تعتبر المساجد بأنها أكثر من مجرد أماكن مقدسة للعبادة، فهي بنيان رائع يتحفنا بحرفية مدهشة، وتوصف أجمل المساجد في العالم بأنها تحف معمارية تزخر بتراث وتاريخ جميلين لتجذب السياح من جميع أنحاء العالم لزيارتها والتعرف على جمالها بالإضافة إلى التميز والدقة المعمارية.
تُسمّى دور العبادة لدى المسلمين باللغة العربية بالمساجد، وهي أماكن مقدسة يجتمع فيها المسلمون لأداء الصلاة أو الصيام، وتظل المساجد شاهدًا على إيمان الملايين من المسلمين لقرون. وتعتبر المساجد من أهم الركائز في المجتمع الإسلامي، ومن الأحجار الرئيسيّة التي لا يكتمل بناء شخصية المسلم دونها، فأول ما قام به النبي محمد -صلي الله عليه وسلم- فور وصوله للمدينة المنورة، هو بناء مسجدٍ يقف فيه المسلمون صفوفًا متوازيةً متساوية، لا فرق فيها بين المهاجرين والأنصار، لا فرق بين غنيّ وفقير، صغيرٍ وكبير. وبجانب أهمية المساجد الدينية وآثارها في بناء المجتمع الإسلامي، تعد الكثير من المساجد الآن معالم أثريّة وسياحية مهمة، ينجذب لها السياح من جميع أنحاء العالم، وذلك لطراز مآذنها ومبانيها التي تأسر بجمالها أعين الجميع، وبالطبع هذا غير الهدوء والطمأنينة التي تدخل صدرك بمجرد الدخول إلى إحدى صحون هذه المساجد، حيث تجتمع روعة البناء والسماء معًا. وبالتأكيد تختلف مساحات هذه المساجد عن بعضها بعضا، كذلك تختلف أماكنها وأطرزة بنائها، والعصور التي بنيت فيها، فلكل مسجدٍ ما يميزه عن غيره ويجعله معلَمًا مهمًّا، وقيمةً عظيمةً للبلد الذي شُيّدَ فيه.
أكبر 10 مساجد في العالم
أولا: المسجد الحرام في المملكة العربية السعودية
يوجد في مكة المكرمة، حيث تتوسطه الكعبة المشرفة، والمسجد الحرام هو قبلة المسلمين للحج سنويا وهو أول المساجد الثلاثة، التي تّشد إليها الرحال عند المسلمين ويمتلئ المسجد الحرام سنويا في شهر رمضان بملايين المصلين. ويضم الحرم المكي عددا من الأقسام أهمها، الكعبة المشرفة في الوسط، على شكل مربع، ويعتبر حجر إسماعيل عليه السلام من جهة الشمال جزءًا منها وصحن البيت الحرام المكشوف وأروقة المسجد المسقوف، ويضم 4 طبقات هي القبو وطابقان والسطح، ويجري فيها كلها الطواف عند الازدحام، ومن جهة الشرق مقام إبراهيم، الذي يبعد نحو 50 مترًا من الكعبة وبابها وبئر زمزم من جهة الشرق، وهناك ميضأة من جهة الشمال، والمكبّرية من الجنوب وتوجد فيه غرف إدارة كثيرة.
ثانيا: المسجد النبوي في المملكة العربية السعودية
يعتبر من المساجد الكبيرة في العالم وثاني أقدس موقع في الإسلام (بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة) وهو المسجد، الذي بناه الرسول محمد ص لي الله عليه وسلم في المدينة المنورة، بعد هجرته سنة 1 هـجري الموافق لعام 622 ميلادي. وشهد المسجد توسعات عدة عبر التاريخ مرورًا بعهد الخلفاء الراشدين والدولة الأموية فالعباسية والعثمانية وأخيرًا تمت أكبر توسعة له عام 1994، ويعتبر المسجد النبوي أول مكان في الجزيرة العربية يتم فيه الإضاءة عن طريق استخدام المصابيح الكهربائية عام 1327، ويحتضن المسجد النبوي مئات الآلاف من المسلمين من شتى أنحاء العالم والزوار والمعتمرين، خلال شهر رمضان. حيث كان الرسول محمد صلي الله عليه وسلم يخطب في البداية على جذع نخلة، ليصنع منبرا من ثلاث درجات، كما وخطب عليه خلفاؤه الراشدون، حيث وقف كل من الخليفة أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، على الدرجة الثانية، فيما وقف عثمان بن عفان، على الدرجة السفلى ست سنين، ثم ارتقى بعدها حيث كان النبي محمد صلي الله عليه وسلم يقف. تعرض المنبر للاحتراق عام 886 هـ، عندما احترق المسجد النبوي الشريف، فبنى أهل المدينة منبرا من الآجر، ثم أرسل بعدها السلطان المملوكي الأشرف قايتباي، منبرا من الرخام الأبيض.
