عددهم نحو 1.4 مليون يعيشون في ألمانيا ورغم ذلك يعرفون بأنهم الأقلية العرقية "غير المرئية". ولكن يبدو أنهم لن يعودوا كذلك بعد الآن، خاصة وأنهم صاروا أمل حزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي المعادي للمسلمين ليصبح ثالث أكبر حزب في الانتخابات الاتحادية الألمانية نهاية الأسبوع الجاري.
وعانت الأقلية الروسية التي ينحدر غالبيتها من نسل المهاجرين الألمان في القرن التاسع عشر الذين عادوا وحصلوا على الجنسية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، من تجاهل الأحزاب الكبرى، إلى أن جاء الحزب اليميني المتطرف وبدأ يتوجه إليهم محاولاً اجتذاب أصواتهم تحت مزاعم التحذير من "الغزو الإسلامي" والإشادة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. حسبما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية.
تجدر الإشارة إلى أن "الروس الألمان" - وهو مصطلح يُستَخدَم في كثير من الأحيان على نحوٍ فضفاض بحيث يشمل أولئك الذين لديهم خلفيات متنوعة من كازاخستان وأوكرانيا وقيرغيزستان وكذلك روسيا- كان يُنظَر إليهم في البداية بريبة، ولكن في نهاية المطاف أصبحوا مهاجرين نموذجيين يجيدون اللغة الأصلية، وأقل عُرضَةً للتعطُّل عن العمل من مجتمعات المهاجرين الأخرى. كان أحد التقارير لعام 2013 قد تحسَّر على عدم اهتمام الروس الألمان بالسياسة.
غير أن أزمة اللاجئين في عام 2015 والمناقشات التي دارت حول فوائد الهجرة قد أدت إلى تسييس أجزاء كبيرة من المجتمع. وقد شارك كثيرون، مثل ممرضة برلين أولغا فيتليف، مع حزب "البديل من أجل ألمانيا".
تقول فيتليف عن وصول اللاجئين عام 2015، والذين فر معظمهم من الصراعات والحروب في المنطقة العربية "أستطيع أن أفهم لماذا أراد هؤلاء الناس أن يأتوا إلى ألمانيا. لكني لا أشعر بأي تضامن مع الناس الذين يأتون إلى هنا بشكل غير قانوني".
قضية ليزا
ولعبت القضية التي عرفت بـ"قضية ليزا" دوراً أساسياً في تشجيع الألمان الروس على المضي قدماً في عدائهم. ففي يناير/كانون الثاني 2016، ذكرت وسائل الإعلام الروسية أن فتاةً اسمها "ليزا" تعرَّضَت للاغتصاب من قبل اللاجئين في برلين.
وقد كشفت الشرطة الألمانية كذب تلك الادعاءات، بيد أن الآلاف من المتحدثين الروس من جميع أنحاء ألمانيا خرجوا إلى الشوارع احتجاجاً على سياسة الهجرة لدى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والتي عرفت باسم "سياسة الباب المفتوح" لاستقبال اللاجئين.
لكن حدثاً قد وَقَعَ مؤخراً في مارتسان، نفس المنطقة في برلين حيث بدأت قضية ليزا، أسهم أيضاً في توضيح نطاق التحدي السياسي في المستقبل.
فداخل مركز مجتمعي تحيط به كتل سكنية شاحبة، واجه السياسيون الناطقون بالروسية من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي لميركل، والحزب الديمقراطي الاجتماعي، والخضر، والحزب اليساري، وحزب البديل من أجل ألمانيا، أسئلةً من جمهور ضم تيموفي فايغل، عضو حزب البديل من أجل ألمانيا في ليتشتنبرغ والذي أدلى بشهادته باعتباره "عم ليزا" إلى تقارير التلفزيون الروسي في يناير/كانون الثاني عام 2016.
سأل فايغل ميدينا شوبرت، التي كانت تقف في مارتشان لدعم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي لميركل "في اعتقادك، كم عدد الإرهابيين الذين دخلوا بالفعل؟ ولماذا نُسمَّى بالشعبويين عندما نثير هذه القضية، وقلت أنك تهتمين بالأمن؟".
وردَّت شوبرت قائلةً إن الوضع كان شديداً خلال التدفُّق الأول للاجئين، ولكن "الهياكل المُجرَّبة والمُختَبَرَة" قد وُضِعَت الآن لحل المشكلة. وأضافت "ليس كل لاجئ إرهابياً".
في حين وجه أوليغ موسيكا، الناشط اليميني السابق المؤيد لروسيا من شرق أوكرانيا الذي حصل على اللجوء السياسي في ألمانيا، سؤالا حول "الهندسة" المزعومة للثورة الأوكرانية من الغرب قائلاً، "ألا يجب على ألمانيا أن تبقى بعيداً عن السياسات الداخلية للبلدان الأخرى لتجنب اللاجئين؟".
حاولت ميدينا شوبرت الرد بأن الدول "لا تتدخَّل دون سبب"، ولكن صرخات الجمهور قاطعتها: "تحت حكم القذافي، كانت هناك شيوعية على الأقل، فكيف حال ليبيا الآن؟ على الأقل كان القذافي يوفر الاستقرار!".
كان المُتحدِّث الوحيد الذي تمكَّن من الإطالة في الحديث دون مقاطعة الجمهور خلال هذا الحدث هو سيرجي تشيرنوف، وهو عضو في "البديل من أجل ألمانيا" والذي أسَّسَ مؤخراً مجموعةً ناطقةً بالروسية، إذ قال إن الاقتصاد الألماني عانى طويلاً بما فيه الكفاية من العقوبات المفروضة على روسيا. وأضاف: "إن حزبنا يعارض العقوبات، فهي لا طائل منها، وأوكرانيا أكبر دليل على ذلك". ولاقت تصريحاته حلقة التصفيق الوحيدة في تلك الليلة.