محمود سعد دياب
يخيم الغموض والضبابية على مستقبل عقد القمة المرتقبة بين دونالد ترامب الرئيس الأمريكي، وكيم جونج أون الزعيم الكوري الشمالي، والتي كان مقررًا عقدها 12 يونيو المقبل في سنغافورة، حيث تسببت التصريحات العدائية من الجانب الأمريكي في إعادة الأمور إلى المربع صفر.
خطوات الكوريتين لإنهاء أزمة عمرها أكثر من نصف قرن
كانت الأمور تسير بشكل طبيعي، حيث عقد كيم جونج مع نظيره الكوري الجنوبي مون جي إن، قمة نهاية إبريل الماضي تعتبر هي الأولى من نوعها منذ انتهاء الحرب بشبه الجزيرة الكورية، وأعلنت كوريا الشمالية مضيها قدمًا في مساعي التخلي عن السلاح النووي وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بالقمة بتدشين عصر جديد للرخاء والسلام والمصالحة بين شطري شبه الجزيرة الكورية، وتغيير المنطقة المنزوعة السلاح التي تقسم البلاد إلى "منطقة سلام" عن طريق وقف بث الدعاية، وتخفيض الأسلحة في المنطقة، في انتظار تخفيف التوتر العسكري.
بالإضافة إلى الدفع باتجاه محادثات تشمل الولايات المتحدة والصين، وتنظيم لم شمل العائلات التي فرقتها الحرب، وربط وتحديث السكك الحديدية والطرق عبر الحدود، والمشاركة بفرق تجميع رياضيين من الجانبين في مزيد من الأحداث الرياضية، بما في ذلك دورة الألعاب الآسيوية لهذا العام، وذلك بعدما شاركت كوريا الشمالية بالأوليمبياد الشتوي الذي عقدت فعالياته في العاصمة الجنوبية سول، كما أن تقارير تحدثت عن أن الزعيم الكوري الشمالي ماضٍ قدمًا في تنفيذ وعوده بخصوص التخلي عن النووي، وأنه سيعلن قريبًا في مؤتمر صحفي من أحد معامل تخصيب اليورانيوم، إغلاقه المعامل انتظارًا لدور الوساطة الذي يلعبه اللاعب الصيني لإرضاخ الأمريكان وترويض رعونتهم.
شرارة الأزمة
وبينما يتم التحضير للقمة المشتركة "كيم- ترامب"، عادت الأزمة للاشتعال بعد تصريحات جون بولتون مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، التي أكد فيها أن نزع السلاح النووي في كوريا الشمالية سيتم على طريقة ما حدث في ليبيا، وهو ما اعتبرته كوريا الجنوبية رغبة من الولايات المتحدة في الضغط عليها للتخلي عن السلاح النووي دون مقابل، انتقاصًا من الضمانات التي تعهدت بها، حيث كانت المكافأة الأمريكية للزعيم الليبي معمر القذافي بعدما أعلن تخليه عن البرنامج النووي، إحداث اضطرابات في ليبيا في إطار ما عرف بأحدث الربيع العربي، وانتهى الأمر إلى قتله على يد من سُموا بالثوار، وقيام حلف الناتو بضرب ليبيا وتدمير بنيتها التحتية الضعيفة في الأساس.
الضمانات التي ترغبها كوريا الشمالية
المصير "القذافي" الذي كشف جون بولتون المتشدد والمهادن لدولة الاحتلال الإسرائيلي عن أن أمريكا تنتويه، رفضه الزعيم الكوري كيم، وقرر تأجيل القمة مع الرئيس الأمريكي لأجل غير مسمى، حتى تتعهد الولايات المتحدة بتقديم ضمانات وافية تلتزم بتنفيذها متوازية مع تنفيذ كوريا تخليها الكامل عن السلاح النووي.
