لا حرب أمريكية إيرانية طه خليفة

إيران توفر لـ ترمب فرصة ثمينة للظهور كبطل أمام جمهوره وقاعدته الصلبة وأمام الشعب الأمريكي باعتباره يواجه إيران القوية إقليمياً ولا يهابها

سياسة 15:00 19.05.2019

رغم التصعيد السياسي، والحشد العسكري الأمريكي في مياه الخليج العربي، فلا واشنطن ستعلن حرباً ضد إيران، ولا إيران ستطلق رصاصة واحدة على البوارج أو المصالح الأمريكية في الخليج والمنطقة.

هذا الضجيج مقصود أمريكياً، وفيه مصلحة إيرانية كذلك، فالرئيس ترمب أخفق في كوريا الشمالية، وواضح أن كيم جونغ أون يناور بعد قمتين، في سنغافورة (12 من يونيو/حزيران 2018)، وفيتنام (28 من فبراير/شباط 2019)، لم تحققا نتيجة إيجابية على صعيد نزع النووي الكوري، وإيقاف تطوير برامج الصواريخ البالستية.

كما أخفق ترمب في فنزويلا، وفشل حتى الآن في الإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو، وفرض خوان غوايدو رئيساً، وهو "الدمية" التي يحركها مستشار الأمن القومي جون بولتون، وحتى على مستوى تدبير انقلاب عسكري صريح لم يكن ناجحاً فيه.

وفي الملف الفلسطيني، ورغم الخطوات التي اتخذها لصالح إسرائيل فيما يُسمى صفقة القرن، فليس هناك تفاؤل بإمكانية تمرير الصفقة، وشطب القضية الفلسطينية كما يخطط لذلك مستشاره وصهره اليهودي الصهيوني جاريد كوشنر.

تصعيد أمريكي دعائي

كان شهر مايو/أيار الجاري فرصة ترمب لمزيد من التصعيد في الملف الإيراني لتوظيفه دعائياً من أجل تعويض الإخفاقات في الملفات الخارجية الثلاثة السابقة، ففي بداية هذا الشهر كانت نهاية مهلة الـ (6) أشهر الممنوحة لـ (8) دول، بات عليها التوقف عن شراء نفط إيران التي يرغب في تصفير صادراتها النفطية، وهي وغيرها من عقوبات اقتصادية قاسية أعاد فرضها على طهران بعد انسحابه من الاتفاق النووي (8 مايو 2018).

هذا الرئيس وإدارته أكدوا مراراً أنهم لا يخططون لإسقاط النظام الإيراني، إنما فقط يريدون تغيير سلوكه ليكون عامل هدوء واستقرار في المنطقة، ويتخلى عن دعم التطرف والإرهاب، والثلاثاء 13 من الشهر الجاري قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال زيارته إلى روسيا إن بلاده لا تسعى لخوض حرب مع إيران، وتنتظر منها أن تتصرف كدولة طبيعية.

ترمب الباحث عن لقطة "القمة" مع إيران

ما يريده ترمب من طهران أن يتصل به قادتها، ويتفاهمون معه على عقد قمة على غرار ما جرى مع كوريا الشمالية، وقد ترك رقم هاتف خاص مع السويسريين لتمريره للإيرانيين إذا أرادوا الاتصال به، وكان عرض عليهم مراراً اللقاء من منطلقات التاجر الذي يريد أي مكسب ولو محدوداً، وهو لا يعنيه كثيراً نتائج القمة مع الإيرانيين، إذا عُقدت، هل تتمخض عن تعديل جذري للاتفاق النووي، والتفاوض حول تجارب الصواريخ البالستية، أم يدخل الطرفان في لعبة شد وجذب طويلة؟، فهو عاشق للأضواء واللقطة، ويريد توظيف حدثاً تاريخياً مثل هذا، إن تحقق، لاعتبارات تتعلق بطبيعة تركيبته الشخصية وعشقه لذاته حيث يرى نفسه الرئيس الذي لم تنجب أمريكا مثله فهو القادر على جلب الأعداء والخصوم إلى الطاولة أمامه، كما تتعلق الاعتبارات بشعبيته المتأرجحة داخلياً، وباستعداداته لانتخابات الفترة الرئاسية الثانية التي اقتربت ( نوفمبر 2020)، وكذلك إشغال الأمريكان بانتصار سياسي وإعلامي حتى لو كان وقتياً، والضغط على الديمقراطيين ومحاصرتهم لكي لا يمنحهم فرصة لمحاصرته هو خاصة بعد إفلاته من الإدانة الصريحة في تقرير روبرت مولر واطمئنانه على ما تبقى من رئاسته وارتفاع روحه المعنوية.

