أوليغ كوزنيتسوف، العالم السياسي والمؤرخ الروسي، حصراً لـ Eurasia Diary
بتاريخ 27 يونيو تمضي الأيام ال50 الأولي من تولي نيكول باشينيان على منصب رئيس وزراء أرمينيا أي الرئيس لهذه الدولة.
أدخلت الصحافة الغربية إلى عالمنا تقليداً مفاده أنه في مثل هذا اليوم يجرى استخلاص النتائج الأولى لإبقاء الشخص في السلطة. بالنسلة للبلدان واسعة النطاق، مثل روسيا والولايات المتحدة والصين والهند والبرازيل وألمانيا وبعدة ملايين أو حتى مليارات من السكان ومساحات شاسعة من الأراضي كالمعتاد تتم اعتماد مرور 100 يوماً كأول موقف لتقييم النتائج الأولية لأنشطة قادة الدول. ومع ذلك، أرمينيا- دولة صغيرة يبلغ عدد سكانها أكثر من مليوني شخص، وذلك يمكن اعتبار الفترة ب50 يوماً لأرمينيا حسب مقاييسها كافية لفهم ما هو الجديد يقع هناك.
جعل تغيير السلطة في هذا البلد والذي يمكن اعتباره ثورة أو انقلاباً على الدولة، مركزاً لاهتمامات الصحافة الدولية.
في هذه الحالة، لا سيما تجدر الإشارة إلى موقف الصحافة الروسية التي كانت حتى الآونة الأخيرة في كل فرصة وحالة حرجة تسعى لإبلاغ قرائها حول وجود أرمينيا "الحليفة" والشعب الأرمني"الشقيق". يلاحظ اليوم في روسيا التجاهل التام لهذا البلد للأحداث الجارية فيه بدلاً من الاهتمام مفتعلة ومصطنعة.
إن نكون صادقين، علينا الاعتراف بأن أبناء وطني عديمو الاكتراث بأرمينيا، على هذا النحو، وبسلطتها. من ناحية أخرى، أن التعبير الواضح والصريح عن طلب من "السلطات الرأسية" الروسية حول عدم القيام بالتغطية الإعلامية للوضع في أرمينيا وحولها (أوحظرها)، يمكن أن يكون تلميحاً متتالياً من الكرملين على يريفان الرسمية لوقف السياسة الداخلية والخارجية الجنونية المنتهجة في الوقت الحاضر.
قبل ثلاثة أشهر، كانت هذه الصحافة تبرق وترعد على أذربيجان، كانت وزارة الخارجية الروسية تصدر البيانات واسعة البث، ولكن الآن يسيطر الصمت الذي كان مستحيلاً تماماً قبل وصوله باشينيان إلى السلطة .
وهذا لم يكن مؤشراً وحيداً لاستياء موسكو من يريفان في أرمينيا في الآونة الأخيرة. في شهر مايو الماضي حذرت الدائرة الاتحادية للرقابة على كيفية المواد الاستهلاكية والخدمات أرمينيا عن إمكانية حظر استيراد الطماطم (البندورة) والخيار من البلاد بسبب عدم اتساقها مع معايير الصحة والسلامة، ويبدو أنه لم تنتبه يريفان بهذا التحذير.
بعد ذلك، عُقد الاجتماعان بين الرئيس الروسي بوتين ورئيس الوزراء الأرمني باشينيان، لم تتبلور العلاقات الروسية الأرمنية بعدهما، بل ازدادت برودة. بعد ذلك، أبلغت موسكو يريفان بالزيادة في قيمة الغاز الطبيعي المصدر إلى هذا البلد.
من الواضح تماماً أنه على الكرملين أن يفعل شيئاً ما لتشجيع الحكومة الأرمنية الجديدة على اتخاذ إجراءات ملموسة في هذا المجال. فلاديمير بوتين هو زعيم على مستوى عالمي ويتمتع بخبرة إدارة الدولة خلال العديد من السنوات ، واضطر إلى أني تعامل بوقاحة صريحة واستفزازات واضحة، إلى جانب نفاق مكشوف خلال سنوات طويلة لحياته المهنية، وتوقف النظر الى مثل هذه "التفاهات" باعتبارها سمات ذاتية لشخصية زملائه من بين رؤساء الدول. ولم يعد الأمر إلى " ولاء باشينيان للغرب" أو "طابعه المميز"، وتمكن بوتين من توفير أرضية مع العديد من السياسيين "ملتويين"، على سبيل المثال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي عشرته مع بوتين لا تمنعه من شن الغارات على سوريا، بل يعود الأمر إلى السياسة التي يريدها باشينيان، ولكن غير قادر على انتهاجها.