الروضة: وهو موضع في المسجد النبوي يقع بين المنبر وحجرة الرسول الكريم، وقد تم تحديدها بسجاد أخضر اللون يختلف عن بقية سجاد المسجد النبوي.
الحجرة النبوية: تعرف بحجرة عائشة بنت أبي بكر الصديق، وهي التي دُفن فيها النبي محمد (ص)، ودفن فيها أبو بكر الصديق عام 13 هـ، وعمر بن الخطاب عام 24 هـ، وقد جُدد جدارها في عهد السلطان المملوكي قايتباي.
القبة الخضراء: سُميت بالقبة الزرقاء والبيضاء، ثم القبة الفيحاء، قبل أن تسمى بالقبة الخضراء، بنيت بالخشب على رؤوس الأساطين المحيطة بالحجرة النبوية في أيام الملك قلاوون عام 678 هـ، وهي مربعة من الأسفل ومثمنة من الأعلى.
المكتبة: يوجد في المسجد النبوي مكتبتين، الأولى قديمة في وسط الحرم والثانية تقع على سطح الحرم من الجهة الغربية وتضم عددا كبيرا من الكتب والمجلدات ومكتبة رقمية.
ثالثا: مسجد الإمام الرضا في إيران
وتشمل أكبر عشرة مساجد في العالم أيضًا ضريح الإمام الرضا، الذي تم بناؤه في مدينة مشهد الإيرانية، ويضم المجمع المعماري الديني ضريح الإمام، ومقابر الشخصيات الدينية الإسلامية الأخرى، بالإضافة إلى مقبرة ومتحف ومكتبة ومسجد. يعد هذا الضريح من المعالم السياحية الرئيسية في إيران، حيث يزوره ما يقرب من عشرين مليون زائر كل عام. وكان الإمام الرضا، الذي يحمل الضريح اسمه، يحظى بشعبية كبيرة بين الناس، وقُتل عام 818 م. تم دفن الإمام في مكان ليس بعيدًا عن قبر هارون الرشيد، وسرعان ما نمت مدينة مشهد حول هذه المقابر. لم يبدأ بناء هذا المجمع المعماري إلا في القرن الثالث عشر، عندما كانت الدولة التيمورية تحكم البلاد، ولكن قبل ذلك في القرن التاسع، تم بالفعل بناء مسجد في هذا الموقع، والذي سرعان ما تم تدميره. ويحتل المجمع المعماري الكبير الذي وصل إلى يومنا هذا مساحة 331 ألف متر مربع ويتسع تحت قبته لما يصل إلى 100 ألف مصلٍ.
رابعا: مسجد فيصل في باكستان
يعتبر مسجد الملك فيصل رمزا لباكستان، متميزا بهندسته الفريدة المصممة على يد المهندس التركي وداد دالوكاي. جائت فكرة بناء المسجد خلال زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية إلى إسلام أباد، عام 1966، حيث تم تنظيم مسابقة شارك فيها مهندسون من 43 دولة.
و تم اختيار تصميم المهندس التركي وداد دالوكاي، من قبل الحكومة الباكستانية.
بمبلغ 120 مليون دولار أمريكي تبرع فيها الملك فيصل، بدأ بناء المسجد في عام 1976، ليكتمل البناء عام 1986. وتصل سعته لـ100 ألف مصلٍ.
خامسا: مسجد الحسن الثاني في المغرب
يقع المسجد في مدينة الدار البيضاء بالمغرب، وهو أكبر مسجد في المغرب، ويتميز بمئذنته الأندلسية الطابع، والتي ترتفع لـ210 أمتار، بدأ بناؤه سنة 1987، واستمر لمدة ست سنوات، وبني جزئيا على البحر بمساحة 9 هكتارات ويضم قاعة للصلاة ومدرسة للقرآن ومكتبة ومتحفا، بالإضافة إلى تلبيسه بفسيفساء الخزف الملون على الأعمدة والجدران وأضلاع المئذنة والحفر على خشب الأرز، ويقام فيه صلاة التراويح بأعداد هائلة. ويمكنه استيعاب 105 آلاف نسمة، منها 25 ألفًا هي الطاقة الاستيعابية لقاعة الصلاة، و80 ألفًا هي الطاقة الاستيعابية لباحته الخارجية. ووصلت تكلفة البناء لنحو 500 مليون دولار.
