تذكرنا تلك الصورة التي لاقت انتشارا واسعا على الإنترنت في الأيام الأخيرة بأنه منذ القرن الثامن عشر، وحتى عهد الفنان البريطاني داميان هيرست، لا يزال الفنانون مغرمين بالقوة المخيفة لأسماك القرش، كما تقول كيلي غروفير.
في عام 1749، هاجمت سمكة قرش من نوع "القرش الببري"، خلال تجولها في ميناء هافانا في كوبا، صبيا بريطانيا يبلغ من العمر 14 عاما، وقضمت إحدى قدميه، لتغير بذلك مسار التاريخ الفني المتعلق بتصوير أسماك القرش.
وبعد ذلك بثلاثة عقود، أثارت لوحة فنية تجسد ذلك الحادث المرعب، والتي رسمها صديق الضحية، الفنان البريطاني الأمريكي جون سينغيلتون كوبلي، موجة من النقاش عندما عُرضت في الأكاديمية الملكية للفنون في لندن عام 1778.
وتظهر لوحة كوبلي، التي تحمل اسم "واتسون والقرش"- في إشارة إلى الطفل برووك واتسون، الذي أصبح بعد ذلك عمدة لندن- إحدى لحظات الإثارة والتشويق، عندما يغرس أحد أفراد طاقم الحراسة على متن القارب رمحه في جانب تلك السمكة المفترسة.
قرش أبيض يهاجم صيادا أستراليا ويقفز داخل قاربه
وقد خلدت هذه اللوحة صورة سمكة القرش في الثقافة الشعبية، وباتت تعرف تلك السمكة بقوتها البدائية الخطيرة، وتزداد صورتها انتشارا.
وهناك صلة يمكن تعقبها بين تلك اللوحة المعبرة التي رسمها كوبلي- والتي وصفها أحد النقاد ذات مرة بأنها "صورة كاملة وفريدة من نوعها"- وبين فيلم "الفك المفترس" للمخرج ستيفن سبيلبيرغ، الذي ظهر بعد ذلك بقرنين من الزمن.
ومنذ ظهور أسماك القرش من أكثر من 400 مليون عام كحيوانات مفترسة للبشر، تتوغل صورها في وعينا الجمعي كنموذج لتهديد شديد الخطورة.
وتظل أسماك القرش تجذب الانتباه إليها، تماما كما جذبت لوحة كوبلي الزوار في عام 1778، وكما جذب فيلم سبيلبيرغ رواد السينما في عام 1979، وتثير هذه الحيوانات أشد المخاوف لدينا، وتجعل تلك المخاوف تتبدى في وعينا الظاهر.
وتذكرت لوحة كوبلي، التي تتسم بشيء من السخرية أيضا، (وذلك من خلال إظهار أنف سمكة القرش بهذا الطول)، عند رؤية تلك الصورة الاستثنائية التي ظهرت كثيرا في الأيام القليلة الماضية لسمكة قرش من نوع "قرش الرمل الببري"، وهي تخترق المياه على ساحل ولاية نورث كارولينا بالولايات المتحدة، وهي الصورة التي حققت انتشارا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي.
بالفيديو: سمكة قرش أبيض عملاقة تهاجم كاميرا
وقد تمكنت المصورة الصحفية تانيا هوبرمانز، المختصة بالتصوير تحت الماء، من التقاط هذه الصورة لسمكة القرش تلك وهي تهاجم مجموعة من الأسماك الصغيرة، التي تجمعت بدورها لتشكل كتلة كثيفة، في خطوة دفاعية تتبعها أسراب الأسماك عادة عندما تواجه هجوما ما.
وقد هاجمت سمكة القرش تلك الأسماك، واخترقت مركز تجمعها، وفرفتها لتصنع ما يبدو وكأنه "نفق رائع" وسط تلك الأسماك.
وكانت الصورة الناتجة في النهاية هي لسمكة قرش تخترق ما سماه البعض "إعصارا سمكيا"، وهي الصورة التي انتشرت على مواقع الإنترنت انتشارا واسعا.
وقد بدأت تلك الضجة المثارة حول هذه الصورة تهدأ شيئا فشيئا، لكن آخر مشهد كان يحظى بمثل هذا الاهتمام الواسع تمثل في عمل فني آخر ظهر منذ ربع قرن تقريبا.
ففي عام 1992، نصب الفنان البريطاني داميان هيرست حاوية زجاجية ضخمة في صالة عرض تشارلز ساتشي في لندن.
وكانت تلك الحاوية الزجاجية مليئة بسائل الفورمالدهايد، وتظهر في وسطها سمكة قرش ضخمة تفتح فمها وكأنها تزأر في صمت.
كيف شوه فيلم الفك المفترس صورة القرش الأبيض؟
ومن خلال الاسم الذي أطلقه هيرست على هذا العمل الفني، وهو "استحالة الموت في عقل شخص حي"، أراد هيرست أن يصل إلى الأعماق المخيفة لهذا المخلوق ليعبر عن تحدي البشر له.
وقد أصبح هذا العمل الفني لهيرست يماثل لوحة "البابا الصارخ" لفرانسيس باكون، ولوحة "الصرخة" الشهيرة للرسام إيدفارد مانش، مما يجعل تلك الصورة الفنية لزئير سمكة القرش من بين الأعمال الفنية التي لا تُنسى في العصر الحالي، ويجعلها تشهد أيضا على الدهاء المشترك، والنهم الذي لا ينتهي، بين الفنانين وسمكة القرش.