لم يكن باشينيان سياسياً ورجلاً للدولة، انه شعوبي، ووصل إلى السلطة على موجة من السخط الاجتماعي والاحتجاجات، وقادر على الدمار فقط، وليس الخلق. هناك نموذج آخر لهذا النوع من السياسة في التاريخ الحديث لجنوب القوقاز وهو الرئيس السابق لجورجيا، ميخائيل ساكاشفيلي الذي دمر نظام الدولة القديم في البلاد بصرف النظر عن أنه كان شراً أو خيراً، أنه لم يخلق شيئاً جديداً في المقابل، وفضح نفسه بفراره من بلده. خذوا على سبيل المثال، أول مبادرة تشريعية له في البرلمان الأرمني لإيجاد "طريقة قانونية" لإلغاء الغرامات الإدارية لانتهاك قواعد المرور، دون إلغاء هذه القواعد نفسها.
معظم الوزراء الأرمني الحالي في الماضي القريب كانوا من الأشخاص العاملين في منظمات دوالية غير تجارية أمريكية أو مؤيدة للولايات المتحدة مثل Transperency International ، أي من الجهات التي ركزت من البداية على انتقادات وتدمير جهاز الدولة. أصبح الزعيم السابق للانفصاليين الأرمن روبرت كوتشاريان وسيرج سركسيان رؤساء أرمينيا، وكان بالفعل لهما تجربة الحكم العملية في الأراضي الأذربيجانية المحتلة، كان لديهما الفهم بمحتويات الميزانية والماليات وغيرها من "العمليات التقنية من الحياة الدولة، في حين بالنسبة لباشينيان وفريقه، وهذا المجال هو"terra ibcogmiyo " أي الأرض المجهولة ".
مع وصول باشينيان إلى السلطة في البلاد وقعت أرمينيا في تلك الحالة التي كانت روسيا وأذربيجان في عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، عندما كان عليهما أن تجد الدولة الوطنية الخاصة بهما، بعد أن فقدت خلال السنوات السلطة السوفياتية مهارة الإدارة السياسية. وأبقت أرمينيا في عام 1991 في بداية نزاع قره باغ الجبلية استمرارية السلطة التي حددت مسبقاً في النهاية انتصارها العسكري في حرب قره باغ 1988-1994. وعلى الرغم من أنه بلد فقير مع سكانه الفقراء الذين اعتادوا على العيش في ظل اقتصاد الكفاف، تؤدي كل هذه الكوارث التي تحيط بها حتمياً إلى تغيرات تكوينية يمكن ألا تكون غير مؤلمة.
في هذه الظروف، السؤال الوحيد الذي يثير الاهتمام الحقيقي هو أنه: هل نيكول باشينيان يمضي طريقه الكامل كرئيس للوزراء الى النهاية وينجز التحولات التي أعلنها اليوم أو مثل ساكاشفيلي، سيترك كل شيء في مرحلة الكسر والخراب ويهرب من البلد؟ في الوقت الراهن، إذا نظر المرء إلى تطور الوضع في أرمينيا بشكل محايد، فإنه سيرى السيناريو "الجورجي الأوكراني" لتطور الأحداث. بطبيعة الحال، تتوافق هذه السياسة مع المصالح الاستراتيجية للمنافس الجيوسياسي الرئيسي لروسيا وهو الولايات المتحدة الأمريكية. لا أحد لديه أي شك في أن نيكول باشينيان هو دمية في يد وزارة الخارجية الأميركية، فإن الهدف الرئيسي لفعالياته يتماشى مع هذه الاستراتيجية هو الإضرار أو حتى التمزيق الكامل للعلاقات السياسية والاقتصادية الروسية الأرمنية، بحيث تصبح منطقة جنوب القوقاز كلها منطقة جغرافية خالية من النفوذ الروسي.
ويبدو أن النظر في آفاق تسوية نزاع قره باغ الجبلية سيمر من خلال منظور المصالح الجيوستراتيجية للولايات المتحدة في عهد باشينيان في أرمينيا. الولايات المتحدة مهتمة في استمرارية هذا الصراع، لأنه في حالة وجود أرمينيا الموالية لها أنها ستتمكن من استخدامها كورقة الضغط على منافستها الرئيسية في المنطقة وهي روسيا، حليفها المتمرد الرئيسي وهو تركيا وعدوه اللدود وهو إيران. حتى قبل أسبوعين بادر باشينيان ليعيد "الطرف الثالث" دولة آرتساغ المصطنعة إلى طاولة المفاوضات حول قاره باغ الجبلية، وبالتالي يحطم جميع الاتفاقات التي تم التوصل إليها في وقت سابق. هناك الرأي المؤكد عليه، أن باشينيان يحاول لنقل المسؤولية في هذه المسألة إلى وسطاء مجموعة مينسك، وبالتالي يؤدي عملية المفاوضات إلى المأزق في الواقع، دون منح أي فرصة للحل السلمي لهذه التهديدات للأمن الدولي.