تستضيف مدينة أنطاليا التركية علي ساحل البحر المتوسط، الدورة الرابعة لمنتدي أنطاليا الدبلوماسي خلال الفترة ما بين 10 إلي 12 مارس 2023، الذي أصبح منصة عالمية يقصده كبار المسئولين والدبلوماسيين وصناع القرار في العالم من أجل إجراء حوارات السياسية والدبلوماسية حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية، وما يزيد من أهمية منتدي أنطاليا الدبلوماسي، هو مشاركة عدد كبير من المسئولين الرسميين ومسئولي مراكز الفكر والدراسات والأبحاث، والدبلوماسيين وخبراء السياسة والاقتصاد، فقد شارك في الدورة الثالثة للمنتدي التي عقدت في مارس 2022، العديد من الشخصيات وصانعي القرار من 75 دولة، من بينهم 17 رئيس دولة وحكومة، و80 وزيراً، و39 ممثلًا لمنظمات إقليمية ودولية، وهو ما يعد أكبر تجمع للسياسيين والمفكرين والاقتصاديين بعد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تتم المناقشات والحوارات في منتدى أنطاليا الدبلوماسي علي طريقتين تعملان علي توفير أجواء ومساحات رحبة وفرص كبيرة لإثراء النقاش حول محتلف القاضايا السياسية والاقتصادية، الطريقة الأولي للنقاش من خلال الندوات التي تشمل مناقشات حول مناطق العالم المختلفة، وبما تتضمنه كل منطقة من مشاكل خاصة بها، من أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، وآسيا والبلقان، وجنوب شرق آسيا، والقوقاز. حيث يتم تنظيم ندوات متخصصة حول القضايا التي تشغل الرأي العام الإقليمي والدولي، وذلك من خلال توفير فرص لمناقشة قضايا متعددة الأبعاد وبارزة على جدول الأعمال، تشمل الذكاء الاصطناعي، ومكافحة الإرهاب، وتغير المناخ، والتضليل الإعلامي.
تبرز أهمية الطريقة الثانية للمناقشات في منتدي أنطاليا الدبلوماسي، والتي تتم بين الرؤساء والوزراء والمسئولين وممثلي الدول والمنظمات والمؤسسات الدولية على شكل ثنائي خلال المنتدى، باعتبارها تشكل فرصة لتجمع كبير من المسئولين لتنظيم لقاءات ثنائية وثلاثية أو جماعية، للنقاش والحوار والتباحث حول القضايا الهامة والملحة علي الساحتين الإقليمية والدولية، أو حتي علي مستوي العلاقات الثنائية بين الدول، حيث يأمل القادة والمسئولين في الحصول على نتائج ملموسة من هذه المحادثات. وبرهنت علي تلك الأهمية مشاركة وزير الخارجية الأرمني أرارات ميرزويان في المنتدى في دورته الثالثة التي عقدت في مارس 2022، حيث شكل ذلك نقطة تحول هامة لوظيفة منتدى أنطاليا الدبلوماسي المتمثلة في ترسيح قواعد السلام والحفاظ عليه. كما شهد المنتدي لقاء وزيري الخارجية الروسي سبرجي لافروف والأوكراني ديمترو كوليبا، بعد أقل من شهر علي العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وهو ما يؤكد علي قوة وأهمية المنتدي في جمع مختلف الأطراف من أجل حل المشاكل والقضايا التي تعكر صفو السلام والاستقرار في العالم.
يجمع منتدى أنطاليا الدبلوماسي العديد من الدبلوماسيين والمسئوليين والأكاديميين وممثلي وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، والمنظمات الشبابية حيث يتم اكسابهم الخبرات علي مواجهة المشكلات العالم باعتبارهم يمثلون قادة المستقبل، وهم الأكثر قدرة علي التفكير في مستقبلهم ومستقبل أوطانهم، خاصة وأن المنتدي لا يتميز بالمواضيع والعناوين التي يطرحها، ولا بندواته التي يشارك فيها النحب السياسية وحسب، أصبح منصة للدول لعقد الاجتماعات مع نظائرهم الأتراك، ومع نظرائهم من مختلف دول العالم، لتناول المشكلات فيما بينهم ودراستها من أجل ايجاد الحلول لها، وكذلك لخلق فرص جديدة للتعاون المثمر.
