آنار صديقوف، الخبير السياسي الروسي في شئون منطقة القوقاز والشرق الأوسط ودمتوؤاه الفلسفة في العلوم التاريخية. حصرياً ليوميات أوراسيا:
على الرغم من أنه كان الاتحاد السوفيتي أول دولة تعترف في عام 1926 باستقلالية المملكة التي أسسها والد الملك الحالي عبد العزيز بن سعود تعتبر هذه الزيارة التاريخية لملك المملكة العربية السعودية سلمان بن عبد العزيز آل سعود في روسيا الأولوى من نوعها منذ إقامة العلاقات بين البلدين. وقد قدر الرئيس فلاديمير بوتين الاجتماعات بين الطرفين كموضوعية وجامعة ومؤتمنة وأعرب عن ثقته بأنها ستدفع تنمية العلاقات الثنائية. أكد الملك سلمان بدوره على الرغبة في تعزيز العلاقات مع الاتحاد الروسي في مصلحة السلام والأمن والتنمية في الاقتصاد العالمي، مشيراً إلى تقارب وجهات النظر بين البلدين حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية.
وقد وقعت الدولتان على خارطة طريق للتعاون التجارى والاقتصادى والعلمي والتقنى على المدى المتوسط.
التعاون الاقتصادي
وفقا لما قال وزير الطاقة لروسيا الاتحادية السيد الكسندر نوفاك إن الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة وصندوق الاستثمارات العامة للعربية السعودية (PIF -Public Investment Fund) والذي يبلغ رأسماله نحو 180 مليار دولار ينويان توظيف لاستثمار يقيمة نحو 10 مليارات دولار في أكثر من 25 مشروعاً في قطاعات مثل السلع الاستهلاكية والزراعة والعقارات والبنية التحتية. ومن المتوقع أيضاً تأسيس صندوقين مشتركين بمبلغ الاستثمار الإجمالي ب2 مليار دولار خصصا لقطاعي الطاقة والتكنولوجيا. في الوقت الحالي، استثمرت المملكة العربية السعودية أكثر من مليار دولار في مشاريع في روسيا.
تواجه العربية السعودية اليوم بعض الصعوبات داخل البلاد، حيث تزداد البطالة والعجز في الميزانية بسبب تراجع أسعار النفط، مما أدى إلى انخفاض احتياطي العملة الأجنبية ب250 مليار دولار. وقد يودي هذا إلى خطر الاضطرابات الاجتماعية في المملكة. ووفقا إدارة الإحصاءات المركزية، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من العام الحالي ب2.3٪ مقارنة مع الالربع الأول. وأنه، في المقابل، انخفض بنسبة 3.7٪ في الربع الأخير من 2016. وبالتالي يلعب العامل الاقتصادي وتنسيق التعامل في أسواق الطاقة العالمية للحفاظ على أسعار معقولة نسبيا دوراً كبيراً في التقارب بين موسكو والرياض، بالنظر إلى أن الكمية الإجمالية من إنتاج النفط تبلغ 25٪ من الإنتاج العالمي.
التعاون العسكري التقني
ويعتزم الطرفان العمل بنشاط على تطوير التعاون العسكري التقني. وتنوي المملكة العربية السعودية الحصول على نظام الصواريخ المضادة للدفاع الجوي من طراز S-400 في روسيا. ومن المتوقع أن تناقش معايير أكثر تفصيلا للاتفاق في اجتماع اللجنة الحكومية المقرر عقده في أواخر تشرين الأول / أكتوبر. وفي إطار الاتفاقيات ترغب الرياض أيضا في شراء أنظمة صواريخ مضادة للدبابات "كورنيت" وأنظمة إطلاق النار دفعة واحدة. عقد بين "روس أوبورون اكسبورت" و"شركة الصناعية العسكرية السعودية" على الإنتاج المرخصة لبنادق "كلاشنيكوف" وذخائر لأغراض مختلفة.
لم تعتبر العقود العسكرية المبرمة بين روسيا والمملكة العربية السعودية بالمبلغ الإجمالي ب3 مليارات دولار صفقة كبيرة بالنسبة للسعوديين، لا سيما على ضوء توقيع الاتفاقيات العشكرية مؤخراً مع الولايات المتحدة بمبلغ 110 مليار دولار. وفي الوقت نفسه، هناك الاتفاقيات بمبلغ 350 مليار في السنوات ال10 المقبلة. ويكمن الهدف الرئيسي للرياض من إشراك موسكو في التعاون العسكري التقني، في رغبة عرقلة الشراكة العسكرية بين روسيا وإيران. أوضح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلته مع صحيفة "واشنطن بوست" أهداف المملكة من علاقات الرياض مع موسكو بصراحة تامة: "إن التحدي الرئيسي هو إقناع روسيا بعدم الاعتماد على إيران فقط في المنطقة".
