منذ مدة تزيد عن 40 عاما يقول محمد يونس، المؤسس لبنك "غرامين" في بنغلاديش والحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2006، إن أقوى وسيلة للقضاء على الفقر هي كشف إمكانيات الناس غير المستغلة في الأعمال في جميع أنحاء العالم. كما يقول: إن "الفقراء لا يخلقوا الفقر" وأنه "يخلق من قبل النظام الذي بنيناه. الفقراء مثل شجرة بونساي. تأخذون أفضل البذور من أعلى شجرة في الغابة، ولكن إذا وضعتموها في الزهرية لكي تنمو، فإنه لن تنمو إلا بطول متر. والمشكلة ليست في البذور. والمشكلة في حجم الوعاء. المجتمع لا يوفرللفقراء سعة لتنمو مثل الجميع. هذا هو جوهر المسألة ".
قد كتب يونس مؤخراً كتاب "العالم من الأصفار الثلاثة: الاقتصاد الجديد بصفر الفقر وصفر البطالة وصفرانبعاثات الكربون". ويدعي في كتابه أن الرأسمالية في أزمة وأنها راسية في النظرية الخاطئة حول تحفيز الموارد البشرية. وهو يقدم دوراً أكثر أهمية ل"المشاريع الاجتماعية" في الاقتصاد والتي يقدمها كأنها شركات "غير متمايزة مكرسة لحل المشاكل الإنسانية ".
في سنه البالغ ل77 عاماً لم يتوقف يونس. يتحدث عن العمل المدهش الذي كان يشارك فيه وهو دعم وتطوير كود البزنيس الاجتماعي (في كثير من الأحيان في شراكة مع الشركات الكبيرة) في بنغلاديش والبرازيل وكولومبيا وفرنسا وهايتي والهند واليابان وأوغندا، والعديد من البلدان الأخرى.
وقال يونس: "يجب أن نتخلى عن إيماننا الذي لا يرقى إليه الشك بسبب وجود السوق الشخصية غير الهادفة للأرباح لكي تحل جميع المشاكل، وأن نعترف بأن مشاكل عدم المساواة لن تحل من خلال السير الطبيعي للاقتصاد كما هو معتمد في الوقت الراهن".
"هذا وضع غير مريح للجميع، بما في ذلك أولئك الذين هم في قمة الكومة الاجتماعية في أي وقت كان. هل الأغنياء والأقوياء قادرون على تحويل نظرتهم بعيداً عن المشردين والجوعى الذين يمرون بهم في الشارع؟ هل يريحهم استخدام أدوات الدولة، بما في ذلك قوات الشرطة التابعة لها وغير ذلك من أشكال القسرلقمع الاحتجاجات الحتمية التي شنت من قبل أولئك الموجودين في القاع؟ هل يريدون حقاً أن يعيش أطفالهم وأحفادهم في مثل هذا العالم؟ "
في الأسبوع الماضي التقينا يونس لمناقشة كتابه الجديد.
- هذا الكتاب هو على حد سواء كتاب القرارات ونداءات التحذير. ما هو الخطر؟
- في هذا الكتاب، أقتبس من تقرير أوكسفام الذي ينص على أن دخل ثمانية أشخاص أغنياء أكبر من المبلغ الإجمالي لدخل 50% من الفقراء في العالم. وقد رأيت مؤخراً تقريراً صحفياً مفاده أن عددهم الآن قد انخفض إلى خمسة أشخاص. هناك نوعان من الأشياء والذان يثيران القلق: تركيز الثروة وسرعة النمو المتزايدة لهذا التركيز. لم نلاحظ ذلك عندما كان 5000 أو 50.000 شخص أكثر ثروة من جميع الفقراء في نصف العدد الإجمالي للفقراء في العالم. الآن خمسة أشخاص. بعد سنة أو سنتين قد يكون شخص واحد فقط.
النظام الرأسمالي هو الجهاز الذي يمتص الثروة من القاع لنقلها إلى الأعلى. وليس هذا بذنب للناس الموجودين في الأعلى. وأنهم يخضعون لما يطلب منهم النظام القيام به: ملاحقة الأموال. ولكن في هذه العملية، الثروة في الأعلى تنمو مثل الفطر العملاق الذي يخص لعدد أقل وأقل من الناس وذلك بسبب بسيط أن كلما تزيد ثروتهم أنهم يريدون الأكثر. الثروة هي كمغناطيس. إذا كان لديك مغناطيس صغير، يمكنك جذب القليل من الثروة. إذا كان لديك مغناطيس كبير، يمكنك جذب أكثر من ذلك. وهذا سوف يدمر سياستنا ويدمر مجتمعنا ويدمر اقتصادنا، لأن تركيز الثروة يأتي مع تركيز السلطة. وهذا سيثير غضباً كبيراً في القاع، وهذا الغضب سوف يكسر كل شيء. براكسيت هو نتيجة لهذا الغضب. وشاهدناه أيضاً في الانتخابات الأخيرة في الولايات المتحدة. الآن دعونا ننظر في الانتخابات الألمانية. هذا الفطر هو قنبلة موقوتة. نحن بحاجة لقضاء العديد من ليال بلا نوم على هذا.
- أنت تقول إن هذه المشكلة تقع في أساس النظرية الرأسمالية.