"فزاعة" إيران وخزينة الأموال الخليجية

وضمن أهداف التصعيد السياسي، وليس العسكري، مع إيران حالياً أن يقدم بعض الترضية للحلفاء الخليجيين الذين يدعمونه مالياً وسياسياً بسخاء منقطع النظير، ويلتفون حوله، ويسيرون وراءه، ولا يردون له طلباً، بل يتلقون الإهانة تلو الإهانة وهم صامتون، وتحجيم إيران وضغطها أحد مطالبهم منه ضمن أجندة تفاهمات إقليمية متفق عليها بينه وبينهم منذ انتخابه.

السعودية ودول الخليج خزينة أموال كاملة الدسم يجب أن تظل مفتوحة ليأخذ منها ترمب دون حساب، وهذا يحدث بالفعل، وإيران هي "فزاعة" هذه الدول، ولهذا سيظل يُصّعد ضدها، ولن يسمح بالتهدئة حتى لو رغبت طهران في ذلك، فهي الفتيل الذي يجعل أوضاع الخليج مشتعلة، ويجعل الحلفاء مستعدين للتماهي مع روحه الشرهة للابتزاز والاستعلاء، ولو كانت إيران بنظامها الحالي الديني المذهبي التصادمي التوسعي غير موجودة لسعت أمريكا لصنعها لأن في وجودها مبرر آخر مهم لبقاء واشنطن في منطقة الطاقة الأهم في العالم، ومنطقة شراء السلاح الأولى في العالم، والمنطقة التي تتواجد فيها إسرائيل، وهو جاء ليقدم لمحبوبته ما لم يقدمه الرؤساء السابقون عليه، وينهي ما تبقى من حواجز بينها وبين العرب، ويحولها إلى صديق طبيعي لهم ويخرجها من خانة العدو لتحل محلها إيران، ويكون التحالف عربياً إسرائيلياً علنياً في مواجهة إيران في انقلاب كامل وشامل للمفاهيم والعقائد والثوابت القومية والتاريخية والدينية والثقافية العربية.

 40 عاماً من دون طلقة متبادلة

منذ نجاح  الثورة في إيران عام 1979، وإسقاط الشاه، وهيمنة الخميني على السلطة، وجعل وجه إيران والحكم فيها دينياً مذهبياً، وإقصاء كل القوى السياسية غير الإسلامية الشريكة في الثورة، فإنه طوال 40 عاما من العداء المُفترض مع أمريكا لم تُختبر إيران في مواجهة حقيقية مع الشيطان الأكبر، وهو الوصف الشعبوي الذي تطلقه على أمريكا، كما لم يخض الشيطان الأمريكي معركة مباشرة واحدة ضد إيران، كلها معارك في السياسة، والاقتصاد، والعلاقات الدولية، والمحاور، والضغوط النفسية فقط.

وفي اليوم الذي أكد فيه بومبيو أن أمريكا لن تحارب إيران فإن المرشد الإيراني علي الخامنئي عبر عن نفس المضمون وبنفس الكلمات قائلاً: لن تكون هناك حرب مع الولايات المتحدة. وكأن الاثنين يقرأن من نص سياسي واحد متفق عليه بينهما.

مواجهات بين الوكلاء فقط

ومن سيتحدث عن مواجهات عسكرية تجري بين الطرفين طوال أربعة عقود، هي عمر العداء الظاهر بينهما، فإن المواجهات عندما تجري تكون عبر وكلاء يستهدف فيها حلفاء كل طرف حلفاء الطرف الآخر، دون أن يتورط الطرفان الأصيلان في التصويب المباشر على بعضهما بعضاً، ولو لمرة واحدة.

