تزامنت الإنتخابات البرلمانية الإيرانية الحادية عشر مع الذكري الحادية والأربعون للثورة الإسلامية في إيران، وإذا وصفت الظروف في إيران منذ الثورة الإسلامية بأنها ظروف خاصة، حيث الحروب والعقوبات الإقتصادية، إلا أن تلك الإنتخابات قد جاءت في ظروف استثنائية، خاصة أنها جاءت بعد اغتيال الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس في التابع للحرس الثوري الإيراني، إلي جانب العقوبات الإقتصادية القاسية التي تعيشها الجمهورية الإسلامية وسط حالة المد التي لم يتخللها أي جزر بين الولايات المتحدة وإيران منذ مجئ الرئيس دونالد ترامب للبيت الأبيض واتخاذه قرار بإنسحاب بلاده من الملف النووي الموقع مع إيران عام 2015 في عهد سلفه باراك أوباما، في حين لم تستطع باقي دول مجلس الأمن الأخري وألمانيا الوصوصل لصيغة توافقية تبقي علي ذلك الإتفاق دون انهيار والوفاء بالحد الأدني للحقوق الإيرانية المنصوص عليها في ذلك الإتفاق.
شهدت إيران ثلاث انتخابات برلمانية في عهد الإمام الخميني، فيما تنظيم سبع انتخابات أخري في عهد المرشد الحالي علي خامنئي، وقد تغير اسم البرلمان في أول انتخابات بعد الثورة، حيث كان يسمي عدل مظفر "دار الظفر" أو مجلس سنا، وعرف بالإسم الحالي "مجلس الشوري الإسلامي"، والذي يتكون من 290 مقعداً، يتم توزيعها على 31 منطقة انتخابية، منها خمس مقاعد للأقليات الدينية المختلفة الموجودة في إيران، مثل "الزرادشتية، اليهودية، المسيحية، الآشورية، الكلدانية، والأرمينية"، وتستحوذ العاصمة طهران البالغ عدد سكانها نحو 13 مليون نسمة علي أكبر كتلة تمثيل بالمجلس، حيث يمثلها 35 نائباً، أذربیجان الشرقية 19 نائباً، أذربیجان الغربية 12 نائباً، أردبیل 7 نواب، أصفهان 19 نائباً، البرز 3 نواب، إیلام 3 نواب، بوشهر نائبان، شهارمحال وبختیاري 4 نواب، خراسان الجنوبیة 4 نواب، خراسان رضوي 18 نائباً، خراسان الشمالیة 4 نواب، خوزستان 18 نائباً، زنجان 5 نواب، سمنان 4 نواب، سیستان وبلوشستان 8 نواب، فارس 18 نائباً، قزوین 4 نواب، قم 3 نواب، کردستان 6 نواب، کرمان 10 نواب، کرمانشاه 8 نواب، کهغیلویه وبویراحمد 3 نواب، جلستان 7 نواب، جیلان 13 نائباً، لرستان 9 نواب، مازنداران 12 نائباً، مرکزي 7 نواب، هرمزجان 5 نواب، همدان 9 نواب، ویزد 4 نواب.
وقد تميزت جميع الإنتخابات بعد الثورة الإسلامية بالمشاركة العالية من قبل الناخبين، حيث بلغت نسبة المشاركة في الإنتخابات الخامسة 71% من عدد الناخبين، بينما كانت أدني نسبة في الإنتخابات البرلمانية السابعة بنسبة بلغت 51% ، فيما بلغت 62% في الإنتخابات العاشرة قبل أربع سنوات، وهي نسب تعد عالية مقارنة بنسب المشاركة في الدول الديمقراطية العريقة، ولم تكن نسب مشاركة الناخبين هي التي تتميز بالإرتفاع، بل سبقها ارتفاع عدد المرشحين أيضاً، فقد تقدم للترشح في هذه الإنتخابات 14 ألف و444 مرشح محتمل، تم قبول ما يقارب نصف ذلك العدد 7148، بينما تم رفض 7296 متقدماً للترشح، وهذا ما يعكس حجم الإقبال علي الإنتخابات البرلمانية. يشرف علي إجراء إنتخابات مجلس الشوري الإيراني جهتين أو مؤسستين، المؤسسة الأولي: مجلس صيانة الدستور، ويمثل الجهة الفنية التي تقوم بتحديد أهلية المرشحين لخوص الإنتخابات، كما يقوم بمراقبة عمل المجلس. أما الجهة الثانية: لجنة إجراء الانتخابات "هيئت إجرايي"، وهي تمثل الجهة الإدارية التي تقوم بتطبيق شروط أهلية المرشحين، والإشراف علي عملية إجراء الإنتخابات.
