الإسلام دين ودولة؟....لكن أي دين نقصد وأية دولة؟

فصل الدين عن الدولة أم فصل الدين عن السياسة؟

ثقافة 11:00 29.09.2019
موريس عايق يكتب: إن أي نقاش حول "هل الإسلام دين ودولة أم لا؟' يجب أن يبدأ بالسؤال، أولاً وقبل أي شيء: ما الذي نعنيه بالكلمات التي نستعملها، دولة أولاً ودين ثانياً. عندها فقط سنريح أنفسنا من الكثير من سوء الفهم.

أثار شعار "الإسلام دين ودولة" الكثير من الخلافات والنقاشات، لكن الذي يَهم في هذا المقال هو النقاش الذي يدور حول حداثة الشعار، حيث يوجد تصوران أساسيان حول الموضوع. يقول الرأي الأول بحداثة هذا الشعار، منطوقاً ومضموناً، باعتباره نتاج تجربة التحديث والاندماج في النظام العالمي الحديث، وأن هذا الشعار يعبر عن تصور حديث للإسلام مرتبط بالإسلام السياسي ونشأته، فيما يذهب الرأي الثاني، والذي يجد جمهوره أساساً في تيار الإسلام السياسي، إلى أصالة هذا الشعار وأن الجديد ليس سوى المنطوق.

لكن، لجهة المضمون، فإن الإسلام كان دوماً ديناً ودولةً. الشيء الذي يهمني هو محاولة فهم مصدر الخلاف بين هذين الرأيين، هل هو خلاف حول ما نعتقده بصدد الإسلام، أم أنه خلاف حول معاني الكلمات التي نستخدمها؟ بتعبير آخر، هل لدينا آراء متباينة حول طبيعة الإسلام، أم أننا نفهم أشياء مختلفة ونحيل على أشياء مختلفة عندما نتحدث عن «الدولة» أولاً وعن «الدين» ثانياً؟

سيكون من المجدي بدايةً التمييز بين طرحين متباينين داخل المعسكر الأول، بين تيار يرى أن الإسلام مجرد دين ولا يحمل أي مضمون سياسي، وكل ما هو سياسي كان ممارسة مدنية محضة من دون أي بعد ديني.

ويعتبر عمل الشيخ علي عبد الرازق «الإسلام وأصول الحكم» أول التعبيرات عن هذا الرأي. أعتقد أنه من الصعب الدفاع عن هذا الرأي، إن لجهة معرفتنا بتاريخ الإسلام أو لأن هذا التيار لا يساجل حول حداثة شعار «الإسلام دين ودولة»، إنما يذهب إلى نفي السياسة نفسها عن الإسلام الذي يفهمه في ضوء تصور معين للدين يقصره على العبادات فقط. يفهم هذا التيار الدين باعتباره مقتصراً على العبادات إذ تصبح المعاملات أمراً خارجياً لأي دين، والإسلام باعتباره ديناً يصبح مقتصراً على العبادات.

البعد السياسي للإسلام

كتاب “الإسلام وأصول الحكم” للشيخ الأزهري علي عبد الرازق يهدف إثبات أنّ الإسلام دين روحي لا دخل له بالسياسة، أو بالأحرى لا تشريع له في مجال السياسة، فالسياسة أمرٌ دنيوي يعود للناس اختيار وسائله ومبادئه. وهو يرى أنّ نظام الخلافة الذي نُسِب للإسلام ليس من الإسلام في شيء، إنّما هو من وضع المسلمين.

كتاب “الإسلام وأصول الحكم” للشيخ الأزهري علي عبد الرازق يهدف إثبات أنّ الإسلام دين روحي لا دخل له بالسياسة، أو بالأحرى لا تشريع له في مجال السياسة، فالسياسة أمرٌ دنيوي يعود للناس اختيار وسائله ومبادئه. وهو يرى أنّ نظام الخلافة الذي نُسِب للإسلام ليس من الإسلام في شيء، إنّما هو من وضع المسلمين.

لكن هناك رأيا آخر داخل معسكر حداثة الشعار لا ينفي البعد السياسي عن التجربة التاريخية للإسلام ولكنه مع ذلك يقرر حداثة فكرة «الإسلام دين ودولة». هنا يدور السجال حول ماذا نفهم من «الدولة». الدولة هي مؤسسة تحتكر العنف الفيزيائي في شكل شرعي على أرضها، بما يتضمن أيضاً احتكارها السيادة التي تفترضها «شرعية» احتكار العنف. فكرتنا عن الدولة تمرّ عبر الإقليم (الوطن) الخاص بالدولة والذي يعيش عليه شعب الدولة، وأن الدولة تحتكر في شكل شرعي العنف داخل هذا الإقليم، وتملك تالياً حق السيادة بما تتضمنه من احتكارها حق القضاء والقانون (التشريع) وإقراره، ولاحقاً تقرير المصلحة العامة والحق العام وكل هذه الأمور. لكن تصور الدولة هذا هو تصور حديث، يجد جذوره داخل التجربة الأوروبية ابتداءً من عصر الملكية المطلقة.