مجال السياسة الخارجية
وتبادل رئيس روسيا والملك المملكة العربية السعودية وجهات النظر حول أهم جوانب الوضع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتم التركيز بشكل خاص على سوريا والعراق وليبيا واليمن والوضع في منطقة الخليج الفارسي وتسوية النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. ووفقا لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أنه من الأهمية بمكان أن الملك سلمان والرئيس فلاديمير بوتين قد أعربا عن التفاهم التام لضرورة إجراء حوار بالاحترام المتبادل بين جميع الأطراف المعنية في حل المشاكل القائمة. وتشيد الرياض بالعمل في تسوية الأزمة السورية في صياغ أستانا، بدوره، تدعم موسكو جهود المملكة العربية السعودية لتوحيد المعارضة السورية وإقرارها على منصة مفاوضات البناءة مع الحكومة. وتحدث العاهل السعودي عن الحاجة إلى تحقيق الأمن والاستقرار في الخليج الفارسي. ووفقا له "فإن ذلك يتطلب إيران على التخلي عن التدخل في الشؤون الداخلية لليمن، والامتناع عن العمل على زعزعة استقرار المنطقة".
تعاني المملكة العربية السعودية حالياً من الصعوبات في مجال السياسة الخارجية. تتواصل المواجهة الإقليمية مع إيران والتي اشتدت زراوة في المعارك الدارية في اليمن ضد الحوثيين المدعومة من إيران، ومستمرة منذ عدة سنوات. فعاليات القوات المسلحة السعودية منخفضة وأودت الضربات الجوية الدورية بحياة المدنيين الأبرياء. وتقع اليمن التي هي أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية وأنها بالفعل على حافة الكارثة الإنسانية. ويتفاقم الوضع من وقوع المعارك قرب حدود المملكة واعتداءات الحوثيين بشكل دوري على أعماق أراضي المملكة، وكذلك استهدافهم المدن السعودية بالصواريخ. بعتبر قرار محاولة عزل قطر مشكوكاً فيه جدا، مما أدى إلى الاختلافات بين الدول العربية في الخليج حيث اتخذ كل من سلطنة عمان والكويت موقفاً محايداً، في حين أعربت االقوى الإقليمية الكبري تركيا وإيران عن دعمهما غير المشروط إلى الدوحة، بما في ذلك الدعم العسكري. وهكذا، أدت سياسة العربية السعودية الحالية إلى ابتعاد الدول الموالية لها في الماضي القريب، واقترابها من خصمها الرئيسي إيران، لذلك تحتاج السعودية إلى حلفاء جدد في المنطقة، وأمها شعرت بخيبة الأمل من الولايات المتحدة بالفعل بعد نشوة قصيرة.
تعهد دونالد ترامب بتقديم الدعم غير المشروط للسعودية في جميع القضايا وفي نفس الوقت باع لها الأسلحة بمئات المليارات من الدولارات، ولكن أوقف الدعم العسكري للجماعات المسلحة الموالية للسعودية في سوريا ويدعو الآن للمصالحة مع قطر. كما لا تزال تذكر السعودية الإطاحة بكل من الرئيس حسني مبارك والريئس التونسي بن علي جراء أحداث الربيع العربي. وفي ذلك الوقت رفض الأميركيون كحلفاء تقديم أي تأييد لهم. تمارس روسيا، بدورها، سياسة متسقة لدعم شريكها في دمشق، إن كان على الصعيد الدبلوماسي، أو في إطار عملية التفاوض من خلال خلق منصة أستانا التي كان من أحد قراراتها الرئيسية، هو إنشاء مناطق خفض التصعيد مما يمكن من وقف المواجهات. ويمكن الآن أن نلاحظ نتائجها في محافظة دير الزور، بفضل الدعم العسكري باستخدام القوات الفضائية الجوية والمستشارين والذي طان بلحظة طفرة في الحملة العسكرية السورية.
وهكذا، تحاول الرياض تنويع سياستها الخارجية من خلال الاقتراب من موسكو بغية إبعادها عن الخصم الإقليمي الرئيسي طهران على قدر الإمكان وعدم الاعتماد كلياً على واشنطن. والكرملين، بدوره، مهتم بعلاقات متوازنة في الشرق الأوسط مع جميع اللاعبين الرئيسيين، وتطوير وزيادة التعاون الاقتصادي والعسكري، مما يجعل من الممكن اجتذاب هذه البلدان واكتساب المزيد من الفرص للتأثير على التطورات الرئيسية في المنطقة.