يبدو أن بوصلة النمو الاقتصادي لن تستقر في الغرب والصين فقط، ولكن هناك دول أخرى صاعدة على غرار تجربة النمور الأسيوية نهاية التسعينات، وذلك في منطقة آسيا الوسطى وتحديدًا دولة كازاخستان التي تستضيف منذ 3 أشهر معرض إكسبو أستانا 2017، وهو المعرض الملقب بمعرض المعارض، ومنتدي المنتديات الاقتصادية الدولية، الذي يعرض التطور الفكري والابتكارات التقنية الحديثة ويعمل على جذب الاستثمارات الاقتصادية لكل دولة، فضلا عن كونه الأضخم في الحجم والدقة والحرفية في التنظيم.
ويأتي استضافة كازاخستان له إضافة كبيرة خصوصًا أنه على مدار قرنين من الزمان تقريبًا منذ نسخته الأولى عام 1851 لم يخرج تنظيمه من حيز أوروبا وأمريكا إلا قليلا، وتشارك مصر في المعرض بجناح مميز حظي بزيارة قرابة 612 ألف شخص بنسبة 22% من إجمالي زوار المعرض، نظرًا لوجود عوامل جذب مهمة أهمها المزج في تصميمه بين التاريخ القديم والحاضر والمستقبل، خاصة فيما يتعلق بشعار إكسبو استانا هذا العام وهو طاقة المستقبل وبصفة خاصة الطاقة الجديدة والمتجددة، ليحتل بذلك الجناح المصري مكانة متميزة ضمن الأجنحة المشاركة بالمعرض.
وقد أكد خيرات عبدالرحمنوف، وزير خارجية كازاخستان؛ أن المعرض هذا العام اكتسب أهمية خاصة من واقع مشاركة 115 دولة و22 منظمة فضلا عن حضور الافتتاح الرسمي أكثر من 15 رئيس دولة، من بينهم رئيسا الصين وروسيا، ورئيسا وزراء الهند وباكستان وملك إسبانيا وعدد من قادة الدول، بالإضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وهو ما أكد على قيمة وأهمية الحدث الذي استقطب عددا كبيرا من كبار اللاعبين في قطاع الطاقة حتى يتسنى لهم تبادل أعمالهم وأفكارهم الجديدة.
وأضاف عبدالرحمنوف، أن تحمل بلاده مسئولية استضافة الحدث وإبرازه تحت عنوان "طاقة المستقبل"، على الرغم من الاحتياطات الضخمة التي تمتلكها من النفط والغاز، أمر أصاب المتابعين بالحيرة، لكن مع النظر إلى سياسة كازاخستان منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي نجد أنها انخرطت منذ اللحظة الأولى في التعاون مع دول العالم في مواجهة التحديات العالمية وفي مقدمتها تخليها طواعية عن السلاح النووي، واستعانتها بالخبرات الأجنبية لتطوير اقتصادها، وإقرار رئيس البلاد نور سلطان نزارباييف سياية الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة في جميع الأنشطة بنسبة 50% بحلول 2025، رغم توافر الوقود الحفري لدى بلاده بكثرة تمهيدًا لدخولها ضمن أكثر 30 دولة تقدما في العالم بحلول عام 2050 .
وتسعى كازاخستان من خلال التطورات الهندسية والعلمية الموجودة بمعرض أكسبو إلى تحول جميع الدول لـ "الاقتصاد الأخضر" بحيث لا يؤدي التطور التكنولوجي والصناعي إلى مزيد من التلوث الذي يصيب العالم ويهدد بفناء من يعيشون عليه، كما تخطط الدولة لتعويض تكلفة إقامة المعرض المرتفعة في تحويل أجنحته إلى معامل علمية لتطوير التقنيات الحديثة وتأسيس مركز دولي للتقنية الخضراء والابتكارات، وهي المبادرة التي تعول عليها في جذب الاستثمارات.
كان الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال زيارته الأخيرة إلى كازاخستان مطلع 2016، قد أبدى اهتمامًا بنموذج مدينة أستانا عاصمة الدولة، بوصفها مدينة حديثة الإنشاء بعد الخروج من الحقبة السوفيتية، ورأي فيها نموذجًا محترمًا قد يحتذى به في العاصمة الإدارية المصرية الجديدة شرق القاهرة التي تقام وفقاً لأعلى المعايير العالمية.
في الوقت نفسه؛ شهدت فعاليات معرض "إكسبو 2017" اجتماعات ثنائية عقدتها شركات مصرية وكازاخية في مجال الصناعات الغذائية والحاصلات الزراعية بهدف تعزيز القطاعين الخاص بالبلدين وإقامة شراكات في مجال الصناعات الغذائية المصرية لتلبية احتياجات السوق الكازاخي من المنتجات المصرية.
من جانبه؛ قال أرمان إيساغالييف، سفير كازاخستان بالقاهرة، إن نجاح كازاخستان في استضافة معرض إكسبو 2017، يعد خطوة منطقية في عملية دمج بلاده وبقية دول آسيا الوسطى في المجتمع العالمي والسوق الاقتصادي، بعد عهود طويلة من انقطاعها كجزء من الاتحاد السوفييتي سابقاً، معتبرًا أن بلاده في منطقة آسيا الوسطى تعتبر جسر بين الشرق والغرب، حيث طورت علاقات جيدة جداً مع الدول الأوروبية ودول الشرق الأوسط، وكذلك مع دول آسيا الوسطى وجمهوريات الكومنولث، معتبرًا ذلك نقطة تحول بالنسبة لكازاخستان، التي ستبدأ فصلاً جديداً تماماً في التنمية الاقتصادية.
وأشار السفير الكازاخي إلى أن إكسبو 2017 يعتبر مماثلا لدورة الألعاب الأوليمبية أو مونديال كرة القدم، فهو مصدر رئيسي للإيرادات المباشرة، حيث أشارت التوقعات المبدئية إلى جذب مليار يورو استثمارات جديدة في المباني الجديدة وأنظمة النقل والطرق بما في ذلك نظام سكة حديد المدينة الجديدة، فضلا عن تمكن الزوار من رؤية الثقافة المحلية والتقاليد وتطوير البنية التحتية، وكذلك القطاعات الأخرى مثل الطب والتعليم والاقتصاد.