تعتبر أذربيجان من أوائل الدول الديمقراطية في الشرق ، فقد كانت من أوائل الدول التي منحت حق التصويت والترشح للمرأة قبل أن تمنحها الديمقراطيات العريقة منذ قيامها عام 1918 ، ومن ثم فإنها تعرف نظام الحكم الديمقراطي من خلال المؤسسات المنتخبة وفق الدستور والقانون الذي أقره الشعب ، وباشراف المنظمات الدولية والأوروبية التي تراقب كافة الانتخابات في البلاد ، وفي مقدمتها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومنظمة التعاون الإسلامي ، وغيرها من منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية المعنية بالديمقراطية في العالم .
شكلت أذربيجان واحة خصبة للتسامح العرقي والديني في منطقة القوقاز ، حيث تعيش جميع القوميات والأعراق ومعتنقي مختلف الأديان والمذاهب في جو من المودة والتسامح ، وذلك لما اكتسبته تلك البقعة من خبرات السنين ، حيث كانت ملتقي الحضارات المختلفة ، فلا يوجد في تاريخ أذربيجان أحداث تتعلق الصراع الديني أو القومي ، ولذلك تتواجد الكنائس المسيحية بما فيهم الكنائس الأرمينية والمعابد اليهودية ، إلي جانب المساجد الشيعية والنسية علي حد سواء ، حيث نادراً ما يتم التمييز بين معتنقي المذهبين السني والشيعي ، نظراً لما تشهد البلاد من أوجواء التسامح الديني والعرقي .
تتميز أذربيجان منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي بالانفتاح علي العالم الخارجي ، فهي تقيم شبكة علاقات متوازنة مع جميع دول العالم بفضل ما تتمتع به من سيادة واستقلال في قرارها السياسي ، حيث تترسخ بها قواعد الديمقراطية باعتبارها من أقدم الدول اليمقراطية في الشرق منذ قيام جمهورية أذربيجان الحديثة في 28 مايو 1918 ، وقبل أن تكون إحدي الجمهوريات الخمسة عشر المكون للاتحاد السوفيتي السابق ، ومن ثم فإن قراراتها السياسية تصدر عن مؤسسات ديمقراطية منتخبة .
تتخذ أذربيجان موقفاً مسانداً للقضايا العادلة في العالم ، وفي مقدمتها قضايا الأمة العربية وخاصة القضية الفلسطينية ، والصراع العربي الإسرائيلي بشكل عام ، حيث تدعم القضية الفلسطينية بشكل دائم ، فقد رفضت أذربيجان افتتاح سفارة لها في إسرائيل ، كما استضافت مؤتمراً دولياً لدعم فلسطين وإعمار غزة عام 2013 ، بعد العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة في نهاية عام 2012 ، كما تتبني وتساند دائماً المواقف العربية في كافة المحافل الدولية .
بحكم سياسة الانفتاح التي تنتهجها أذربيجان علي كافة دول العالم ، فإنها تقيم علاقات تجارية واقتصادية مع إسرائيل ، وخاصة مع وجود جالية يهودية في أذربيجان يعيشون علي أراضيها منذ عهد الامبراطورية الروسية ، لذلك افتتحت إسرائيل سفارة لها في باكو لرعاية مصالح تلك الجالية اليهودية ، رغم أن أذربيجان ليس لها سفارة أو قنصلية في إسرائيل ، وتحاول بعض الدول وخاصة أرمينيا استغلال العلاقات بين أذربيجان وإسرائيل وللترويج بأنها علاقات موجهة ضد العالم العربي ومصالحه القومية العليا ، ولكن حجم التعاون بين البلدين ، لا يعبر عن علاقات متميزة أو استثنائية بين البلدين ، فوفق ميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر تزويد وبيع الأسلحة للدول المتحاربة ، فإن اذربيجان التي تحتاج إلي السلاح لتطوير جيشها من أجل تحرير أراضيها المحتلة " قره باغ الجبلية " تجد نفسها مضطرة لشراء الأسلحة من إسرائيل ، حيث يوجد لديها مرونة في بيع السلاح لكافة دول العالم .
