يتضح لنا أن زيارة بولتون، مستشار ترامب للامن القومى، للشرق الأوسط هى زيارة تصحيحية تمت تحت ضغوط اللوبي الصهيونى وصهر ترامب كوشنر، تكفيرا عن خطيئة هلسنكي، أى قمة بوتين وترامب فى هلسنكي الشهر الماضى، والتى رأت المؤسسات الأمريكية والإعلام الأمريكي، أنها كانت أسوأ هزيمة أمام روسيا العدو اللدود فى التاريخ.
بولتون أولى إهتماما بزيارة الكيان الصهيونى، وبالمؤتمر الصحفي مع المجرم نتنياهو قاتل الأطفال، والتصريحات بعيدة المنال التى ترضى فقط الصهاينة داخل اسرائيل، وكذلك اللوبي الصهيونى والإعلام داخل أمريكا، بتصوير أن كلاً من إيران وحزب الله هما سبب المشاكل فى المنطقة، وان إيران يتوجب عليها الخروج من سوريا.
ونسى بولتون أن كل من نظامه فى الولايات المتحدة، والكيان الصهيونى، وبريطانيا، وفرنسا، ودولا خليجية على رأسهم السعودية، هم أول من دعم وتدخل فى زعزعة إستقرار كل دول المنطقة وبالأخص "سوريا وليبيا واليمن"، كشفت الوثائق من مراكز بحثية بريطانية وأمريكية نفسها، ووسائل إعلامية امريكية وبريطانية تورطهم بشكل مباشر وحكومى فى دعم "داعش، والنصرة، والخوذ البيضاء".
وكذلك إرسال السلاح لهذه المجموعات على مدار سبع سنوات بما فيها السلاح الكيماوي - لا لشىء إلا لزعزعة استقرار سوريا - حتى تظل أمريكا وبريطانيا واسرائيل تسع فسادا فى المنطقة.
ولكن بولتون عندما اصطدم اليوم الخميس فى جنيف سويسرا بداهية الدبلوماسية الروسية لافروف وزير الخارجية الروسي - أعاد لافروف له صوابه مرة أخرى، وذكره بأمور عدة ينساها أو يتناساها المفاوض الأمريكي بجهله الدبلوماسي المعتاد، وإعتقاده ان لا زال يحيى فى زهو إنتصارات أمريكية زائفة منذ سنوات آخرها تخريب العراق فى ٢٠٠٣ وقتل مليون ونصف عراقي، وهى كالتالى:
1. أن الوجود الروسي والإيراني جاء بموافقة وبالترتيب مع النظام السورى القائم، بكامل الإحترام لمواد القانون الدولى، عكس الوجود الأمريكي فى قاعدة التنف، الذى يعتبر وجود قوى معادية داخل سوريا، وبتدخل سافر لأمريكا ولحلفائها دون موافقة دولة مستقلة وذات سيادة عضوا بالأمم المتحدة (سوريا).
2. أن خروج القوات الإيرانية مستحيل عمليا بحكم القانون الدولى - وأنه إذا أراد خروج القوات الإيرانية لإرضاء الكيان الصهيونى، وهذه هى جوهر القضية، فعلى الأمريكان أن يسحبوا قواتهم من سوريا.
3. وأيضا على إسرائيل أن تنسحب من الأراضى السورية المحتلة ألا وهى "الجولان" - الأمر الذى لا تتحدث عنه لا الجامعة العربية ولا غالبية الأنظمة العربية.
4. لم ولن توقع روسيا أى مستند ينص على أنها لن تتدخل فى إنتخابات الكونجرس المقبلة فى نوفمبر، لأن هذا فى حد ذاته قانونا، يعد إقرار وإعتراف نصي، أنه بالفعل روسيا كانت قد تدخلت فى إنتخابات الرئاسة الأمريكية ٢٠١٦ لصالح ترامب - وهذا ما استحال اثباته إلى الآن ولا يوجد أى دليل عليه.
