بقلم الدكتور مختار فاتح بي ديلي.
إن سياسة تركيا في دول القفاس هي الحفاظ على استقلال وسيادة دول جنوب القفقاس، وترسيخ الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، ودعم التعاون الإقليمي وتكامل دول المنطقة مع المؤسسات الأوروأطلسية، يشكل العناصر الرئيسية للسياسة التركية حيال جنوب القفقاس. وتعتبر منطقة جنوب القفقاس التي توجد بينها وبين تركيا روابط تاريخية وثقافية، بمثابة جسر يربط تركيا بآسيا الوسطى.
كانت تركيا من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال أذربيجان عقب تفكك الاتحاد السوفياتي. وأقامت تركيا فيما بعد علاقات متطورة مع أذربيجان الدولة الشقيقة.
في 27 أيلول/سبتمبر الماضي، أطلق الجيش الأذربيجاني وبمساعدة الشقيقة تركيا سياسيا وعسكريا عملية عسكرية لتحرير أراضيه المحتلة في إقليم “قره ياغ الاذربيجانية المحتلة من قبل ارمينيا منذ قرابة 28 سنة تقريبا”، وذلك ردا على الاعتداءات المتكرره التي قامت بها القوات الأرمينية على المدنيين داخل الاراضي الأذربيجانية , وتمكن إثرها، من استعادة السيطرة على 5 مدن، آخرها شوشة، و3 بلدات وأكثر من 200 قرية، فضلا عن تلال استراتيجية.
وبعد 44 يوما من المعارك الضارية، أعلنت روسيا في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، التوصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ينص على استعادة باكو السيطرة على محافظات التي كانت محتلة من قبل ارمينيا وفتح ممر زنغازور الاستراتيجي يربط بين أذربيجان و منطقة ناختشيفان الاذربيجانية ذات الحكم الذاتي.
الدعم التركي غير المحدود لأذربيجان في صراعها أمام أرمينيا، وخاصة في نزاعهما على إقليم ناغورني قره باغ، جعل تركيا أحد اللاعبين الأساسيين في القوقازحيث تلعب دورًا رئيسيًا في التكوين الجيوسياسي الجديد لجنوب القوقاز وصولاً إلى وسط آسيا.
وترتبط أذربيجان قومياً بتركيا من ناحية العرق التركي، لدرجة أنّ المقولة الدارجة بين البلدين أنهما شعب واحد ولكن في دولتين. وتأكيداً للموقف التركي الداعم للشقية أذربيجان ، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة الى أذربيجان لمدة يومين، حيث زار الرئيسين التركي والاذربيجاني بزيارة لمدينة شوشة المحررة التي كانت محتلة قرابة 28 عام من قبل ارمينيا , هذه أول زيارة لزعيم الجمهورية التركية يزور إقليم "قره باغ المحررة", وتكتسب أهمية تاريخية واستراتيجية، وتظهر قوة الوجود التركي في القوقاز.
تاتي اهمية الزيارة من حيث إظهار أن جمهورية أذربيجان الشقيقة لا تقف وحيدة في منطقة القوقاز , وان زيارة أردوغان لمدينة شوشة المحررة تعبر عن الدعم القوي والحازم من تركيا لوحدة أراضي الأذربيجانية ، ومن ناحية اخرى إظهار العمق الاستراتيجي للوجود التركي في منطقة جنوب القوقاز، إضافة إلى وحدة صف البلدين في التعامل مع الأصدقاء والأعداء على حدا سواء .
لقد عاشت أذربيجان خلال الحرب قره باغ الثانية طوال فترة 44 يوم من الحرب المشاعر ذاتها التي عاشتها قبل نحو مئة عام تقريبا . حيث أدرك الشعب الاذربيجاني أنهم ليس وحيدين في ساحات المعارك ان لهم اخوة اتراك يقفون معهم في الاحزان والافراح , لذلك ينظر الشعب الأذربيجاني إلى زيارة الرئيس أردوغان إلى مدينة شوشة على أنها تجسيد لروح 15 سبتمبر 1918.
خلال الزيارة وقع الرئيس التركي أردوغان مع نظيره الأذربيجاني إلهام علييف على “إعلان شوشة” المكون من 9 بنود، وذلك لتحديد خارطة للعلاقات بين البلدين، وافتتاح قنصلية تركية في مدينة شوشا المحرره من الاحتلال الأرميني . وتضمن الإعلان عن خارطة طريق في عدة مجالات منها تقنيات الصناعات الدفاعية، والطاقة، والنقل، والاقتصاد، والعلاقات الإنسانية.
