايراني، حيث يسيطر الحرس الثوري على مفاصل الدولة الايرانية، إضافة إلى حيازته ما يقارب ثلث الاقتصاد الايراني. ثم تطور الحصار العسكري ليصل إلى حشد قوة بحرية وجوية ضاربة، تنفيذا لاستراتيجية "الضغوط القصوى" التي أعلنتها إدارة ترامب لمواجهة ما تعتبره خطراً إيرانياً.

وكانت إدارة ترامب قد شكلت، يوم 16 أغسطس/ آب 2018، مجموعة عمل، أطلقت عليها "مجموعة العمل الإيرانية" برئاسة براين هوك، مدير التخطيط في وزارة الخارجية، لتنفيذ هذه الاستراتيجية. 

** أهداف التصعيد الأمريكي ضد إيران

أعلنت الإدارة الأميركية أنها لا تريد الحرب مع إيران؛ لكنها سترد "رداً سريعاً وحازماً" على "أي هجوم" قد تشنّه طهران أو أيٌّ من حلفائها على مصالح أميركية.

من الواضح أن الهدف من التصعيد الحالي، هو جر إيران إلى طاولة مفاوضات تحت السقف الأمريكي. لكن ذلك لن يتم بالسهولة التي يتخيّلها ترامب، حيث تريد طهران مفاوضات بشروطها وعلى طريقتها، من خلال إعداد وإخراج يتناسب مع خطاب المقاومة والممانعة، تحدّده طهران نفسها.

ما يقوي موقف طهران هو السلوك الأمريكي مع كوريا الشمالية، حيث درست طهران تلك التجربة واستوعبت دروسها، فلا تنازل إلا مقابل تنازل، وهذا يعني سلسلة من المساومات قد تطول أكثر مما يتصوّر الأميركيون، والإيرانيون بارعون في مجال المناورة والمماطلة. 

** الحرب خيار من .. الايرانيين أم الأمريكان ؟

تدرك الإدارة الأميركية أن كل القوى الدولية، من روسيا والصين إلى الاتحاد الأوروبي ومعظم أميركا اللاتينية وأفريقيا، لا تحبذ سياسات دونالد ترامب بل تمقتها وترفضها عموماً.

وتعلم طهران أن حظوظها، أمام هذا الحجم الهائل من القواعد والمعدات والترسانة الأمريكية، في أية مواجهة عسكرية مباشرة مع أمريكا ضعيفة جدا، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار الحصار وأثر العقوبات الاقتصاديّة المتراكمة على إيران، فإن الحرب لا يمكن أن تكون خيارا واقعيّاً لدى القيادة السياسية الايرانية بشقيها المحافظ والإصلاحي.

غير أن هذه المعادلة العسكرية غير المتوازنة لم تمنع طهران من إظهار قدراتها على إرباك خصومها ومفاجأتهم بطرق وأساليب وتكتيكات لم يتحسبوا لها، منها ما نسبه كثيرون لطهران من تنفيذ هجمات على السفن التجارية في الخليج أو تحريض الحوثيين على ضرب خطوط البترول في العمق السعودي.

في المقابل، تعلم طهران جيدا أن رفض النهج الأميركي لن يجلب لها دعما وتأييدا من أعداء واشنطن، أكثر من الشجب والاستنكار. لكنها ربما تتوهّم بأنها قادرة على تجيير بعض المواقف الدولية لمصلحتها، وقد تتوهّم أنه يمكنها أن تخرج قوية ومنتصرةً في مواجهة عسكرية محدودة إذا حصلت، اعتمادا على امتداد أذرعها وتعدد خياراتها الممتدة على رقعة جغرافية تشمل منطقة الشرق الأوسط وجزء من أفريقيا، مما يمنح الايرانيين قدرة إضافية على المبادرة والمفاجأة.

رغم تصريحات الطرفين الأمريكي والإيراني التي تشير غلى عدم الرغبة في الحرب، فإن الإيرانيين يحاولون إظهار أنهم على أهبة الاستعداد للحرب، وأن لديهم مفاجآت تربك الخصوم. مقابل ذلك ترد أنباء عن استعدادات أمريكية ممنهجة للحرب، منها وصول المستشفى الحربي الأمريكي Mercy Class الذي يضم 1000 سرير إلى الخليج، والتدابير العسكرية والأمنية ورفع الجاهزية للقوات الأمريكية الموجودة في المنطقة، فهل تحدق المبارزة بين الجبروت الأمريكي والدهاء الايراني؟.

** الرهان الأمريكي على ضعف الجبهة الداخلية الايرانية

أدى الانفاق العسكري غير المتوازن مع الموارد دوراً سلبياً على النمو الاقتصادي، حيث ارتفع معدل التضخم من معدل 11.9 % عام 2014 الى 34.9 % عام 2018. كما ارتفعت نسبة البطالة إلى 25 % من عدد السكان ، بينما يعاني 40 مليون إيراني من العيش تحت خط الفقر؛ أي نصف عدد السكان في بلد يمتلك 10 في المئة من احتياط النفط في العالم.