وتشمل الضمانات التي أعلنتها كوريا الشمالية، إلغاء الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الغرب والأمم المتحدة منذ قرابة 50 سنة، وإلغاء المناورات العسكرية المشتركة بين أمريكا وكوريا الجنوبية والتي تقام على أراضي الأخيرة معظم شهور العام بهدف استفزاز الجارة الشمالية، وتحسين العلاقة مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وتبادل التمثيل الدبلوماسي بين بيونج يانج وواشنطن وإقامة سفارات وقنصليات، والسماح بإقامة نشاطات ثقافية وسياسية واقتصادية بين البلدين، فضلاً عن أهم البنود وهو إلغاء القوانين الصادرة داخل الولايات المتحدة والتي تعتبر كوريا الشمالية العدو الأكبر وتعاقب بالحبس والغرامة كل من يرتبط معها بعلاقات في أي منحى من مناحي الحياة، خصوصًا عقد الصفقات التجارية.
سر الرغبة الملحة لدى ترامب
يكمن سر الرغبة الملحة لدى ترامب لإنهاء العلاقات السيئة التاريخية مع كوريا الشمالية، في امتلاك الأخيرة السلاح النووي بشكل كامل، وتطوير برامجها للدرجة التي جعلتها تمتلك صواريخ باليستية عابرة للقارات قادرة على حمل رءوس نووية على ضرب الولايات المتحدة وتدميرها، في حين أن الأخيرة كانت تتجاهل في السابق الدخول في حوار مع كوريا الشمالية لأنها كانت ترى أنها عدو ضعيف قادرة على ضربه في أي وقت، وذلك في إطار منطق "البقاء للأقوى" وشريعة الغاب التي اعتمد عليها القطب الأوحد منذ انتهاء الحرب العالمية حتى الآن، وهو السبب الذي جعل الكوريين يسعون لامتلاك السلاح النووي لضمان التنافس بشكل عادل على الساحة الدولية مع الغرب وضمان عدم التعرض للتدمير مثلما حدث في أفغانستان والعراق ثم سوريا، في حين أن الدول التي تمتلك ذلك السلاح لا تجرؤ أمريكا على الاقتراب منها مثل باكستان والهند وروسيا والصين وإيران التي بدأت منذ عقد من الزمان تطوير برامجها النووية وتخصيب اليورانيوم.
الدور الصيني
ارتبطت الصين بعلاقة صداقة وصلت إلى تحالف استراتيجي مع كوريا الشمالية، إلا أن تلك العلاقات شابها بعض التوتر عقب إقرار التنين الصيني العقوبات الدولية الموقعة على بيونج يانج في وقت سابق، حتى تغيرت الأمور واتجهت الصين في عهد الرئيس شي بيينج إلى الدفاع عن كوريا على المستوى الدولي، ذلك التغير الذي ترجمته زيارتان من كيم إلى العاصمة بكين والتقاء نظيره الصيني.
بل إنها كانت الوسيط المقبول لدى جميع الأطراف في إبرام الصلح الأخير، وكانت مهندس القمة الكورية والقمة المرتقبة بين كيم وترامب، واستمرت الصين على موقفها حتى بعد إعلان كيم تأجيل تلك القمة، حيث صدر تصريح من الرئيس الصيني أن بلاده تتفهم موقف الجارة الكورية بما يشبه التأييد، حيث تسعى بكين من وراء ذلك إلى إنهاء الدور الأمريكي بالمنطقة وسحبها قواتها من بحر الصين الجنوبي والمياه الإقليمية للدول الثلاث، كذلك قطع الطريق على تدخله في شئون دول المنطقة واقترابه من الحدود الصينية.