تزداد أهمية منتدي أنطاليا الدبلوماسي خلال هذه الفترة التي يزداد في التوترات والاضطرابات في كثير من بقاع العالم، مقترنة بمشكلات جمة يواجه فيها العالم تحديات كبري تتعلق بأمن الطاقة والبيئة والإرهاب، ولذلك فإن قادة العالم أصبحوا في حاجة ماسة للحوار والنقاش مع بعضهم البعض من أجل إيجاد حلول لتلك المشكلات التي تنعكس آثارها وبشكل كبير علي كافة شعوب العالم. وهذه الآثار لم يعد من الممكن تجاهلها.
لا يقتصر نشاط منتدي أنطاليا الدبلوماسي علي مناقشة القضايا السياسية وحسب، بل تحظي الجوانب الاقتصادية والمال والأعمال والتجارة والسياحية بحيز كبير من مناقشات المنتدي، حيث تناقش مؤسسات الأعمال وخبراء الاقتصاد وريادة الأعمال، سبل تطوير الاقتصاد الأخضر ودوره في التنمية المستدامة والشاملة، حيث يتم تخصيص عدد من ندوات المنتدى لمناقشة مثل هذه الموضوعات، فعلي سبيل المثال خلال الدورة الماضية للمنتدي في مارس 2022، تم تخصيص ندون بعنوان "اقتصاد أخضر لنمو شامل ومستدام"، تحدث بها عدد من وزراء الاقتصاد ومديري مؤسسات ريادة الأعمال كان من بينهم وزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله بن طوق المري، الذي قال "علينا أن نتغير من حجمنا البني الحالي إلى اللون الأخضر. فمنطقة الشرق الأوسط منطقة منتجة للنفط، وإذا كان لدينا أهداف خالية من الكربون في هذه المنطقة بحلول عام 2050، يجب أن نبدأ هذه الدراسات على الفور". بينما قال مسئول اتحاد الغرف وتبادل السلع في تركيا TOBB، أيان زيتين أوغلو، أن الاتحاد الأوروبي بدأ عملية رقمية خضراء خلال الوباء. وأن تركيا تهدف أيضاً إلى تقليل انبعاثات الكربون مثل أوروبا. فقد بدأت أوروبا العملية في عام 2005 وتتبع تركيا نفس مسار الإتحاد الأوروبي. وقال لوك فريدن، رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة الأوروبية Eurochambers، أنه قد حان الوقت للحد من انبعاثات الكربون، وأنه لابد علي الحكومات تقديم الدعم والاستثمارات في موارد الطاقة المتجددة. فلا يمكن تحقيق التنمية المستدامة بدون نفقات كبيرة. وقال جوركان كاراكاس، الرئيس التنفيذي لأول علامة تجارية محلية للسيارات في تركيا، "توج"، أن تركيا تقدر أهمية التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة الخضراء وتطوير سيارات كهربائية متوافقة مع هذا التحول. وقد بدأت تركيا مبادرة جديدة مع مجموعة المشاريع المشتركة للسيارات TOGG في تركيا. وقال الأمين العام لحوار التعاون الآسيوي ACD، بورنشاي دانافيفاتنا، إن رؤية المجموعة للاقتصاد الأخضر تقع في سياق 35 دولة في حوار التعاون الآسيوي.
نظراً لكثافة وأهمية الموضوعات التي يتم تناولها في منتدي أنطاليا الدبلوماسي، سواء من خلال الندوات التي تشكل آلية للعصف الذهني، أو من خلال اللقاءات الثنائية بين القادة والمسئولين، تزداد كذلك أهمية المنتدي كآلية لتجمع صانعي القرار والمفكرين ورواد الأعمال، من أجل البحث عن أفضل السبل لصناعة السلام والاستقرار والحفاظ عليهم، وكذلك من أجل مناقشة الآراء والأفكار حول كيفة معالجة مشكلات العالم المختلفة البيئية والأمنية والاقتصادية والسياسية.
د. أحمد عبده طرابيك
باحث في شئون آسيا الوسطي والعالم التركي