تسود علاقات حسن الجوار القائمة علي الاحترام المتبادل والمودة والتعاون المثمر بين أذربيجان وكافة دول الجوار " روسيا ، إيران ، جورجيا ، تركيا " باستثناء أرمينيا التي تنتهج سياسة عدوانية ، ليس مع أذربيجان وحسب ، بل مع الجار التركي أيضاً ، فقد احتلت إقليم " قره باغ الجبلية " الأذربيجاني ، الأمر الذي أدي إلي تشريد نحو مليون مواطن أذربيجاني كانوا يعيشون في الإقليم ، بالإضافة إلي نحو 250 ألف مواطن كانوا يعيشون في أرمينيا منذ أن كانت الدولتان ضمن الاتحاد السوفيتي السابق .
منذ صدور قرار وقف إطلاق النار بين أرمينيا وأذربيجان عام 1994 ، تتولي مجموعة " مينسك " المنبثقة عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والتي تضم في عضويتها كل من الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا ، رعاية المفاوضات بين أرمينيا وأذربيجان بهدف الوصول إلي تسوية سلمية لذلك الصراع ، ولكن علي الرغم من مرور أكثر من عشرين عاماً منذ وقف إطلاق النار ، لم يحدث أي تقدم في تلك المفاوضات ، الأمر الذي يزيد من الضغوط علي حكومة أذربيجان بسبب استمرار احتلال أراضيها ، واستمرار معاناة مليون لاجئ تركوا ديارهم وأرضهم ويعيشون في ظروف انسانية قاسية .
ترفض أرمينيا دائما كافة الحلول التي تتقدم بها مجموعة " مينسك " ، في الوقت الذي تراهن فيه علي عامل الوقت ، بهدف تغيير المعالم الديموجرافية علي الأرض من خلال إزالة ومحو كافة المعالم التاريخية التي تدل علي انتماء الإقليم لأذربيجان ، ومن ناحية ثانية تعول أرمينيا علي عامل الوقت الذي يأتي بأجيال ولدت خارج أراضي الإقليم ، ومن ثم يقل ارتباطهم بتلك الأراضي التي رحل عنها الآباء والأجداد ، فلا يطالبون بحقوقهم فيها .
تتحدث أرمينيا مع بعض الدول الإسلامية ، مستغلة وجود جاليات أرمينية بها ، ووجود ضغوط من بعض القوي الكبري كالولايات المتحدة وفرنسا وغيرها من الدول التي ينشط بها اللوبي الأرمني ، وتحاول من ذلك الحديث نسج علاقات صداقة بهدف كسب ود تلك الدول ، وتقليل دعمها لأذربيجان المطالبة باستعادة أراضيها المحتلة ، وفي الوقت الذي تتقرب فيه أرمينيا من بعض الدول الإسلامية ، لاتتواني عن تغيير المعالم التاريخية في الأراضي التي تحتلها ، حيث تقوم بتدمير المساجد والمعالم الإسلامية ، كما تدعم المنظمات الإرهابية وعلي رأسها منظمة " أصالة " التي تقتل وتروع الأذربيجانيين في كل مكان وخاصة في دول الجوار .
استطاعت أذربيجان أن تعيد بناء قواتها المسحلة علي أسس سليمة طيلة السنوات الماضية ، وذلك بفضل الطفرة الاقتصادية الكبيرة التي حقتتها خلال السنوات الماضية ، مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط والغاز في بناء اقتصاد قوي ، كما يعتبر جيش أذربيجان في الوقت الراهن من أقوي الجيوش في القوقاز ، وقد وظفت أذربيجان جانباً كبيراً من ميزانيتها العامة لبناء القدرات العسكرية والتصنيع العسكري ، وأصبحت تنتج العديد من الأسلحة والطائرات بدون طيار ، وتقيم العديد من معارض المنتجات الحربية للاستفادة من التقنيات العسكرية المتطورة في العالم .
