زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، لثلاثة عواصم خليجية، المقررة بين 27 و30 أغسطس، تحمل في طياتها أكثر من مجرد زيارة وزير روسي للمنطقة بغرض الوساطة في الأزمة الخليجية، بل هي بحث عن دور حيوي وقوي في منطقة الشرق الأوسط، منافسًا للدور الأمريكي الذي بدأ في التراجع.
الخارجية الروسية أعلنت على لسان المتحدثة باسمها، ماريا زاخاروفا، أن لافروف سيزور، الأسبوع المقبل، الكويت والإمارات وقطر؛ لبحث ملفين يشغلان المنطقة بأكملها، الأول هو ملف الأزمة القطرية، وهو تحرك هام من الروس بخصوص الأزمة، التي التزموا في أيامها الأولى بالحياد؛ حيث أكد لافروف نفسه بعد يوم واحد من إعلان الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، السعودية والإمارات والبحرين ومصر، مقاطعة قطر، أن الأزمة شأن دول المنطقة دون غيرها.
زاخاروفا قالت- أيضا- "خلال الاتصالات التي ستُجرى في العواصم المذكورة، يهدف الوفد الروسي إلى البحث بشكل مفصل للوضع الحالي وآفاق تطوير علاقات الصداقة التي تربط روسيا بتلك الدول، ويعني ذلك إجراء حصر للقرارات المتخذة في وقت سابق على مستوى القيادة"، وفقًا لما ذكرته وكالة "سبوتنك" الروسية.
وأشارت زاخاروفا، إلى أن أمير الكويت سيستقبل لافروف، كما سيجري مباحثات مع نظيره الكويتي، ومن المقرر في الدوحة أن يستقبله أمير قطر وإجراء مباحثات مع نظيره القطري ووزير الدفاع.
أما الملف الآخر، فهو الملف السوري بكل تعقيداته وأزماته، لاسيما أن موسكو ضليعة في هذا التعقيد، بدخولها كشريك عسكري في الحرب ضد داعش علانية، وحماية نظام الأسد من وراء ستار؛ حيث تعتبر روسيا هي اللاعب الأكثر تأثيرًا في الأزمة السورية، بالإضافة إلى وجود تقارب في وجهات النظر بين الخليج وروسيا حول مصير الأسد، وبالتالي فإن هذه الزيارة ربما تفتح المجال للتوصل لحل الأزمة السورية.
وإضافة إلى هذين الملفين اللذين أعلنتهما المتحدثة باسم الخارجية الروسية، فإن ملفات أخرى تبدو مستترة سيناقشها لافروف خلال جولته، لعل أولها الملف الإيراني الذي سيكون مطروحًا بقوة على طاولة الوزير الروسي؛ حيث تسعى بلاده إلى تخفيف التوتر الحالي والمستمر بين إيران ودول الخليج بقيادة المملكة، كمحاولة لتبديد مخاوف السعودية فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني في سوريا واليمن، وهو أمر قد يناقشه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، عندما يحل ضيفًا على موسكو، خلال الفترة المقبلة.
وتعتبر روسيا حريصة على بناء علاقات قوية بين الرياض وطهران، خصوصًا بعد الجهود الحثيثة التي قامت بها أطراف عديدة لتخفيف التوتر بين البلدين، ما ظهر في تأكيدات وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، منذ أيام، بقوله إن الدبلوماسيين الإيرانيين والسعوديين سيزورون الرياض وطهران بعد انتهاء موسم الحج.
المصلحة الروسية في الوجود مباشرة أو بشكل غير مباشر في القضايا الشائكة بالمنطقة، ربما يكون ملفًا ثانيًا مستترًا؛ حيث تسعى موسكو لسحب البساط بشكل صريح من النفوذ الأمريكي؛ ردًا على العقوبات التي فرضتها واشنطن على موسكو، خلال الفترة الماضية، وقد يكون- أيضا- ترجمة لتصريحات سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي، من أن موسكو باشرت في صياغة تدابير الرد الحتمية على العقوبات الأمريكية، قائلا، "كان يجب على واشنطن أن تفهم خلال السنوات الأخيرة أن لغة العقوبات غير مقبولة بالنسبة لنا؛ لكن يبدو أنهم لم يتوصلوا لفهم مثل هذه الأمور الواضحة".
لافروف قد يحقق تقدمًا في الملفات التي سيناقشها في الجولة، وهنا سيزداد النفوذ الروسي، إلا أن احتمال أن يعود إلى بلاده مثلما جاء وبخفي حنين، سيظل قائمًا، طالما فشل في مساعيه المعلنة، أولا بإقناع الدوحة أن لا سبيل لحل الأزمة الخليجية إلا بتخليها عن دعم الإرهاب وتمويله، وثانيا بضرورة تقديم ضمانات لتحجيم الدور الإيراني في المنطقة.