بعد توقيع الرئيس الأميركي على قانون الموازنة لعام 2020، والذي تضمن فرض عقوبات على السفن العاملة في تشييد خطوط نقل الطاقة التي تسهم في الصادرات الروسية من الطاقة، ومنها مشروع "السيل التركي" الرامي لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا، تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السبت، بالرد.
وبتلك الخطوة الأميركية الجديدة، توجهت الأنظار على مشروع السيل التركي، وإلى آليات الرد التركي على أي عقوبات أميركية محتملة.
فما هو "السيل التركي" أو "تركستريم"؟
هو مشروع لمد أنبوبين بقدرة 15.75 مليار متر مكعب من الغاز سنويا لكل منهما، من روسيا إلى تركيا مرورا بالبحر الأسود، ويغذي الأنبوب الأول، الذي يصل طوله إلى 930 كيلومترا ويمر عبر قاع البحر الأسود، تركيا، في حين يغذي الثاني، الذي يعبر الأراضي التركية وصولا إلى حدودها من دول الجوار وطوله 180 كيلومتراً، دول شرق وجنوب أوروبا.
وكان الرئيس التركي أعلن في نوفمبر الماضي أن إطلاق مشروع خط نقل الغاز "السيل التركي"، سيتم في 8 يناير المقبل. وقال: "ثمة خطوة أخرى مهمة سنخطوها، ففي 8 يناير سنطلق في إسطنبول خط أنابيب يحمل اسم السيل التركي".
"أنقرة مكبلة باقتصادها"
أما في ما يتعلق بالرد التركي على العقوبات الأميركية المحتملة، فقد أوضح الصحافي والمحلل السياسي التركي هشام غوناي، أن "الرد التركي لن يكون قوياً لأن الوضع الاقتصادي الذي تعيشه تركيا لا يسمح لحكومة أردوغان أن تـصعد".
وقال غوناي للعربية.نت "هناك أصلاً أزمة ثقة بين الجانبين واختلاف في وجهات النظر، والطرف الأميركي هو القوي في هذه المعادلة، وأعتقد أن خيارات حكومة العدالة والتنمية محدودة جداً في هذا الإطار".
كما أضاف:"حتى ألمانيا التي يُعتبر اقتصادها أكبر من تركيا بكثير على لسان ميركل لم ترجح الرد بالمثل على عقوبات أميركية محتملة من المفترض أن تشمل مشروع نقل الغاز الروسي عبر بحر البلطيق وصولاً إلى أوروبا".
الحزب الحاكم يسوق الأزمة داخلياً
إلى ذلك، أكد غوناي أن "حكومة العدالة والتنمية تسعى لتسويق وتوظيف هذا الموضوع لأغراض سياسية داخلية بحتة، ونحن نعلم أن استطلاعات الرأي الحديثة تشير إلى انخفاض في شعبية العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، عدا عن انقسامات داخل الحزب وخروج علي باباجان وأحمد داود أوغلو من الحزب وإعلان داود أوغلو تشكيل حزب جديد وباباجان من المنتظر أن يعلن عن حزبه قريباً".
وتابع "كل الانقسامات الحالية تدفع حزب العدالة والتنمية للبحث عن شعبية في الداخل من خلال توظيف القضايا الخارجية لاسيما العلاقات الأميركية التركية والعقوبات الأميركية ضد تركيا لرفع الشعور القومي عند الشارع التركي، وبالتالي زيادة شعبية الحزب الحاكم".
العقوبات الأميركية ستزيد الشرخ مع أنقرة
من جهته، رأى الباحث والأكاديمي التركي سمير صالحة أن "التصعيد الأميركي سيؤثر على مسار العلاقات التركية الأميركية المتوترة أصلاً بسبب التباعد في المواقف حول أكثر من ملف ثنائي وإقليمي، والواضح أيضاً أن كل اللقاءات بين قيادات البلدين لم تسفر حتى الآن عن إيجاد مخرج مناسب ينهي التوتر، لكن المواقف الأميركية تحديداً قرارات الكونغرس الأخيرة ومحاولة إلزام ترمب بها سيكون لها ارتداداتها السلبية ما يزيد التوتر باستمرار".
كما أكد صالحة للعربية.نت أن "واشنطن إذ تقول إنها تضغط على أنقرة بشأن مراجعة علاقاتها وسياساتها مع موسكو التي تعززت مؤخراً في الملف السوري وملفات الطاقة، لكن الحقيقة أن واشنطن تريد الضغط على أنقرة لتغيير مواقفها وسياساتها في مسائل عديدة منها الملف السوري وتحديداً المنطقة الآمنة والعلاقات مع قسد والتلويح التركي الدائم بالعمل العسكري شرق سوريا".
إلى ذلك، رأى أن "خيارات أنقرة تقتصر على التلويح بإغلاق القواعد العسكرية التي تستفيد الولايات المتحدة منها خصوصاً قاعدة إنجرليك وقواعد أخرى تستفيد منها واشنطن عسكرياً وتقنياً واستخباراتياً، وهذه ورقة ربما تلعبها أنقرة".
كما اعتبر أن مواصلة الضغط الأميركي على تركيا قد يدفعها للذهاب أكثر فأكثر نحو موسكو، متسائلاً: "هل هذا ما تريده واشنطن وتبحث عنه لبناء تحالفات إقليمية جديدة، هذه نقطة أساسية في النقاش"؟
وتابع "هل هي خطوات مقصودة من الإدارة الأميركية لدفع أنقرة أكثر نحو موسكو وبالتالي تحاول واشنطن أمام شركائها الغربيين أن تجد مبررات لها إذا صعدت في المرحلة المقبلة ضد أنقرة سواء على مستوى العلاقات الثنائية أو تحت سقف حلف شمال الأطلسي".
أنقرة وموسكو في ليبيا
يذكر أنه رغم ازدهار العلاقات التركية الروسية في أكثر من جانب لاسيما في مجالات الاقتصاد والطاقة، إلا أنّ الملفات الإقليمية وضعت البلدين على طرفي نقيض كان أوضحها في الملف السوري، واليوم في ليبيا يبدو الاختلاف واضحاً في شكل اصطفافات البلدين مع طرفي الأزمة.
وتعليقاً على تلك النقطة، رأى الصحافي والمحلل السياسي هشام غوناي أن "البلدين يسيران بنفس المسار الذي سارا عليه في سوريا، حيث الخلاف في وجهات النظر،ف روسيا دعمت نظام الأسد وتركيا دعمت المعارضة". وأضاف "هذا لم يؤثر على التجارة والمشاريع المشتركة بين البلدين نذكر منها صفقة صواريخ إس 400 الروسية، وإنشاء روسيا محطة نووية جنوب تركيا في مدينة مرسين، بالإضافة طبعاً إلى مشروع السيل التركي وهو مشروع كبير، وهذا يدلل على علاقات يمكن اعتبارها مميزة بين البلدين لاسيما في السنوات الأخيرة، وأعتقد أن الموضوع ذاته سيكون في ليبيا بغض النظر عن الأطراف التي يدعمها الطرفان دون أن يؤثر ذلك على العلاقات التجارية والاستراتيجية".