ارتفعت الميزانية العسكرية في ايران عام 2018م بنسبة 33 % قياسا بعام 2017، بينما انخفضت ميزانية الصحة بنسبة 23 في المئة، كما انخفضت ميزانية التعليم إلى 8.4 في المئة من إجمالي ميزانية البلاد.

كما بلغ العجز في الموازنة العامة لعام 2018م التي عرضها الرئيس الإيراني أمام البرلمان بنسبة 28 في المائة، وما تزال ميزانية عام 2019 التي كان من المقرر إرسالها إلى البرلمان الإيراني قيد المشاورات من أجل تغييرها بناء على “إصلاحات” خامنئي.

وتدنى سعر صرف العملة الايرانية ليصل إلى أقل مستوياته على الإطلاق، حيث خسر أكثر من 85 % من قيمته أمام الدولار ليصل إلى 43,166.90 تومان مقابل الدولار الواحد.

لعل السبب الرئيس فيما آل الوضع الاقتصادي في ايران، هو سيطرة الحرس الثوري على نحو 55 % من حجم الناتج القومي للبلاد، واستخدام هذه الأموال في دعم الميليشيات الطائفية المسلحة العاملة خارج إيران.

نجم عن ذلك تزايد الديون، وارتفاع الضرائب، وانخفاض إنتاجية القطاع الخاص، وتراجع معدلات الادخار والاستثمار، ما دفع الشعب الإيراني للخروج للشوارع تعبيرا عن سخطه واحتقانه الداخلي في مظاهرات غاضبة عمت قبل أشهر معظم المدن الإيرانية. 
** إيران جاهزة لمقايضة رأس الأسد وروسيا لمقايضة رأس إيران

لولا الدعم الإيراني لسقط نظام الأسد، عبارة طالما كررها المسؤولون الايرانيون. لا أحد يماري في أن الدعم الايراني لبشار الأسد هو الذي حال دون سقوطه، سواء كان هذا الدعم بالتدخل العسكري المباشر من خلال حزب الله والميليشيات الشيعية التي جلبتها إيران من مختلف البلدان، أو من خلال الدعم الاقتصادي خصوصا فيما يتعلق بالإمدادات النفطية.

مقابل دعمها، وقعت ايران اتفاقيات كثيرة مع نظام الأسد، حصلت من خلالها على بعض المكتسبات المادية، لكن جميع هذه المكتسبات المستقبلية لا يمكن أن تغطي إلا الجزء اليسير مما أنفقته إيران نقدا في سورية. خصوصا وأن نظام الأسد قام بتوقيع بيع / إيجار بعض المؤسسات الحكومية للروس والايرانيين بوقت واحد!.

في المؤتمر الصحفي المشترك بين وزيري خارجية أمريكا وروسيا، بدا واضحا أن الطرف الروسي غير مكترث بالحشود والتهديدات الأمريكية ضد حليفه الاستراتيجي الايراني، ما أوحى بأن ثمة اتفاق بين واشنطن وموسكو حول إيران.

اللافت أكثر، هو تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما ألقى باللائمة على إيران قائلا: "كان الأحرى بإيران أن لا تنسحب من الاتفاق النووي ونحن غير قادرين على إنقاذ الجميع" .. وتابع بقوله: "بمجرد أن تتخذ إيران الخطوات الأولى كرد فعل، وتعلن خروجها من الصفقة، في اليوم التالي سينسى الجميع أن الولايات المتحدة كانت هي البادئ بانهيار الاتفاق، وسيتم إلقاء اللوم على إيران. والرأي العام، والعالم، سوف يتخذ اجراءات في هذا الاتجاه “.

وأضاف بوتين بأن "روسيا ليست فرقة إطفاء ونحن غير قادرين على إنقاذ الجميع". وبدت الجملة الأخيرة بمثابة رسالة مفتوحة لواشنطن بأن موسكو على أتم الاستعداد لمقايضة طهران إن لزم الأمر.

** خلاصة القول: 

إذا كانت واشنطن لا تريد الحرب فلماذا كل هذه الحشود العسكرية الضخمة وهذا الاستعراض للقوة ؟!.

وإذا كانت إيران مستعدة للمفاوضات فلماذا لم تجلس على الطاولة حتى الآن ؟!.

وإذا كان الأمر يتعلق بصفقة القرن، فقد تم إنجاز القسم الأعظم منها، فهل يحتاج الجزء اليسير المتبقي، المتمثل بالإعلان عنها، لكل هذه الضوضاء ؟!.. 

ثمة عملية هندسة أمريكية تعيد ترسيم منطقة الشرق الأوسط تطبخ منذ فترة.. فهل بدأتها إدارة ترامب قبل تمام نضوجها ؟!.