5. وأن سياسية العقوبات الأمريكية الإقتصادية لم تعد تجدى حاليا - كون ان هذه التصرفات الحمائية اضرت بأمريكا وعزلتها دوليا - وجعلت هناك تحالف دولى غير معلن ما بين المعرضين لهذه العقوبات، والذين فعليا حولوا تعاملاتهم من الدولار الى عملاتهم المحلية.
بل وامتنعوا عن واردات أمريكا الإلكترونية، التى تعتبر العصب الأساسي للاقتصاد الأمريكي، مثل منتجات آبل، وسيحلوها بمنتجات صينية فى نفس الجودة - كذلك الصين حاليا تعمل جاهدة لتحقيق هدفها الرئيسي "صنع فى الصين ٢٠٢٥" والذى سيجعلها الأولى عالميا فى تصدير التكنولوجيا والصناعات عالية التقنية.
وهذا ما أقر به مؤخراً مدير منتدى آرمي الروسي التقنى للسلاح، والذى عقدت من خلاله صفقات عسكرية مع روسيا بعملات محلية كالروبل واليوان - وهذا بدوره ينعكس سلبا على الطلب على الدولار وإضعاف قيمته - فلن يعد لا لفوركس ولا سويفت القدرة على التلاعب ببورصات العملات كما كان سابقا.
وقرره أيضا القيصر بوتين فى لقاءه مع رئيس فنلندا فى المؤتمر الصحفى أمس الأربعاء معه فى سوتشي "أن العقوبات أضرت أمريكا أكثر مما نفعتها ولم تعد مجدية - وزادت قوة الإقتصاد الروسي".
ناهينا عما تقوم به كل من الصين وتركيا وايران وهى دول وأسواق كبرى بالنسبة لأمريكا، خسرتها برعونتها المعتادة - ولم يقدر الإقتصاد الأمريكي المتهاوى على تحمل فكرة المعاملة بالمثل - الذى سيكون أثره سلبيا فى رفع معدلات البطالة والكساد - وتهاوى البورصات - غير خسائر انتخابية.
ولأن الإدارة الأمريكية أصبحت أكثر تطرفا - فنجد أن الفضائح تطالها - فلدينا فضائح مدير حملة ترامب الإنتخابية الأخيرة وسبعة إتهامات بالفساد تطاله وتطال ترامب شخصيا - يحاول ترامب التنصل منها على شاشة فوكس نيوز – ويدعي أن فى حالة عزله ستتهاوى أسواق المال.
أما النقطة الأخيرة - فهى كتاب يحمل اسم "المعتوه" نشر مؤخرا لمستشارة سابقة لترامب - السيدة/ اماروسا نيومان سمراء البشرة - فضحت فيه هذه السيدة ليس فقط ترامب بل الجو العام المحيط به، ونشرت مكالمة مسربة مع أحد أعوانه - بأن لا تقوم بنشر هذا الكتاب وسيضمنوا لها وظيفة شهرية بقيمة ١٥ الف دولار - وسيارة ومنزل. بيد أن الكتاب تناول عته ترامب وعنصريته وشذوذ سلوكه، وأن الجو المحيط به نفسه مليء بهذه القاذورات، وهذا يوضح لنا الجو السياسي النجس فى أمريكا، وأنها ليست أرض الأحلام كما يرى بعض المغربنين لدينا، وعليه فكان عنوانى عاليه "معتوه يصحح لمعتوه"
لا أقول أن بلدى مصر أفضل حالا واننا ليس لدينا مشاكل داخلية، ولكن علينا ايضا بالتعلم والنقاش المحترم الموضوعى الذى يتفهم طبيعة حساسية المرحلة، وأخذ التجارب الناجحة ليس من مكان واحد وبما يناسبنا من امكانيات وثقافة.
أحمد مصطفى: باحث اقتصاد سياسى
رئيس مركز اسيا للدراسات والترجمة
باحث وعضو بكل من كودسريا ومجموعة رؤية استراتيجية روسيا والعالم الإسلامى