أبرز الخلاف الحدودي بين السعودية والإمارات المتداول في أروقة الأمم المتحدة ما يمكن وصفه بالتنافس المبطن أو التنازع على الريادة الإقليمية بين الجارتين الخليجيتين خلال العقد الماضي.
ويتضح من خلال نصوص الرسائل الموجهة للأمم المتحدة من كلا البلدين اتساع الفجوة بشأن هذا النزاع الحدودي وربما بسبب خلافات أخرى، ما دفع نحو التوجه إلى المنظمة الأممية بقصد محاولة إثبات الحقوق السيادية دوليا، بحسب محللين. ورغم هذا الخلاف وغيره من ملفات عدم الاتفاق السعودي الإماراتي، يعتقد بعض المراقبين أنه لا تزال هناك فرصة جيدة لردم الفجوة ولو مؤقتا، باعتبار أن هناك مصالح مشتركة تفوق نقاط الخلاف قد يحرص عليها الجانبان.
إلى العلن وبشكل نادر خلال الشهرين الماضيين، خرج الخلاف الحدودي السعودي- الإماراتي، حول منطقة "الياسات"، بعد رسالة وُجّهت من قبل السعودية في 18 مارس الماضي للأمين العام للأمم المتحدة حول إعلان الإمارات "الياسات" منطقة إماراتية بحرية محمية. اعتبرت الرياض في رسالتها أن الإعلان الإماراتي يتعارض مع القانون الدولي وأنها لا تعتدّ ولا تعترف بأي أثر قانوني له. ردّت الإمارات في رسالة واضحة بتاريخ 16 مايو بأن محمية "الياسات" تقع في المياه الإقليمية التابعة لها مؤكدة أنها لا تعترف للسعودية بأي مناطق بحرية أو حقوق سيادية أو ولاية بعد خط الوسط الفاصل بين البحر الإقليمي لدولة الإمارات والبحر الإقليمي للسعودية المقابل لمحافظة العديد.
لطالما تحدثت تقارير صحفية أجنبية عن "الأصدقاء- الأعداء" أي الإمارات والسعودية، والتنافس الجيواقتصادي وصراع النفوذ بينهما. على الرغم من أن بعضهم يحاول التخفيف من وطأة انعكاس الخلاف الحدودي البحري بين السعودية والإمارات على العلاقات بين البلدين، والاكتفاء بوضعه في خانة "الاختلاف" وليس "الخلاف". ويضم مجلس التعاون الخليجي إلى جانب السعودية والإمارات، عُمان والكويت والبحرين وقطر، وهو كيان إقليمي تأسس قبل ثلاث وأربعين سنة ويتخذ من السعودية مقرا له. من الناحية القانونية، لا يعود للأمم المتحدة أن تقرر ترسيم وفصل الحدود، بل هي مسألة يجب على الدول حلّها بشكل ثنائي.
بحسب وزارة التغير المناخي والبيئة في الإمارات، فإن منطقة "الياسات" البحرية تضم عددا من الجزر مع المياه المحيطة بها، وتقع في أقصى جنوب غرب أبو ظبي، على الشريط الساحلي الذي يفصل بين السعودية والإمارات.
وعندما تفشل الدول في التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود البحرية ولا توجد رغبة في التقاضي، تدعو اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتي تشكل كلّ من السعودية والإمارات طرفا فيها، الدول إلى محاولة التوصل إلى "ترتيبات مؤقتة ذات طبيعة عملية"، بحسب يالوريدس، في انتظار التسوية النهائية للنزاع. ومن بين هذه الترتيبات، تحديد المناطق المتنازع عليها كمنطقة إدارة مشتركة أو منطقة تطوير وتنمية مشتركة، والاتفاق على مشاركة الموارد في الأراضي المتنازع عليها دون المساس بمطالب الدول القانونية. وتُعرف "الياسات" بأنها منطقة غنية بالموارد الطبيعية وتحتوي على تنوع بيولوجي، ما يزيد من أهميتها الاستراتيجية والبيئية، كما تحتضن كائنات بحرية فريدة من نوعها ومهددة بالانقراض.
ويعود تاريخ الخلاف الحدودي بين السعودية والإمارات إلى عام 1974، عندما وقع البلدان اتفاقيةً لتسوية خلافاتهما الحدودية عُرفت باتفاقية جدة، تنازلت بموجبها السعودية عن مطالبتها بجزء من واحة البريمي الغنية بالنفط، وهي منطقة تقع بين شمال غرب عُمان والإمارات، مقابل حصولها على مجموعة من الأراضي الغنية بالنفط في الحدود بين البلدَين مثل جزيرة الحويصات، فيما تنازلت الإمارات عن 80 بالمئة من حقل الشيبة النفطي، وعن 50 كيلومترا من ساحلها. كذلك اعترفت السعودية بموجب تلك الاتفاقية بالإمارات كدولة مستقلة، وكان ذلك في بدايات مرحلة تأسيسها. ولم تلغ اتفاقية 1974 التوتر بين البلدين، والذي وصل إلى حدّ مقاطعة الإمارات لاجتماع وزراء الخارجية والنفط الخليجيين عام 1999 في السعودية، احتجاجا على تدشين حقلٍ للنفط في منطقة الشيبة وعدم إشراك أبو ظبي بالاستفادة من عوائد الحقل.
استمرّ التوتر في التصاعد في السنوات اللاحقة، ليصل إلى ذروته عام 2010، عندما اتهمت الإمارات السعودية بتجاوز دورياتها البحرية لمياهها الإقليمية، وتطور الموضوع إلى حدّ إطلاق طلقات تحذيرية. في العام 2004 أثارت الإمارات مع القيادة السعودية مسألة تعديل الاتفاقية الحدودية على اعتبار أنها "ظالمة بحقها"، إلى أن أصدر رئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان عام 2005 مرسوماً أعلن بموجبه لأول مرة أن "الياسات" منطقة محمية، قبل أن يَصدر مرسومٌ مماثلٌ عام 2019 يلغي المرسوم السابق، ويعلن توسعة المنطقة المحمية لتصبح 2256 كيلومترا مربعا بعدما كانت مساحتها 428 كيلومترا مربعًا.