يعترف المجتمع الدولي بوحدة أراضي أذربيجان والحدود الدولية التي اعترف بها العالم وخاصة الأمم المتحدة وذلك عندما اعترفوا باستقلال أذربيجان عن الاتحاد السوفيتي عام 1991 ، كما أصدر مجلس الأمن الدولي أربع قرارات " 822 ، 853 ، 874 ، 884 " والصادرة عام 1992 ، تؤيد فيها وحدة أراضي أذربيجان وتدعم سيادتها علي كامل ترابها وتدعو أرمينيا إلي الانسحاب من أراضي أذربيجان المحتلة .
لقد كانت أرمينيا مثلها مثل أذربيجان دولتان ضمن منظومة الاتحاد السوفيتي السابق ، وكان الجيش السوفيتي هو المالك الوحيد للأسلحة وصاحب القرار الوحيد أيضاً في استخدامها ، وهذا ما يثير الكثير من علامات الاستفهام والاستغراب ، بل يشير بكثير من الشكوك حول تزويد أرمينيا بالسلاح وقت اشتعال الصراع في " قره باغ " عام 1988 ، وتدخل أرمينيا داعمة الانفصاليين الأرمن في " قره باغ " بأسلحة تابعة للجيش السوفيتي .
بعد مرور ربع قرن علي صدور قرارات مجلس الأمن الدولي ، التي تلزم أرمينيا بالانسحاب من أراضي أذربيجان المحتلة ، وعدم انصياع أرمينيا للشرعية الدولية وتنفيذ ما صدر عنها من قرارات ، فإن مجلس الأمن والقوي الكبري لم تفرض أي عقوبات أو تمارس أي ضغوت علي أرمينيا لإجبارها علي تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي تسارع القوي الكبري لتطبيقها علي الدول الأخري ، وخاصة الدول الإسلامية كما في العراق وسوريا وليبيا وغيرها .
الجيش الأرميني المزود بأحدث الأسلحة السوفيتية وقت اندلاع الحرب ، ثم الأسلحة الروسية حالياً يسيطر علي إقليم " قره باغ " ويدعم الانفصاليين الأرمن في الإقليم الأذربيجاني مالياً واقتصادياً ، وتمثل المنفذ الوحيد والبوابة الواسعة للإقليم علي العالم الخارجي ، ورغم كل ذلك تتحدث أرمينيا عن أن الصراع في " قره باغ " هو صراع داخلي بين أذربيجان ومواطني الإقليم ذات الأصول الأرمينية ، وهي - أرمينيا - ليست طرفاً في الصراع .
تلتزم الدول والقوي الكبري ، ومنظمات حقوق الإنسان الصمت عن المذابح والأعمال الوحشية ، وحقوق أكثر من مليون لاجئ أذربيجاني كانوا يعيشون في إقليم " قره باغ " هجروا من ديارهم وأرضهم منذ أكثر من بع قرن ، ويعيشون في ظروف اجتماعية وإنسانية صعبة ، الأمر الذي يشير بكل وضوح إلي ازدواجية المعايير التي تنتهجها القوي الكبري والمنظمات الدولية ، وهذا ما يساعد علي إيجاد بيئة خصبة للتطرف وعدم الاستقرار وتهديد الأمن والسلم ليس في إقليم القوقاز وحسب ، بل في أوروبا وآسيا ، إذا لم يمتد آثارها إلي مختلف دول العالم نظراً للشعور بالظلم ، وعدم العدالة التي تسود عالم اليوم .
بعد 25 عاما من الاستقلال استطاعت أذربيجان أن تخطو خطوات كبيرة وبثبات لتدخل في عداد الدول المتقدمة المزدهرة ، وقد اتضح ذلك جلياً عندما شاهدها العالم خلال استضافتها لدورة الألعاب الأوروبية الأولي التي تقدمت بفكرة تنظيمها وطلب استضافتها حسب المعايير الأولمبية والأوروبية ، مما أبهر العالم بحسن الاستعداد والتجهيز والتنظيم ، الأمر الذي يدل علي ما تملكه أذربيجان من امكانيات مادية وبشرية لم تصل إليها إلا الدول المقتدمة .
الكاتب أحمد عبده طرابيك