- يقوم النظام الرأسمالي في أساسه على عيب رئيسي، وعلى التفسير الخاطئ للناس. في النظرية الرأسمالية يفترض أن الإنسان يعتمد اعتماداً كلياً على المصالح الشخصية. هذا هو بالتأكيد وصف غير صحيح للإنسان الحقيقي. في الناس أنانية، وفي الوقت نفسه هم غير مغرضين على قدم المساواة. أنهم يريدون مساعدة الآخرين. كتب آدم سميث هذا في "نظرية المعنويات". كان أستاذاً للفلسفة. كان مهتماً بالأخلاق. ثم كتب كتاباً مختلفاً تماماً، وتحدث عن المصالح الشخصية و"اليد الخفية".
- إذا جمعنا هذه الأفكار، فما هي العواقب؟
- الرأسمالية كلها تشمل الخيارات. ولكن في النظام الاقتصادي، لا يوجد سوى نوع واحد من الخيارات: العمل لكسب الأموال. ويصبح أكثر طارئاً، وأنه يعطي نتائج أفضل عندما تصل الأرباح إلى أقصى حدّ، وعندما ندخل تفاني الناس إلى عالم البزنيس، نحصل على خيار آخر، جنبا إلى جنب الأعمال التقليدية نضيف نوعاً آخر من الأعمال التي تمكن لنا من التعبير عن تفانينا من خلاله. والغرض الوحيد من العمل الذي أسميه باجتماعي، هو حل مشاكل الناس. كتابي مليء بأمثلة على ذلك.
- أظن أن بعض القراء سوف يفكرون:"هذا يبدو خيالياً ".
- في الواقع، هذا عملي جداً. يأتي الناس محبي العمل كل الوقت ويقترحون تأسيس الشركات الاجتماعية طوعاً. مثل شركة McCain Foods الكندية. أرادوا أن يقوموا معنا بأعمال اجتماعية. لديهم 60% من السوق الفرنسية لصغار السمك في العالم. أقمنا البزنيس الاجتماعي المشترك في كولومبيا. ويحاول العديد من المزارعين الكولومبيين كسب الرزق، كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى. كامبو فيفو، بزنيسنا الاجتماعي الذي يساعد المزارعين في زراعة البطاطس والخضروات ذات الغلة العالية.
بعد ذلك، أسسوا بزنيساً اجتماعياً آخر في فرنسا، حيث يضيع 26 % من البطاطس، لأن شكله غير مناسب لآلات القلي الفرنسية. عندما بدأوا ينظرون إلى McCain Foods من خلال نظارات البزنيس الاجتماعي رأوا فرص جديدة. وأسسوا Bon et Bien لشراء هذا البطاطس لإنتاج حساء البطاطس. وأنهم يستأجرون شباباً عاطلين عن العمل. ثم لاحظوا أن 30 % من الخضراوات التي تزرع في جميع أنحاء أوروبا يتم تجاهلها لأنها لا تملك الشكل الصحيح لمحلات السوبر ماركت وتسمى "الخضروات القبيحة". وتشتري شركة البزنيس اجتماعي هذه الخضروات تعدها لوضعها في حزمة صغيرة من الخضروات الجاهزة. كانوا يستطيعون كسب المال على هذا، لكنهم قرروا عدم القيام بذلك لأن حساء الخضار كانت جيدة ورخيصة.
- الشركات العادية تحل المشاكل باستمرار. ما الذي نحصل عليه من خلال إزالة دافع الربح؟
- إذا قمنا بإزالة الدافع من الربح الشخصي وفكرنا فقط عن حل المشكلة، وفنرى فجأة الكثير من الفرص التي لم يسبق له مثيل. إذا أصبح التفاني قوة دافعة للتطور التكنولوجي بدلا من المكاسب الشخصية، تتحول التكنولوجيا فجأة إلى قوة قوية للغاية وتغير العالم بسرعة جدا. ثم سيتم تطوير الذكاء الاصطناعي لمعالجة المشاكل الصحية للناس، بدلا من أخذ الوظائف. إذا ركزتم على جزء متفان من الإنسانية، فإن الاقتصاد كله يتغير.
- من أين يأتي التمويل؟
- من العديد من الاتجاهات. يمكن أن تكون الأموال الخيرية مصدراً رئيسياً. يؤسس العديد من المساهمين صناديق البزنيس الاجتماعي. يمكن أن الثروة الشخصية أيضاً تكون مصدراً هاماً. كذلك صناديق التحوط أو صناديق التأمين وصناديق التقاعد يمكن أن تستثمر 1 % من أموالها في البزنيس الاجتماعي دون توقع تحقيق المكاسب الشخصية.
- ماذا تقول لرجال الأعمال المهتمين؟
-حاولوا القيام بذلك. استخدموا جزءاً من ثروتكم أو مسؤوليتكم الاجتماعية المشتركة، وأموال الصناديق لاستثمارها في البزنيس الاجتماعي. يمكنكم إعلان المسابقات لتصميم الشركات التي تتناول أحد أهداف التنمية المستدامة التي تهتمون بها. سوف تحصلون على الكثير من الأفكار عن البزنيس. اختاروا واحداً أو اثنين من الخيارات باشروا في الاستثمار فيها ليس لأغراض الدعاية فقط. تأكدوا من أن هذا حقاً يحل مشاكل الناس. أيضا، تتعلموا الكثير عن أنقسكم بفضل القيام بهذه الأعمال.
The New York Times