أثار فيديو لاعتداء طلبة ينتمون لليسار على قيادي في حركة النهضة، موجة من الاستنكار داخل الأوساط السياسية والحقوقية في تونس، حيث طالب البعض بمحاكمة الطلبة المعتدين ودعا آخرون إدارة الجامعة والتيارات اليسارية التي ينتمي لها الطلبة بالاعتذار عما حدث.
وتداول سياسيون ونشطاء فيديو لعبد الحميد الجلاصي، القيادي في حركة النهضة، وهو يتعرض للاعتداء من قبل طلبة حاولوا منعه من حضور ندوة حول الإسلام السياسي في جامعة منوبة قرب العاصمة التونسية.
وكان الطلاب، رفعوا أيضا شعار “ديغاج” (ارحل) في وجه علي العريض، نائب رئيس حركة النهضة، قبل أن يقوموا بالاعتداء على الجلاصي، الذي رفض مغادرة المكان، مؤكدا أن الجامعة مكان مفتوح للجميع.
وأثار الفيديو موجة استنكار داخل الأوساط السياسية والحقوقية، حيث دوّن طارق الكحلاوي، الباحث والقيادي السابق في حزب حراك تونس الإرادة “من الواضح ان ما حصل ليس منعا لندوة علمية فقط (ومن ثمة تعديا على الحريات الاكاديمية التي ناضلنا طويلا من اجل فرضها) بل ايضا اعتداء بالعنف (تحديدا على القيادي في النهضة عبد الحميد الجلاصي). ما حدث يستوجب اعتذارا من المتسببين فيه. ومن العار ان يتورط اي طرف يدّعي اليسارية، التي رسخت كتيار فكري ونظرت لمبدأ الحرية الاكاديمية، في هكذا تعدي”.
وأضاف “اليسار الحقيقي يجلس في القاعة واصلا يتمنى حضور قيادات الإسلام السياسي ليناظرها و”يعطيها طريحة” معرفية وسياسية. بالتركيز على حصيلتها الاقتصادية الكارثية في السنوات الاخيرة. ودورهم في التسويق والتبرير للخضوع الاقتصادي للمؤسسات المالية الدولية والاليكا قريبا.هكذا يجب ان يكون اليسار عزيزا وعظيما وممتلئا بالثقة عندما يتعلق الامر بالمناظرة الفكرية والسياسية. والماركسي الاصيل هو الذي يقف مسلحا بعقله، وليس بالهستيريا، ويفكك الى اخر قطعة الإسلام السياسي”.
ودوّن سالم الأبيض، الوزير السابق والنائب عن حركة الشعب (ناصرية) “ما تخلل الجلسة العلمية من عنف جسدي ومادي ولفظي وسياسي وإقصاء ومنع من الحضور لبعض وجوه الطبقة السياسية مهما كان انتماؤهم السياسي وخلفيتهم الفكرية والأيديولوجية، ما أدى الى إيقاف أشغال الندوة، لا يمت إلى الديمقراطية وأخلاق المعاملات السياسية والعيش المشترك ونبذ العنف وكافة المبادئ النبيلة بصلة. لقد عشت الجامعة منذ أكثر من ثلاثين سنة، من موقع القيادي في الحركة الطلابية في تيار الطلبة العرب التقدميين الوحدويين أحد أبرز التنظيمات الطلابية، ومن موقع الأستاذ الجامعي الذي تتلمذ على يديه آلاف الطلاب في مختلف اختصاصات علم الاجتماع وخاصة علم الاجتماع السياسي والديني والمغرب العربي. ولقد كانت الجامعة دائما فضاء لتنوع الأفكار والأيديولوجيات والأطروحات والمطارحات الفكرية العميقة، والنضال من أجل القضايا التاريخية وخاصة القضية الفلسطينية، وتعايش التيارات الرئيسية الثلاثة في تونس وهي التيار القومي العربي والتيار الإسلامي والتيار الماركسي بمختلف تنظيماتهم”.
وأضاف “لا أستطيع أن أقبل ما حدث اليوم في كلية الآداب بمنوبة ولا أجد له تبريرا سوى القصور في الفهم والجهل بطبائع التاريخ الطلابي ودور الحركة الطلابية الحقيقي وبالديناميكية السياسية التي يعيشها مجتمعنا، كما لا أستطيع تفسير موقف عميد الكلية الذي لم يحرك ساكنا تجاه ما تعرض له ضيوف كليته الذين وجهت لهم دعوة رسمية للحضور عن طريق وحدة البحث التي نظمت الندوة”.
فيما دعا مصطفى جعفر، رئيس المجلس التأسيسي (البرلمان) السابق، السلطات التونسية إلى “اتخاذ التدابير اللازمة والكشف عن المعتدين و مقاضاتهم حتى لا تتكرّر مثل هذه الممارسات خاصة ونحن على أبواب فترة انتخابية تقتضي من الجميع التحكم في النفس واحترام مبادئ الحريات العامة والخاصة واحترام الحريات الأكاديمية والبحث العلميّ ونواميس العمل السياسي والفكريّ حتى نتجنب الزجّ بالبلاد في صراعات إيديولوجية وسياسوية لا طائل من ورائها ولا نتيجة لها سوى تقسيم المجتمع و بث الكراهية وزرع بذور الفتنة”.
ودوّن المحامي سيف الدين مخلوف “الاعتداء الهمجي الذي تعرض له المناضلان علي العريض وعبد الحميد الجلاصي في كلية “الآداب ” بمنوبة هو نتيجة حتمية وامتداد طبيعي لخمسين عاما من التجهيل الايديولوجي لأجيال من الشباب التونسي بمقولات ستالينيّة دمويّة إقصائية استئصالية تافهة وعنيفة، ولم تنتج سوى أجيال بائسة من اليسار الجاهل جدا فكريا، والغبي جدا سياسيّا”.
وكانت حركة النهضة أدانت ما وصفته “الاعتداء المجاني والهمجي (الذي تعرض له العريض والجلاصي) بفضاء أسّس ليكون منارة للفكر وللحريات، كما تستهجن موقف بعض الأطراف التي تواطئت ووفرت مناخات ارتكاب هذه الجريمة بحق تونسيين وفضاء علمي وأكاديمي”، ودعت وزير التعليم العالي الى فتح تحقيق حول هذا الاعتداء وملاحقة المتورطين فيه.