دعونا نختم بتغريدة الصحفي اللبناني محمد قواص : "دعوة ‫واشنطن‬ لاتفاق بديل يحوِّل ‫إيران‬ إلى دولة "عادية"، يكتنفها كثير من التبسيط والسذاجة.. الجمهورية الإسلامية لم تقم كي تتحول إلى دولة عادية. وأي تراجع عن القماشة الحالية لدولة الولي الفقيه في بُعدها العقائدي والفقهي والمذهبي، يؤدي، في عرف نظام ‫طهران‬ إلى سقوط النظام".‬‬‬

مصور حيدر علييف : حيدر علييف كان سببًا في احترافي التصوير

أحدث الأخبار

روسيا تحرز تقدما جديدا في الاشتباكات الحدودية قرب خاركيف
16:00 12.05.2024
انطلاق احتفالية شوشا عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي 2024
15:00 12.05.2024
رئيس ليتوانيا يأمل في الفوز بولاية جديدة في انتخابات
14:00 12.05.2024
سلطان عمان في زيارة دولة إلى الكويت
13:00 12.05.2024
رئيس وزراء اليونان يزور تركيا
12:00 12.05.2024
اندلاع حريق في مصفاة نفط في روسيا
12:00 12.05.2024
يشبه المهاجرين بثعبان
11:00 12.05.2024
بايدن يضع شرطاً لوقف حرب غزة
10:00 12.05.2024
العراق يطيح بشبكتين دوليتين للإتجار بالبشر
09:00 12.05.2024
هايدي كون تجتمع مع وزير الخارجية الأمريكي
17:29 11.05.2024
المصور الإسباني جيرفاسيو سانشيز يزور مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة
16:38 11.05.2024
الجيش الإسرائيلي: 300 ألف شخص نزحوا من شرق رفح
15:00 11.05.2024
رئيس جهاز المنظمات غير الحكومية في الأمم المتحدة يزور أذربيجان
13:53 11.05.2024
القبض على عصابة لتهريب السوريين إلى لبنان
12:00 11.05.2024
ممثل مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة في اوزبكستان يحصل على وسام مئوية حيدر علييف
11:18 11.05.2024
الجيش الإسرائيلي يتدرب لحرب محتملة مع حزب الله
11:00 11.05.2024
الإمارات ترفض تصريحات نتنياهو حول دعوتها المشاركة في إدارة غزة
10:00 11.05.2024
حزب الله يعلن استهداف جنود إسرائيليين في المطلّة بشمال إسرائيل
09:16 11.05.2024
قوى تحرير السودان» تعفي رئيسها وتتهمه بالخيانة العظمى
09:00 11.05.2024
تأثير التواجد العسكري الروسي في أرمينيا على المنطقة
17:00 10.05.2024
خبير سياسي: انسحاب روسيا من أرمينيا سيغير الوضع الجيوسياسي في جنوب القوقاز
16:00 10.05.2024
خبير سياسي : الشعب الأرميني لن يسمح بالإطاحة بباشنيان
15:30 10.05.2024
انطلاق اجتماع وزراء خارجية أذربيجان وأرمينيا في كازاخستان
15:00 10.05.2024
بيراموف يجتمع مع وزير خارجية كازاخستان
14:51 10.05.2024
ميرزايف : حيدر علييف القائد الأبدي لأذربيجان
12:50 10.05.2024
بيراموف سيجتمع اليوم مع وزير الخارجية الأرميني في كازاخستان
11:57 10.05.2024
مصرف تركيا المركزي يرفع توقعاته للتضخم إلى 38 % بنهاية العام
11:45 10.05.2024
مصور حيدر علييف : حيدر علييف كان سببًا في احترافي التصوير
11:43 10.05.2024
كارثة إنسانية عميقة بدأت تتشكل إثر اجتياح رفح
11:30 10.05.2024
جدل مصري متصاعد بشأن التحركات العسكرية الإسرائيلية الحدودية
11:15 10.05.2024
بيراموف يزور كازاخستان
11:03 10.05.2024
تنسيق مصري- أردني بوجه ترتيبات إسرائيلية في «رفح
11:00 10.05.2024
تركيا مزاعم إسرائيل بتخفيفنا الحظر التجاري معها محض خيال
10:45 10.05.2024
تركيا تدرس اتخاذ إجراءات مالية جديدة لخفض التضخم
10:30 10.05.2024
انفجار إطار طائرة أثناء هبوطها في تركيا
10:15 10.05.2024
الصومال يدعو إلى إنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة
10:00 10.05.2024
السعودية تستقبل طلائع الحجاج بالترحاب... والورود
09:45 10.05.2024
إيران تفرج عن سبعة من أفراد طاقم سفينة احتجزتها الشهر الماضي في الخليج
09:30 10.05.2024
الرئيس الصيني في المجر للاحتفاء بالصداقة بين البلدين
09:16 10.05.2024
ذكري ميلاد الزعيم القومي حيدر علييف
09:03 10.05.2024
جميع الأخبار