 هناك فواصل وخطوط حمراء يلتزم بها كل بلد في علاقته مع البلد الآخر، ولا يسعى لتجاوزها أو اختراقها، وحاملات الطائرات،  وطائرات بي 52، ومنظومات الدفاع الجوي (باتريوت)، وما يتواجد في القواعد الأمريكية بالخليج، هي استعراض قوة فقط، ولن تستهدف منشآت ومراكز حيوية إيرانية، والتصريحات الإيرانية المضادة عن الاستعدادات العسكرية للدفاع عن أنفسهم هدفها تسجيل الحضور أيضاً في لعبة الاستعراض المتبادل، لكن لا حرب عملية ستقع، لأنه لا مصلحة للطرفين فيها، ولا حاجة من الأصل لها، بل هما في حالة احتياج متبادل، ولهذا ينفي البيت الأبيض سريعاً أنباء صحفية بشأن الدفع بـ 120 ألف جندي للشرق الأوسط، وطهران تشدد من جانبها على أنها لن تطلق الرصاصة الأولى، والحقيقة أنها لن تطلق أي رصاصة، وخامنئي يؤكد باطمئنان: نحن لا نسعى للحرب، وهم لا يسعون للحرب.

إيران في خدمة أمريكا

إيران توفر لترمب فرصة ثمينة للظهور كبطل أمام جمهوره وقاعدته الصلبة وأمام الشعب الأمريكي باعتباره يواجه إيران القوية إقليمياً ولا يهابها، وهذا يسهل له الحفاظ على قاعدته الناخبة، كما يستعيد الأصوات المترددة التي يفقدها، فهو الرئيس الذي يعيد لأمريكا قوتها وهيبتها في الخارج بعد مظاهر الضعف في رئاسة أوباما.

 وقد سبق وهدد بإزالة كوريا الشمالية من على وجه الأرض، واليوم يطلق تصريحات مشابهة ضد إيران إذا هددت المصالح الأمريكية، وهذا الخطاب العنتري يجذب فئات أمريكية تؤمن بالتفوق للعرق الأبيض، وتضم القوميين والعنصريين والنازيين المتطرفين وتيارات مسيحية إنجيلية متشددة وجماعات يهودية صهيونية، ويحظى بالثناء من اليمين المتطرف في أوروبا والعالم، فهو الرمز الأعلى له.

 وأمريكا في خدمة إيران

وبالمقابل توفر إدارة ترمب للنظام الإيراني فرصة إحكام قبضته على الشعب، ومواصلة معارك التعبئة لحشد المواطنين وراءه، وفرض منع تام على أي حديث عن الفقر المتسع والأوضاع المعيشية والخدمية المتدهورة والغلاء الفاحش وانهيار العملة الوطنية والحريات المصادرة باعتبار البلد يخوض حرباً وجودية، وأن الثورة مهددة، ولا صوت يعلو على صوت المعركة، والموت لأمريكا وإسرائيل!، وبالتالي يجد النظام ذرائع لمواصلة سياساته في القمع وتكميم الأفواه، ويستعيد التيار المحافظ هيمنته على مراكز القرار ومفاصل الدولة ومداخلها المالية، ويضعف التيار المعتدل، وهكذا يتم نقل الإيرانيين من معركة إلى أخرى، وبهذا يتهرب النظام من مسؤولياته تجاه شعبه، إذ بعد 40 عاماً على الثورة لم يبن الجنة الموعودة، ولم يبعث الامبراطورية القديمة، ولم يوفر الرفاهية والحرية للمواطنين، بل جعل الشعب الإيراني في حالة مزرية، وحول البلد إلى سجن كبير، رغم ثروات هائلة نفطية وغازية وطبيعية.

عن الكاتب
طه خليفة
كاتب وصحفي مصري، وعضو نقابة الصحفيين المصريين، وكاتب بالعديد من الصحف والمواقع الإلكترونية، وشغل موقع مدير تحرير جريدة "الأحرار" المصرية.
 
