تمر منطقة آسيا الوسطي والقوقاز ومعهما منطقة الشرق بفترة حرجة في تاريخها الحديث نظراً للأحداث والتطورات المتسارعة التي تشهدها هذه المناطق، حيث الحروب والصراعات التي تستنزف جل موارد وطاقات دول وشعوب هذه المناطق الثلاث الهامة ليس فقط علي المستوي الإقليمي، ولكن علي المستوي الدولي أيضاً، فهذه المناطق هي مهبط الرسالات السماوية، وموطن الأنبياء والرسل، وهي أيضاً موطن العلماء الذين أبدعوا باسهاماتهم في صنع الحضارة الإنسانية التي مازالت تبهر العالم حتي اليوم بما قدمته من علوم ومعارف، وبما تركته وراءها من تاريخ وتراث.
تعد منظمة التعاون الاقتصادي Economic Cooperation Organization، والمعروفة اختصاراً ECO، من المنظمات الاقتصادية الهامة لما تتميز به بعدد من العوامل التي تجعلها منظمة رائدة في مجال التنمية الاقتصادية، فالمنظمة تضم عشر دول تمتد علي مساحة تبلغ 8٬620٬697 كيلو متر مربع؛ ويبلغ مجموع عدد سكان الدول الأعضاء نحو نصف مليار نسمة، الأمر الذي يجعل منها سوقاً هاماً للسلع والخدمات المتبادلة بين الدول الأعضاء. هذا إلي جانب الموقع الجغرافي المتميز للدول الأعضاء في المنظمة حيث تشغل منطقة آسيا الوسطي وأوراسيا والخليج والقوقاز، ولذلك فهي تشكل جسراً بين آسيا وأوروبا ومنطقة الشرق الأوسط.
تأسست منظمة التعاون الإقتصادي عام 1985، باتفاق ثلاث دول هي تركيا وإيران وباكستان، ثم توالي بعد ذلك انضمام كل من "أذربيجان، أفغانستان، أوزبكستان، تركمانستان، طاجيكستان، قيرغيزستان، كازاخستان"، وتتخذ الأمانة العامة للمنظمة من طهران مقراً لها بالإضافة إلي المكتب الثقافي، بينما يقع المكتب الاقتصادي في تركيا، أما المكتب العلمي فيتخذ من باكستان مقراً له.
تمتلك الدول الأعضاء في المنظمة الكثير من العوامل التي تستطيع من خلالها أن تكون منظمة أكثر نجاحاً ونشاطاً وحيوية خاصة في القطاعين الاقتصادي والتجاري، بالإضافة إلي قطاع السياحة، فالدول الأعضاء تتميز بامتلاكها للعديد من المنتجات والخدمات والتقنيات المختلفة، ومن ثم فإن ذلك من شأنه زيادة حجم التجارة البينية بين الدول الأعضاء بشكل كبير، حيث تمتلك كل من تركيا وإيران تقنيات عالية في العديد من المنتجات الصناعية، وتتميز بقدرتها علي انتاج سلع وخدمات لها قدرة تنافسية عالمية، وباكستان التي تمتلك القدرة النووية ولها خبرات كبيرة في الاستخدامات النووية السلمية إلي جانب إيران، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في حل مشكلات الطاقة في الدول الأخري وخاصة أفغانستان.
تمتلك دول آسيا الوسطي إلي جانب أذربيجان بشكل عام العديد من الموارد الطبيعية، في مقدمتها موارد الطاقة من النفط والغاز الطبيعي، والطاقة الكهرومائية، حيث تعد أذربيجان من أهم الدول المنتجة للنفط والغاز، كما تعد طاجيكستان دولة رائدة في انتاج الطاقة الكهرومائية خاصة من سد نورك الذي يعد أعلي سد في العالم، هذا إلي جانب العديد من الموارد المعدنية الهامة للكثير من المنتجات الصناعية، خاصة في كل من كازاخستان وأوزبكستان. وهذا ما يجعل التكامل بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي له أهمية كبيرة في قطاع الصناعة.
تشكل دول منظمة التعاون الإقتصادي العشر مجتمعة سلة غذاء متكاملة، حيث تنتج العديد من المنتجات الغذائية الهامة في مقدمتها القمح والخضروات والفواكه خاصة في إيران وأوزبكستان وكازاخستان وتركيا وأذربيجان، إلي جانب المحاصيل الاقتصادية كالقطن الذي تتميز بانتاجه كل من أوزبكستان وطاجيكستان وباكستان وإيران، وهذا ما يزيد من قدرة دول المنظمة علي إنشاء سوق هامة سواء في قطاعات الطاقة أو المنتجات الزراعية والغذائية.
تعد منظمة التعاون الإقتصادي جزء من منظمة التعاون الإسلامي، علي اعتبار أن الدول العشر الأعضاء بالمنظمة هم أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، ومن ثم يمكن تنمية علاقات التعاون بين المنظمتين، كما يمكن تنمية العلاقات بين منظمة التعاون الإقتصادي والمنظمات الإقليمية الأخري التي ينتمي إليها بعض دول المنظمة مثل منظمة شنغهاي للتعاون، ومؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا.
تشكل عملية استقرار الوضع في أفغانستان أهمية قصوي لدول منظمة التعاون الاقتصادي، وخاصة دول الجوار "أوزبكستان، باكستان، طاجيكستان، تركمانستان، إيران"، إلي جانب الصين، وهذا ما جعل دول المنظمة تهتم كثيراً بما يجري في أفغانستان، خاصة بعد سيطرة حركة طالبان علي السلطة عقب انسحاب القوات الأجنبية من البلاد.
تم تعيين أمين عام جديد لمنظمة التعاون الإقتصادي من طاجيكستان، هو السيد خسرو ناظري، وهو دبلوماسي عمل سفيراً لبلاده في القاهرة، وله خبرات كبيرة، ويتمتع بثقافة واسعة في تاريخ المنطقة وآدابها وفنونها، وله القدرة علي إدارة المنظمة خلال تلك المرحلة الهامة، حيث يأتي تعيينه كأمين عام لمنظمة التعاون الإقتصادي في الوقت الذي تشهد فيه أفغانستان والمنطقة أحداث سياسية متسارعة، كما يأتي تعيينه بعد عام تقريبا علي حرب قره باغ الثانية 2020، وما طرأ علي المنطقة من أوضاع، ويمكن للأمين العام الجديد للمنظمة، أن يعمل علي زيادة ديناميكية عمل المنظمة، وتنشيط العلاقات بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات، خاصة وأن دول المنظمة تمتلك الكثير من الموارد والإمكانات، وتستطيع العمل معا في انجاز مشروعات عملاقة كعملية إعادة الإعمار في قره باغ، ولعب دور سياسي في أفغانستان، وذلك من أجل تحقيق الاستقرار والازدهار في تلك المنطقة الهامة من العالم.