تتباين الدولة الحديثة مع الدول التاريخية السابقة عليها حول كل عنصر من هذه العناصر تقريباً، فالدول التاريخية لم يكن لديها تصور عن الإقليم/الوطن، فسلطان «الدولة» يمتد إلى كل أرض تخضع لسلطتها، والدول لا تطالب بالسيادة بما يتضمن سيادتها التشريعية وسيادتها على تحديد الحق والخير، بل تترك المجتمعات المحلية عموماً لأعرافها الخاصة، وحتى عندما تتبنى نظاماً تشريعياً، مثل الشريعة الإسلامية، فهي تتولى البعد التنفيذي، فهي دول تحرس النظام الطبيعي للأشياء. تبدو الدولة الحديثة شديدة السطوة والحضور والثقل مقارنة بالدول السابقة عليها.

لهذا نجد وائل حلاق، وهو ناقد للحداثة والعلمانية، يعترض على فكرة الدولة الإسلامية ويستخدم مقولة «الدولة» للإحالة حصرياً على الدولة الحديثة، بينما يستخدم «نظام الحكم» للحديث عن أنظمة الحكم السابقة على الدولة الحديثة. كذلك يفعل أرماندو سلفاتوري في مشروعه «سوسيولوجيا الإسلام» حين يستعمل تعبير «الدولة الويستفالية» للحديث عن الدولة الحديثة مميزاً إياها عن الدول التاريخية السابقة عليها.

الموقف المدافع عن حداثة هذا الشعار يحيل على أن مفهوم الدولة المستخدم هو مفهوم حديث ولن نعثر على مقابل له في تراث الفكر السياسي الإسلامي التقليدي.

في مقابل المعنى المُقيد للدولة، يستخدم المدافعون عن أصالة هذا الشعار معنى واسعاً لمفهوم الدولة، بل مفرطاً في سعته بحيث تتماهى «الدولة» مع «الإمامة». فيرون الدولة في كل تجربة حكم من دون أي اعتبار للتمييزات التاريخية بين أشكال الحكم المتباينة، وهكذا تصبح دولة المدينة دولة مثلها مثل أية دولة أخرى، دولة لويس الرابع عشر أو دولة الجمهورية الفرنسية الحديثة، وعليه فإنهم يسقطون على النصوص الكلاسيكية معاني معاصرة ومن دون تحوط لتاريخية المعنى.

وهذا التوسع في استخدام مفهوم الدولة يقود إلى إشكاليات ناجمة عن جمع تصورات متباينة حول الدولة، حديثة وقبل حديثة. هنا يبدو ما قاله المرشد السابق للإخوان المسلمين الراحل مهدي عاكف حول قبوله بحكم ماليزي مسلم لمصر مثالاً معبراً عن هذه الإشكالية. فالمرشد يتحرك داخل أفق التصور ما قبل الحديث للدولة التي لا تتماهى مع إقليم/وطن وشعب الدولة، بل في أفق نظام الحكم الإسلامي التاريخي الذي لا يُحدد بالأرض، فأرض الإسلام هي كل أرض يحكمها حاكم مسلم وتُقام فيها الشريعة، وأمة الإسلام هم جمهور المسلمين في نظام من التراتبيات يجعل من المسلم، بمعزل عن أصله ونشاته، عضواً في أمة المسلمين، بينما يقف القبطي الذي عاش هو وآباؤه على هذه الأرض خارج أمة المسلمين التي هي أمة الدولة. هذا التصور قبل الحديث سنجده طبعاً لدى العثمانيين أو المماليك، ولكنه في المقابل تصور متعارض مع فكرة الدولة الحديثة في شكل جذري.

هل يمكن القياس، كممارسة فقهية، على الدولة الحديثة انطلاقاً من تجارب الحكم التاريخية التي عرفها الإسلام؟

الإجابة عن هذا السؤال مرتبطة بإدراك الفارق النوعي بين الدولة الحديثة وأنظمة الحكم السابقة، وتالياً القيام بالقياس والذي سيكون بدوره اجتهاداً بشرياً.

لكن الذين يؤكدون أن الإسلام دين ودولة لا يدركون هذا الفارق في المعنى بين الدولة الحديثة وتجارب الحكم التي سبقتها، وهم كأحزاب سياسية منخرطون تماماً في العالم الذي شكلته الدولة الحديثة ويمارسون السياسة داخل هذه الدولة ويسعون إلى السيطرة عليها واستخدامها، بكل سطوتها وجبروتها وقدرتها على التحكم والتدخل في حيوات البشر، وهو ما لم تقم به أية دولة سابقة.

في شكل مختصر، شعار «الإسلام دين ودولة» هو فعلاً شعار حديث يعبّر عن فهم جديد للإسلام في إطار العالم الحديث كونه يحيل على الدولة في شكلها الحديث، لكن هذا لا يعني أن الإسلام ليست لديه تجربة سياسية وتجارب حكم يحضر فيها الديني.

