في أقصى الشمال الغربي من ساحل البحر الأحمر، تحديداً في منطقة رأس الشيخ حميد بمنطقة تبوك شمالي السعودية، لفظت "كاتالينا"، الطائرة البرمائية أميركية الصنع، أنفاسها الأخيرة، حيث لا يزال حطامها يقبع هناك منذ نحو 57
عاما، مثيرة تساؤلات واستفسارات حول سبب تواجد هذه الطائرة في هذا المكان النائي، وماذا كان مصير راكبها؟ ولماذا جاؤوا إلى هذه المنطقة؟ فبعضهم يقول إنها جاءت متسللة، وبعضهم يقول إنها من بقايا الحرب العالمية الثانية.
يقع شاطئ رأس الشيخ حميد ضمن منطقة تبوك الإدارية بشمال السعودية، وهي منطقة تزخر بحزمة كبيرة من المناطق الجاذبة، دعمها موقعها الاستراتيجي الرابض بين رأس خليج العقبة ونهاية البحر الأحمر، متوسطة بذلك "الأردن ومصر"، ما جعلها البوابة الدولية للمسافرين القادمين من تلك المناطق والمغادرين إليها، وهي منطقة مرشحة لأن تكون منطلقا لجسر الملك سلمان بن عبد العزيز البري الرابط بين مصر والسعودية.
مزار للسياح
حطام الطائرة البرمائية تحول إلى موقع جذب للسيّاح الزائرين لمنطقة تبوك، الذين باتوا يقصدون الشاطئ لمشاهدة هذه الطائرة خصيصا، والتقاط الصور التذكارية معها، وهو ما حدا بهيئة السياحة والآثار لاعتماد شاطئ الطائرة البرمائية كأحد المسارات السياحية المعتمدة للزوار، بعدما فرضت الطائرة نفسها وباتت محط اهتمام الزوار والوفود الخارجية الذين تستقبلهم منطقة تبوك بشكل دوري.
وتروى حول الطائرة البرمائية كثير من القصص، فالبعض يقول إن الطائرة لفظها البحر بعدما كان ابتلعها في مكان آخر، وآخرون يقولون إنها جاءت متسللة إبان الحرب العالمية الثانية، لكن أشهر الروايات التي نقلتها مجلة "لايف التايم" الأميركية، أن الطائرة تعود لثري أميركي جاء إلى منطقة رأس الشيخ حميد ضمن رحلة سياحية كان يقوم بها حول العالم برفقة أسرته، قبل أن تتوقف هنا بسبب عطل في المحرك.
وتقول المجلة إن الطائرة البرمائية واسمها كاتالينا، هي إحدى طائرات سلاح المهندسين في الجيش الأميركي، وبعد تقاعدها عن الخدمة اشتراها رجل الأعمال الأميركي توماس كيندال، الذي قام بتحويلها إلى يخت فاخر، وقام برحلة سياحية في جميع أنحاء العالم مع زوجته وأولاده، وكان برفقتهم مصور لتغطية الرحلة، وقد ضمت الرحلة دولا متعددة من ضمنها منطقة الشرق الأوسط.
في مارس 1960، هبطت الطائرة "كاتالينا" في مضيق تيرانا، واتجهت نحو شاطئ رأس الشيخ حميد لقضاء الليل هناك، وعندما حل النهار قام عناصر من الهجانة "رجال أمن" بالاقتراب من الطائرة لمعرفة سبب تواجدهم هنا، لاسيما أن المنطقة كانت تعيش حينها أجواء الحرب العربية الإسرائيلية، وعندما لاحظت عائلة كيندال عناصر الهجانة هرعوا هاربين نحو الطائرة، إذ إنهم لم يتوقعوا أن شخصا يعيش في هذه المنطقة النائية.
هروب عائلة كيندال نحو الطائرة ومحاولتهم الطيران، عزز المخاوف لدى الهجانة من أن الطائرة عدائية، خصوصاً أنها تتضمن فوهات للمدفعية، فبدأ الهجانة بإطلاق النار على الطائرة التي تعطلت لاحقا عن الإقلاع، وتم احتجاز عائلة كيندال، لكن بعدما تبين أنهم ليسوا إسرائيليين وأنهم أميريكيون، تم تسليمهم للسفير الأميركي بجدة الذي رتب لهم أمور عودتهم إلى أميركا، فيما ظلت طائرتهم رابضة في موقعها حتى هذا اليوم، بحسب المجلة.
يذكر أن الطائرة البرمائية لها القدرة على الإقلاع والهبوط في البر والبحر، وقد قام مبدأ هذه الطائرة باختراع من مصمم السفن البريطاني الشهير جون ثورنيكروفت في عام 1870، لكنها كتصميم عملي يمكن استخدامه لم تظهر الطائرة إلا في عام 1955، عندما أسس المهندس الإنجليزي كريستوفر كوكيريل، شركة لإنتاج هذا النوع من الطائرات، والتي باتت تستخدم اليوم على نطاق واسع للنقل عبر البحار والأنهار والأراضي شديدة الوعورة .