وجاء توقيع إعلان شوشة في الذكرى المئوية لاتفاقية قارص التي وقعت عام 1921 وتعد من الاتفاقات الأساسية للعلاقات الاخوية بين تركيا وأذربيجان.
الأهمية الرمزية لمدينة شوشة المحررة
إعلان وثيقة شوشة والتي وقعت في مدينة شوشة تحمل أهمية استراتيجية والتي جرى احتلتها من قبل القوات الأرمينية في 8 مايو/ أيار 1992 وتم تحريرها من قبل الجيش الأذربيجاني في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، على أهمية رمزية كبيرة في تاريخ وثقافة أذربيجان وكذلك لتركيا والعالم التركي في أسيا الوسطى أجمع ،لكونها كانت عاصمة لخانية "قره باغ" التركية في الفترة من 1747 إلى 1805.
ولفهم وشرح أهمية إعلان شوشة بالنسبة لكلا البلدين حيث يمكن النظر إلى لفظ كلمة "التحالف" في اسم الإعلان. فالتحالف في العلاقات الدولية هو اتفاقية دفاعية رسمية توقع بين دولتين أو أكثر , أي في حال تعرضت إحدى الدول الموقعة لاعتداء من دولة أو من تحالف آخر تصبح الدولة أو الدول الموقعة ملزمة بتوحيد قواتها للدفاع عن الطرف الذي تعرض للاعتداء.
واقع الجيوسياسي ةالجيوستراتيجية، والجيوثقافية الجديد في منطقة القوقاز
في الفترة الاخيرة نجحت أذربيجان وتركيا في التكوين وتشكيل واقع جيوسياسي جديد عقب حرب قره باغ الثانية في المنطقة . وتسعى الدولتان لدعم هذا الواقع الجيوسياسي بمقترحات جديدة للتعاون بين بلدان المنطقة وأن المبادرات التركية وبالتعاون مع الاشقاء الاذربيجانيين تخلق عامل توازن مهم في منطقة جنوب القوقاز وآسيا الوسطى .
وقد أدت مشاريع الطاقة والنقل إلى تغير الموازين الجيوسياسية لصالحهما. وترى باكو وأنقرة أن التعاون الإقليمي يصب في مصلحة الاستقرار في المنطقة ويخدم التنمية الاقتصادية في المنطقة . حيث إنّ بيان شوشة مهم من الناحية الجيوستراتيجية، والجيوثقافية"، حيث أنّ انشاء المطار الدولي الذي تعتزم أذربيجان بناءه في مدينة فضولي، إضافة إلى الطريق الذي يصل بين فوضولي وشوشة، يكسب ممر زنغازور أهمية كبيرة في ربط الأراضي الأذربيجانية بتركيا عبر إقليم ناختشيفان.
خلال كلمته أمام البرلمان الأذربيجان قال أردوغان : علينا جميعاً الاستفادة القصوى من الفرص المتاحة أمامنا كي لا يتمكن أحد بعد الآن من وضع سلاسل في عنق منطقة القوقاز, نحن نقف اليوم إلى جانب الشقيقة أذربيجان بكل إمكاناتنا، وليعلم العالم اجمع بأننا سنواصل دعمنا لاذربيجان في المستقبل ايضا .
في النهاية زيارة الزعيم التركي أردوغان الى مدينة شوشة تحمل رسائل عدة، أولها أن تركيا وأذربيجان ماضيتان في تقوية العلاقات وتعزيزها الأمر الذي سيعيد ترتيب حسابات العديد من دول المنطقة وعلى رأسها أرمينيا واليونان وروسيا وإيران. أراد الرئيس التركي أردوغان من الزيارة اثبات للعالم بأن تركيا الضعيفة بالأمس، مختلفة تماما عمّا هي عليه تركية القوية اليوم، خاصة أنه وصل إلى شوشة بعد أن التقى بالعديد من زعماء حلف شمال الأطلسي ، وكان من أبرزهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، والفرنسي إيمانويل ماكرون.
طبعا هناك الكثير من المقاربات القريبة والبعية للزيارة المهمة ولكن مهما كانت المقاربات تتعلق بالبعد الأمني بين البلدين، إلا أنّ الأهداف المرتبطة بالمدى البعيد، تظهر أنّ المنطقة تشكل نموذجاً للعالم التركي بترابط الدولتين، وبالطبع سيكون هناك دور تركي في منطقة القوقاز يجعلها لاعباً مهماً مع ما تملكه من إمكانات، وخاصة مع التطور العسكري الكبير في صناعاته الدفاعية وتقدمها قياساً على دول المنطقة والعالم.