بالنسبة لبعض المواطنين الأتراك، فإن سماعهم أن عملية نبع السلام التي يقوم بها إردوغان يُنظر إليها على أنها عمل عدواني وتُوصف بأنها غزو من قبل مراقبين عرب وغربيين يُشعرهم بإحباط شديد. لأنه بالنسبة لهم، كانت عملية نبع السلام عبارة عن حملة لمكافحة الإرهاب لا بد من تنفيذها.
بدأ الجيش التركي توغّله في الشمال السوري، مع مجموعات سورية مدعومة من تركيا، في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2019، قائلاً إنه يريد إنشاء "منطقة آمنة"، وتطهير الحدود من وحدات حماية الشعب (YPG) وتمهيد الطريق لعودة ملايين اللاجئين السوريين. أُوقِفت العملية مؤقتاً بعد ثمانية أيام، وطوال هذا الوقت تلقّت الدعم، أو على الأقل الموافقة، من غالبية المجتمع التركي، كما أشار العديد من المراقبين.
حرص أحد هؤلاء المراقبين، أستاذ العلوم السياسية "تانجو توسون"، على التأكيد أنه لا يوجد بيانات تجريبية لقياس هذه الموافقة أو مستوى الموافقة، بيد أن الإحساس السائد يشير إلى تأييد شعبي مستمر. يقول توسون لقنطرة: "كان للعملية تأثير مهدئ على السياسة الداخلية. كان هناك فترة راحة في الاستقطاب والتوتر بين الحكومة والمعارضة".
يواصل توسون: "على الرغم من نقدهم للسياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية، فإن حزب الشعب الجمهوري (CHP) والحزب الصالح القومي فضّلا أن يدعما حزب العدالة والتنمية الحاكم فيما يتصل بالمصالح القومية".
"قد تكون هناك فروقات في الآراء، بين مسؤولي الحزب وناخبي القاعدة الشعبية. من المرجح أيضاً أن وسط اليمين التركي ووسط اليسار التركي لا يدعمان العملية بالمستوى نفسه وإلى الحد ذاته. أعتقد أن القطاعات الأكثر ليبرالية من المجتمع التركي الأكثر ارتباطاً مع وجهة نظر العالم الخارجي ترى القضية من منظور القانون الدولي والعلاقات الدولية، بينما العناصر الأكثر قومية تميل إلى أن تكون أكثر تأييداً"، كما يقول توسون.
عدم احتمال أي معارضة
كما أشار إلى أن حزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، والذي يستمد معظم دعمه من مناطق تركيا ذات الأغلبية الكردية، كان الحزب السياسي الوحيد المُمثّل في البرلمان التركي والذي عارض العملية علناً.
وها هما الرئيسان المشترَكان لحزب الشعوب الديمقراطي، سيزاي تيميلي، وبيرفين بولدان، قيد التحقيق بسبب انتقادهما الصريح لعملية نبع السلام، وهما متّهمان بـ "تنفيذ دعاية لمنظمة إرهابية، والإساءة للحكومة التركية علناً".
بيد أنهما ليسا الوحيدين. إذ اتّخذت الشرطة التركية إجراءات قانونية ضد أكثر من 100 شخص بسبب "إثارة الكراهية والعداء عبر حملة تشويه"، بما في ذلك رئيسا تحرير اثنتين من وسائل الإعلام المعارضة وسيزغين تانريكولو، وهو نائب عن حزب الشعب الجمهوري والرئيس السابق لنقابة المحامين في ديار بكر.
وفي الوقت ذاته، تعرّض رئيس اتحاد نقابات المحامين الأتراك، متين فوزي أوغلو، لانتقادات من بعض زملائه بسبب تعليقات أدلى بها في برنامج تلفزيوني حول التوغل التركي. إذ أكّد أنه إذا تعرضت دولة لهجوم من مجموعة تستخدم مدنيين كدروع بشرية فإن الدولة ليست مسؤولة عن حماية أرواح هؤلاء المدنيين.
غير أن الجدل الفوري كان قصير الأجل. وقد تابع فوزي أوغلو هذه الملاحظة برأي آخر يعكس الشعور الشعبي المهيمن حول العملية، والقضية الأوسع. إذ قال إن هؤلاء الذين "لا يُدِينون" حزب العمال الكردستاني المحظور (PKK) حتى "بفتور" ينتقدون تركيا فعلياً.
أما حزب العمال الكردستاني، فهو مدرجٌ على قائمة المنظمات الإرهابية من قِبَل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتقول أنقرة أن امتداده في سوريا -أي وحدات حماية الشعب (YPG)- تشكّل تهديداً تشاركت معه الولايات المتحدة في قتالها ضد داعش.
ويميل الرأي العام الواسع الانتشار إلى أن يعكس وجهة نظر فوزي أوغلو. بالنسبة للقوميين، فإن تبنّي موقف كهذا، يعني أن تكون ضد تركيا بصورة متعمدة، حتى أن البعض يزعم أن وجهة النظر هذه تخفي رغبة عميقة في تدمير تركيا.