في المقابل فإن من يدافع عن أصالة هذا الشعار يستعمل مفهوماً واسعاً للدولة، متغافلاً عن الفارق الأساسي بين الدولة الحديثة والدول السابقة عليها وما قد ينشأ عن هذا الفارق من تعارض.

إن أي نقاش حول «هل الإسلام دين ودولة أم لا؟» يجب أن يبدأ بالسؤال، أولاً وقبل أي شيء: ما الذي نعنيه بالكلمات التي نستعملها، دولة أولاً ودين ثانياً. عندها فقط سنريح أنفسنا من الكثير من سوء الفهم، فنحن في أحيان كثيرة لا نتحدث عن الشيء نفسه أصلاً.

موريس عايق

 

 

علييف يتحدث عن حرب غزة

أحدث الأخبار

محام : أرمينيا تمارس استراتيجية التطهير العرقي
17:23 26.04.2024
أمريكا تستعد لسحب قواتها من تشاد والنيجر
17:00 26.04.2024
محام بمحكمة العدل : أرمينيا شردت ملايين الأذربيجانيين
16:31 26.04.2024
فريق إزالة الألغام يزور اغدام
16:03 26.04.2024
انتهاء الاجتماع الثنائي بين علييف وشولتز
14:52 26.04.2024
ما هي تفاصيل اتفاقية السلام المرتقبة بين أذربيجان وأرمينيا ؟ خبير سياسي يجيب
14:20 26.04.2024
علييف : أجندتنا الخضراء تتطور
13:15 26.04.2024
انطلاق اجتماع علييف مع شولتز
13:00 26.04.2024
علييف : تجهيزات استضافة أذربيجان لقمة المناخ مستمرة
12:32 26.04.2024
وضع اتحاد كرة القدم الإسباني تحت وصاية الحكومة
12:30 26.04.2024
مجموعة بريكس لن تتخلى عن إنشاء عملة موحدة
12:15 26.04.2024
علييف يلقي خطابًا خلال مشاركته في منتدي بطرسبرغ الخامس عشر للمناخ
12:11 26.04.2024
علييف يشارك في منتدي بطرسبورغ الخامس عشر للمناخ في ألمانيا
12:01 26.04.2024
ليبيا وإثيوبيا تبحثان عودة تعاونهما في مختلف المجالات
12:00 26.04.2024
طلاب في مواجهة حكومات الغرب... عندما تكشف غزة عورة الحرية
11:45 26.04.2024
رئيس بيلاروس يحذر من كارثة نووية حال تواصل الضغوط الغربية على روسيا
11:30 26.04.2024
حماس وفتح ستعقدان لقاء في بكين لمناقشة إنهاء الانقسام الداخلي
11:15 26.04.2024
انتشال نحو 392 جثمانا من مجمع ناصر الطبي بخان يونس خلال 5 أيام
11:00 26.04.2024
الولايات المتحدة تبدأ مناقشة انسحاب قواتها من النيجر
10:43 26.04.2024
اللحوم تلحق بالأسماك والدواجن في حملة المقاطعة المصرية
10:30 26.04.2024
للوصول إلي القمر ... منافسة شديدة بين الولايات المتحدة والصين – تحليلات
10:25 26.04.2024
الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحققين مستقلين
10:16 26.04.2024
العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل مشنقة حول رقبة واشنطن نفسها
10:00 26.04.2024
العفو الدولية: الحق في الاحتجاج هام للتحدث بحرية عما يحدث بغزة
09:45 26.04.2024
الإمارات تتعاون مع إندونيسيا للحد من تسرب النفايات إلى المحيطات والأنهار
09:30 26.04.2024
إقالة رئيس البرلمان البلغاري
09:15 26.04.2024
5 دول تخطط لقرار مشترك للاعتراف بدولة فلسطين
09:00 26.04.2024
حزب الله ينفي مقتل نصف قادته
17:00 25.04.2024
ماكرون يحذّر: "أوروبا تموت
16:20 25.04.2024
انفجار وتصاعد للدخان جرّاء هجوم على سفينة قرب عدن
16:00 25.04.2024
أرمينيا تتهم أذربيجان بزرع ألغام في قراباغ
15:46 25.04.2024
السعودية والكويت ترحبان بنتائج تقرير اللجنة المستقلة بشأن الأونروا
15:30 25.04.2024
الجيش الأمريكي يتصدى لهجوم حوثي في البحر الأحمر
15:15 25.04.2024
الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة
15:00 25.04.2024
دافكوفا تتصدر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بمقدونيا الشمالية
14:45 25.04.2024
بين أفول نظام دولى وميلاد آخر.. سنوات صعبة
14:19 25.04.2024
وصول سفينة عسكرية تركية إلى ميناء مقديشو
14:00 25.04.2024
مركز تركي- عراقي ضد العمال الكردستاني
13:45 25.04.2024
استمرار الاكاذيب الأرمينية ضد أذربيجان في محكمة العدل الدولية
13:25 25.04.2024
علييف وجباروف يزوران مدينة أغدام
13:00 25.04.2024
جميع الأخبار