وشروط الأهلية هي عبارة عن شروط عامة مثل التأكيد علي حنسية المرشح الإيرانية، والإلتزام بالدين الإسلامي باستثناء نواب الأقليات الدينية، وسلامة الجسم الدبنية والعقلية، والوفاء لدستور الجمهورية وولاية الفقيه، وأن لا يكون قد حكم عليه بأحكام قضائية تمس الشرف والأخلاق والأمانة. وهناك شروط خاصة للمرشح مثل الحصول علي مؤهل علمي لا يقل عن شهادة الماجستير، وأن لا يقل عمر المرشح عن 30 عاماً، وألا يزيد عن 75 عاماً، وألا يكون ممن تشملهم المادة 29 من قانون إنتخابات مجلس الشوري التي تمنع شاغلي بعض المناصب من الترشح من بينهم أعضاء السلطتين التنفيذية والقضائية مثل رئيس الجمهورية ومعاونوه، والوزراء، ورؤساء القوة القضائية ومعاونوهم. إذا ما اتفقنا علي وجود تيارين سياسيين في إيران، الأول تيار المحافظين المتشدد والذي ينتمي إلي المرشد الأعلي علي خامنئي ورجال الدين بشكل عام، ويرفضون التفاوض مع الغرب أو التقارب معه وفي مقدمتهم الولايات المتحدة "الشيطان الأكبر".
والتيار الآخر إصلاحي، وهو الذي ينتمي إليه الرئيس حسن روحاني، وهو الأقل تشدداً ويميل للتفاوض مع الغرب بمن فيهم الولايات المتحدة، فإن التيار الأول "المحافظين" هم من استطاعوا الحصول علي الأغلبية المريحة في تلك الإنتخابات، حيث حصل من ينتمي لذلك التيار علي 191 مقعداً، مقابل 16 مقعداً للإصلاحيين، بينما حصد المستقلون 43 مقعداً. علي اختلاف عدد المقاعد التي حصل عليها كل من التيارين المتنافسين، فإنه كان متوقعاً حصول المحافظين علي أغلبية مقاعد البرلمان في ظل الظروف التي سبقت إجراء الإنتخابات، حيث لم يستطع الرئيس روحاني الوفاء بما تعهد به، وخاصة بالنسبة للوضع الإقتصادي، فقد شكل انسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي بين إيران والدول الغربية ضربة مؤلمة للثقة التي راهن عليها الرئيس روحاني علي الغرب، فعلي الرغم من أن الدول الغربية الأخري الموقعة علي الإتفاق النووي مازالت تتمسك به، وتحث إيران علي الإلتزام به، إلا انه لم تفي بإلتزاماتها الإقتصادية مع إيران، وكان الخوف من الولايات المتحدة لديها أقوي من الإلتزام بتعهداتها مع إيران. جاء الحادث المؤلم الذي تم خلاله اغتيال الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني بمثابة الضربة القاضية لبعض الثقة التي كانت باقية بين إيران والولايات المتحدة، حيث كان الرئيس روحاني وأنصاره يرون أن المفاوضات مع الغرب مهما كانت صعوبتها ومرارتها، إلا أنها تعد أفضل من المواجهة معه، بينما يري أنصار التيار المحافظ أنه لا توجد ثقة مع الغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، لأن تجارب السنين الطويلة والمريرة لم تترك أي مجال لتلك الثقة.
رغم أن الوضع الداخلي في أي دولة يكون له التأثير الأكبر في الإنتخابات البرلمانية في معظم دول العالموإيران ليست استثناء في ذلك، إلا أنه في الحالة الإيرانية لا يمكن فصل نتائج إنتخابات مجلس الشوري الإسلامي الأخيرة عن علاقات إيران بالخارج وخاصة بالغرب التي كان لها تأثير مباشر علي الوضع في الداخلي، والذي انعكس علي حياة الشعب في الداخل، فالعقوبات الدولية غير العادلة أثقلت كاهل المواطن الإيراني، وأصبح لزاماً عليه اتخاذ مواقف مختلفة للتعامل مع الغرب.
أحمد عبده طرابيك