 

 

مصور حيدر علييف : حيدر علييف كان سببًا في احترافي التصوير

أحدث الأخبار

هايدي كون تجتمع مع وزير الخارجية الأمريكي
17:29 11.05.2024
المصور الإسباني جيرفاسيو سانشيز يزور مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة
16:38 11.05.2024
الجيش الإسرائيلي: 300 ألف شخص نزحوا من شرق رفح
15:00 11.05.2024
رئيس جهاز المنظمات غير الحكومية في الأمم المتحدة يزور أذربيجان
13:53 11.05.2024
القبض على عصابة لتهريب السوريين إلى لبنان
12:00 11.05.2024
ممثل مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة في اوزبكستان يحصل على وسام مئوية حيدر علييف
11:18 11.05.2024
الجيش الإسرائيلي يتدرب لحرب محتملة مع حزب الله
11:00 11.05.2024
الإمارات ترفض تصريحات نتنياهو حول دعوتها المشاركة في إدارة غزة
10:00 11.05.2024
حزب الله يعلن استهداف جنود إسرائيليين في المطلّة بشمال إسرائيل
09:16 11.05.2024
قوى تحرير السودان» تعفي رئيسها وتتهمه بالخيانة العظمى
09:00 11.05.2024
تأثير التواجد العسكري الروسي في أرمينيا على المنطقة
17:00 10.05.2024
خبير سياسي: انسحاب روسيا من أرمينيا سيغير الوضع الجيوسياسي في جنوب القوقاز
16:00 10.05.2024
خبير سياسي : الشعب الأرميني لن يسمح بالإطاحة بباشنيان
15:30 10.05.2024
انطلاق اجتماع وزراء خارجية أذربيجان وأرمينيا في كازاخستان
15:00 10.05.2024
بيراموف يجتمع مع وزير خارجية كازاخستان
14:51 10.05.2024
ميرزايف : حيدر علييف القائد الأبدي لأذربيجان
12:50 10.05.2024
بيراموف سيجتمع اليوم مع وزير الخارجية الأرميني في كازاخستان
11:57 10.05.2024
مصرف تركيا المركزي يرفع توقعاته للتضخم إلى 38 % بنهاية العام
11:45 10.05.2024
مصور حيدر علييف : حيدر علييف كان سببًا في احترافي التصوير
11:43 10.05.2024
كارثة إنسانية عميقة بدأت تتشكل إثر اجتياح رفح
11:30 10.05.2024
جدل مصري متصاعد بشأن التحركات العسكرية الإسرائيلية الحدودية
11:15 10.05.2024
بيراموف يزور كازاخستان
11:03 10.05.2024
تنسيق مصري- أردني بوجه ترتيبات إسرائيلية في «رفح
11:00 10.05.2024
تركيا مزاعم إسرائيل بتخفيفنا الحظر التجاري معها محض خيال
10:45 10.05.2024
تركيا تدرس اتخاذ إجراءات مالية جديدة لخفض التضخم
10:30 10.05.2024
انفجار إطار طائرة أثناء هبوطها في تركيا
10:15 10.05.2024
الصومال يدعو إلى إنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة
10:00 10.05.2024
السعودية تستقبل طلائع الحجاج بالترحاب... والورود
09:45 10.05.2024
إيران تفرج عن سبعة من أفراد طاقم سفينة احتجزتها الشهر الماضي في الخليج
09:30 10.05.2024
الرئيس الصيني في المجر للاحتفاء بالصداقة بين البلدين
09:16 10.05.2024
ذكري ميلاد الزعيم القومي حيدر علييف
09:03 10.05.2024
أردوغان يطالب الاتحاد الأوروبي بتجنب السياسات الإقصائية تجاه تركيا
09:00 10.05.2024
سويسرا ترصد 11 مليون دولار للأونروا في غزة
16:00 09.05.2024
روسيا تكشف تفاصيل مشروع قاعدة القمر النووية مع الصين
15:00 09.05.2024
حماس ترحب باعتراف جزر البهاما بدولة فلسطين
14:00 09.05.2024
باكستان تعلن حالة الطوارئ لإلحاق 26 مليون طفل بالتعليم الرسمي
13:00 09.05.2024
أمريكا تلغي تراخيص توريد رقائق الجيل الرابع إلى هواوي الصينية
12:00 09.05.2024
الديمقراطيّ الكردستاني زيارة بارزاني لطهران انعطافة مهمّة في العلاقات الثنائية
11:00 09.05.2024
الجزائر تنتقد شروط فرنسا لاستعادة أرشيف الاستعمار
10:00 09.05.2024
الكويت وتركيا تؤكدان حماية المدنيين في غزّة
09:00 09.05.2024
جميع الأخبار