قد لا تقتصر تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن مدينتَي حلب والموصل، على حدود «دروس التاريخ»، إذ ترافقها استعدادات عسكرية ونفسية وإعلامية وسياسية في تركيا، تشير في غالبيتها إلى وجود خطة متكاملة، قصيرة وبعيدة المدى، تُطبّق خطوة خطوة، من خلال التدخل العسكري التركي في شمال سورية، والاستعداد لعمل مشابه في شمال العراق.
وتواصل وسائل إعلام تركية موالية للحكومة منذ أسبوعين، نشر أخبار كثيفة عن «حق تاريخي لتركيا في الموصل وكركوك وشمال سورية». كما سرّبت معلومات عن تعديل «الكتاب الأحمر» الذي يتضمّن استراتيجية الدفاع عن الأمن القومي التركي.
وأشارت إلى أن مجلس الأمن القومي التركي أقرّ أخيراً تعديلات طلب أردوغان إدخالها على الكتاب، وتفيد بأن لدى تركيا خطَّيْ دفاع عن أمنها، يبدأ كلاهما من خارج حدودها. الخط الأول، والأبعد، يمتدّ بين قطر والصومال. أما الخط الثاني، وهو الأقرب، فيمتدّ من كابول إلى الموصل فحلب.
وذكّرت وسائل الإعلام التركية بأن لدى أنقرة في هذه المواقع الخمسة، قواعد عسكرية ستعمل لتوسيعها وتعزيزها، ثم لزيادة تواصلها الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي مع تلك المناطق التي ستصبح جزءاً من الأمن القومي التركي.
ويتحدث مسؤولون أتراك عن أن المعركة ضد تنظيم «داعش» ستحوّل شمال الموصل وشمال حلب أرضاً بلا سيادة، مرجّحين تمركز تنظيمات «إرهابية» أخرى فيهما، مثل «حزب العمال الكردستاني». ويرى هؤلاء أن مصلحة أنقرة تقضي بوجود عسكري رادع هناك، وربما هيمنة سياسية لاحقاً، من أجل ضمان أمن الحدود التركية.
وفي هذا الإطار، تجري أنقرة مفاوضات دقيقة جداً مع موسكو وواشنطن، مستغلّةً خلافهما، وأحياناً اتفاقهما على نقاطٍ، وتتقدّم في خطتها خطوة بعد أخرى، متجاهلة التهديدات الإيرانية والعراقية والسورية.
وترى أوساط سياسية أن هذا المشروع التركي بات استراتيجية يصعب على أنقرة التخلّي عنها، بل أن بعضهم يربط بين هذه السياسة الأمنية في الخارج، وبين مشروع أردوغان لتحويل النظام رئاسياً. ويعتبر هؤلاء أن هذا المشروع الطموح يتطلّب رئيساً يتمتّع بصلاحيات واسعة، ولا تعرقله تقلّبات السياسة الداخلية. ويشيرون إلى أن النظام الرئاسي قد يهيئ تركيا لنظام الفيديراليات والولايات الذي قد يبدو أصلح للمشروع التركي الجديد، في حال أدت الصراعات في المنطقة إلى تقسيمها، خصوصاً سورية والعراق.
على صعيد آخر (أ ب، رويترز)، أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أن بلاده ستستدرج في كانون الثاني (يناير) المقبل مناقصات لتشييد جسر معلّق وتشغيله على مضيق الدردنيل. وقدّر قيمة المشروع بـ10 بلايين ليرة تركية (3.25 بليون دولار)، لافتاً إلى اهتمام مقاولين أتراك وآسيويين بتنفيذه.
وأشار إلى أن تشييد الجسر الذي سيبلغ طوله 3.7 كيلومتر، سيبدأ في 18 آذار (مارس) 2017، في ذكرى واحدة من الانتصارات الأخيرة للإمبراطورية العثمانية، مرجّحاً استكماله خلال خمس سنوات.
ونفّذت تركيا مشاريع بنية تحتية طموحة خلال عهد أردوغان، بما في ذلك واحد من أضخم الجسور المعلّقة في العالم، فوق مضيق البوسفور في إسطنبول، افتُتِح في آب (أغسطس) الماضي.
من جهة أخرى، ألغت وزارة الخارجية الألمانية خططاً لحفلة تحييها «أوركسترا دريسدن السيمفونية»، في قنصليتها في إسطنبول، كانت مقررة في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، تتمحور حول مجزرة الأرمن عام 1915. وكان البرلمان الألماني أغضب تركيا، بعدما أصدر قراراً يعتبر تلك المجزرة «إبادة جماعية».