الوحدة المفقودة بين الكوريتين
كانت الولايات المتحدة على مدى الأزمة سببًا في عدم تحقيق الوحدة بين الكوريتين في دولة واحدة، خوفًا من أن تصبح الدولة الجديدة قوة اقتصادية تنافس الهيمنة الأمريكية على العالم وتهددها، وذلك قبل أن تقضي عليها الصين وتنتصر في الحرب التجارية القائمة بينها وبين "الكاوبوي الأمريكي"، فالكوريتان تمتلكان إمكانات اقتصادية تمكنهما من أن تكونا نموذجًا مكررًا من دول النمور الآسيوية، ففي الجنوب هناك التطور في الصناعات التكنولوجية والتجارة الحرة في مختلف المجالات، فيما يمتلك الشماليون موارد طبيعية من الفحم والذهب والماغنيسيوم واليورانيوم المشع وخلافه من المعادن، فضلاً عن وجود تقارير تؤكد أن الشمال يعوم على بحر من النفط الخام، وكل ذلك يفتقر إلى وجود شركات عالمية للتنقيب والحفر بسبب الحصار الاقتصادي والعقوبات الغربية الأممية.
الخروج من الاتفاق النووي سبب خفي
من جابه أكد أحمد مصطفى الباحث ومدير مركز آسيا للدراسات والترجمة، أنه بدون الصين لن تنتهي الأزمة ويعم السلام شبه الجزيرة الكورية، وأن بكين تصر على مساندة كوريا الشمالية لسبب آخر خفي وهو انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران "5 + 1" على الرغم من أن هذا الاتفاق تم التصديق عليه من قبل جميع أعضاء مجلس الأمن في يوليو 2015، مضيفًا أنها ليست المرة الأولى التي يخرج فيها الأمريكان من اتفاقيات دولية، موضحًا أنهم خرجوا من معاهدة باريس للمناخ العام الماضي تحت زعم أنه يخلق البطالة في الولايات المتحدة بعد موافقة الهند والصين على نفس الاتفاقية.
تحرك غبي
وأضاف أنه بعد ذلك الخروج هناك توتر كبير ومخاوف من أن تلعب أمريكا ألعابًا أفعوانية مع كوريا الشمالية بعد وقف تجاربها النووية، خصوصًا أن "رويترز" ذكرت في تقرير لها، أن الولايات المتحدة قد طلبت بعضًا من الصواريخ النووية عبر القارات من كوريا الشمالية، في تحرك وصفه بـ"الغبي" قدمه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال لقائه الزعيم الكوري الجنوبي كيم جونغ أون.
نقل السفارة الأمريكية للقدس
وأشار مدير مركز آسيا للدراسات والترجمة، إلى أن السبب الثاني هو إصرار الإدارة الأمريكية الراديكالية على نقل سفارتها إلى القدس المحتلة، بغض النظر عن كل الطلبات الدولية لإلغاء هذا القرار الذي سيؤدي إلى زعزعة الأمن في الشرق الأوسط، وأن ذلك جعل حكومة كوريا الشمالية تعرب عن رغبتها لنظيرتها السورية مشاركتها في عملية إعادة الإعمار بعد الهدم الذي قامت به الجماعات الإرهابية المدعومة غربيًا واسرائيليًا، في تحدٍ كبير للإدارة الأمريكية في هذا الصدد.
وأوضح أن الصين هي لاعب شطرنج مثالي مثل الروس، وأن بكين تحمي جيدًا حلفاءها سواء كوريا الشمالية أو إيران، في حين أن إيران صادقت منذ أيام على اتفاقية شراكة التجارة الحرة الأوراسية مع روسيا وكازاخستان، كخطوة بديلة لأي تأخير أوروبي في تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق 5 + 1، وأنه من المتوقع أن تحصل إيران على عضوية منظمة شانغهاي للتعاون في القمة القادمة التي ستعقد في مدينة هيبي، الصين يونيو 2018.
ودلل على حديثه بإعلان جان كلود يونكر رئيس الاتحاد الأوروبي، إعادة تفعيل القانون الأوروبي، الذي يحد من تأثير العقوبات الأمريكية على شركات الاتحاد الأوروبي العاملة في إيران.