يصادف اليوم 30 سبتمبر الذكرى السنوية الثالثة لبدء العملية العسكرية الروسية في سوريا، والتي غيرت ميزان القوى وتطور الأحداث في الأزمة السورية ميدانيا وسياسيا .
دخلت القوات الروسية المعركة الدائرة على أرض سوريا تحت راية مكافحة الإرهاب، والحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها، إضافة إلى المساهمة في إيجاد تسوية سياسية لأزمتها التي باتت تداعياتها المدمرة تطال القريب والبعيد.
- عسكريا، تمكن الجيش السوري وحلفاؤه بدعم من القوات الجوية الروسية، من استعادة السيطرة على 75% من أراضي البلاد بعد أن كان يسيطر على 8% فقط منها عند انطلاق العملية العسكرية الروسية في سوريا سنة 2015.
وساعد الدعم الروسي في دحر التنظيمات الإرهابية وتطهير معظم أراضي سوريا من وجودها، باستثناء محافظة إدلب، التي يبقى مصيرها رهنا بتنفيذ الاتفاق الذي عقده الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في 17 سبتمبر الجاري.
وبذل الجيش الروسي جهودا لإعادة بناء قدرات الجيش السوري الذي استنزفته سنوات القتال، وبمشاركة مباشرة من المستشارين العسكريين الروس تم تشكل اللواء الخامس، الذي يعتبر الوحدة الأقدر على القتال في صفوف الجيش السوري.
- وعلى الصعيدين السياسي والدبلوماسي، تمكنت روسيا من إرساء آليات للمصالحة الوطنية، سمحت بتجنيب الكثير من المناطق السورية مخاطر القتال والدمار، ولعبت موسكو دورا محوريا في التوصل إلى اتفاقات أمنية بضمانات إقليمية، ساهمت في خفض حدة التوتر في البلاد إلى حد بعيد.
ولولا دخول موسكو على خط الأزمة السورية، الأمر الذي غيّر موازين القوى على الأرض وترافق بجهود دبلوماسية حثيثة، لما تسنّى جمع إيران وتركيا الخصمين الأساسيين على الساحة السورية سابقا، في إطار مشترك مثل صيغة آستانا، التي مهدت لتفاهمات واتفاقات هامة، أطلقت عملية الحوار الوطني السوري عبر مؤتمر عقد في سوتشي الروسية في يناير 2018.
وخلافا لمفاوضات جنيف التي ظلت تراوح مكانها شهورا وسنوات، نجح مؤتمر سوتشي في إطلاق مساع عملية تحت رعاية أممية لتشكيل لجنة صياغة الدستور السوري، كخطوة أولى نحو الإصلاح السياسي المنشود.
- إنسانيا، ساعدت موسكو السلطات السورية في تحقيق تقدم ملموس لتجاوز تركة الحرب الثقيلة في المناطق المحررة، حيث عملت وزارة الدفاع الروسية عبر مركز المصالحة في سوريا التابع لها على تقديم المعونات الإنسانية للسكان، إضافة إلى تقديم الخدمات الطبية والمستلزمات الأولية.
كما عملت القوات الروسية على نزع الألغام في الطرق ومنشآت البنية التحتية والمرافق العامة، تمهيدا لإعادة تأهيلها وتشغيلها.
ولعبت موسكو دورا بارزا في إطلاق عملية عودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى ديارهم، وسعت دوليا إلى حشد دعم دبلوماسي لهذه العملية، وأخذت على عاتقها جزءا من الأعباء المتعلقة بعودة اللاجئين عبر نشاطات مركز لاستقبال وإيواء وتوزيع اللاجئين استحدثته وزارة الدفاع الروسية قبل أشهر.
وحسب المعطيات الأخيرة، بلغ عدد السوريين الذين عادوا إلى ديارهم حتى الآن، نحو مليون و480 ألف شخص، بينهم نحو 244 ألف لاجئ. ومن المهم الإشارة إلى أن الفضل في قرارهم العودة يعود بشكل أساسي إلى الضمانات الأمنية التي قدمتها موسكو لهم من خلال نشر عناصر الشرطة العسكرية الروسية في المناطق الأكثر حساسية.
ديناميكية جديدة
لا تزال هناك عقبات تواجه موسكو في تحقيق مهامها المعلنة في التدخل العسكري في سوريا، حيث تبقى بعض مناطق البلاد خاضعة لقوى خارجية، كما لا تزال مسألة إدلب بانتظار حل جذري يحترم سيادة سوريا ووحدة أراضيها.
وعملية التسوية السياسية مازالت في بداياتها وتتقدم بوتيرة لا تلبي تطلعات السوريين إلى السلام والأمان، وهذا التقدير ينطبق أيضا على عمليتي عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، وسط تملص عدد من اللاعبين الدوليين من دعمهما وربطها بشروط سياسية تعجيزية.
لكن ديناميكية التحولات التي شهدتها الأزمة السورية ميدانيا وسياسيا على حد سواء خلال السنوات الثلاث للعملية العسكرية الروسية، تبعث على التفاؤل بإمكانية إحلال السلام والاستقرار في هذا البلد المنكوب، لا سيما أن الالتزام الروسي بدعمه يبقى التزاما طويل الأمد.