سادسا: مسجد الاستقلال في إندونيسيا
يعتبر من أكبر المساجد في جنوب شرق آسيا، وتم بناؤه لإحياء ذكرى الاستقلال الإندونيسية واسمه "الاستقلال" وهي كلمة عربية، وافتتح المسجد للجمهور، في 22 فبراير 1978 في جاكرتا، ليوضع المسجد بجانب ساحة "مرديكا" وكاتدرائية جاكرتا. بعد الاستقلال عن هولندا في عام 1949، كان هناك رغبة متزايدة لبناء مسجد الوطنية للجمهورية الجديدة، التي كانت لها أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم. انطلقت فكرة بناء مسجد من وحيد هاشم، الوزير الأول لإندونيسيا لشؤون الأديان، الذي عيّن لاحقا رئيسا لمؤسسة "مسجد الاستقلال"، ويقام في المسجد الاحتفالات الرمضانية المميزة في إندونيسيا، بالإضافة إلى إقامة موائد الإفطار.
سابعا: مسجد الشيخ زايد الكبير في الإمارات العربية المتحدة
مسجد الشيخ زايد الكبير يمكنه استيعاب أكثر من 40 ألف مصلٍ، ويعتبر أكبر مسجد في الإمارات العربية المتحدة، حيث يمتد على مساحة تصل لـ 22,400 متر مربع. يمكن لساحة الصلاة الرئيسية أن تستوعب أكثر من 7000 مصلٍ، وهناك ساحتان أصغر للصلاة تبلغ سعة كلٍ منها 1,500 مصلٍ. و تم استخدام أكثر من 100 ألف طن من الرخام اليوناني والمقدوني في إنشائه.
استغرق المشروع 12 عامًا لاستكماله بتكلفة وصلت لـ 2.5 مليار درهم إماراتي حيث بدأ العمل في عام 1996. والتصميم مستوحى من الطراز المعماري المملوكي والعثماني والفاطمي، بالغضافة لتزويده بنظام إضاءة يعكس أطوار القمر، حيث يلقي بأضوائه التي تتغير ليلًا، وفقًا لطور القمر على الجدران الخارجية للمسجد. وحمل المسجد اسم أول رئيس للإمارات العربية المتحدة، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والذي كان المحفز لبناء هذا المسجد، ليختار الموقع عند مدخل جزيرة أبو ظبي بين جسر مصفّح وجسر المقطّع، ليقدم التوجيهات المعمارية الخاصة بالمشروع، كما وكانت وصيته أن يُدفن في المسجد، وقبره الآن موجود في فناء المسجد. على الرغم من طابعه وتصميمه العربي، فقد شاركت شركات إنشاءات من جميع أنحاء العالم في بنائه، إذ قام مهندسون إيطاليون من شركة "ساليني إمبريجيلو" بقيادة المشروع، الذي شارك به 3 آلاف عامل من 38 شركة تم التعاقد معها، بينما قدم حرفيون من الهند وألمانيا ومصر وتركيا وبريطانيا والصين وباكستان للمشاركة في بناء المسجد. أما سجادة ساحة الصلاة الرئيسية، فقد قام بنسجها 1300 حرفي إيراني، مستخدمين صوفا نيوزيلنديا لحياكتها.
ثامنا: مسجد بادشاهي في باكستان
من المساجد المميزة في مدينة لاهور الباكستانية مسجد "بادشاهي" ويعرف أيضا باسم "المسجد الملكي"، وقد بناه السلطان المغولي السادس أورنجزيب الأمجير، بين 1671 و1673، ويعد أحد نماذج تطور الهندسة المعمارية المغولية، وهو ثاني أكبر مسجد في باكستان وخامس أكبر مسجد في العالم.
تم تصميمه من وحي الهندسة المعمارية الإسلامية والفارسية إلى جانب التأثيرات الآسيوية والهندية، وهو مدرج كموقع للتراث العالمي في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، عام 1993م. وتم استخدام الحجر الرملي الأحمر والرخام في بنائه، كما استخدم البناة الضفائر الزخرفية في تزيين الأسقف والممرات الجانبية وتطعيمها بالرخام، وبناء الجدران بقرميد صغير محترق يحتوي على قشرة من الحجر الرملي الأحمر المتنوع. يمتاز المسجد بأربع مآذن مختلفة، ويصل ارتفاع هذه المآذن إلى نحو 4.2 متر تقريبا، كما أنه يمتاز بساحة كبيرة، حيث تبلغ مساحة فناء المسجد نحو 276 ألف قدم مربع ويتسع لأكثر من 100 ألف مصلٍ، وتعتبر من أكبر الساحات في مساجد آسيا. وتقسم فيه قاعة الصلاة إلى 7 مقصورات بأقواس محفورة، ومن بين الحجيرات السبع، هناك 3 قباب مزدوجة مكتملة بالرخام لها تقوّس فني، في حين تحتوي البقية على قبب منحنية الشكل مع ضلع مركزي في السقف الداخلي والسطح المستوي فوقها، وفي الممر الأمامي الشرقي، يمتد سقف الحجرة بشكل مسطح مع حدود منحنية. وتم تزويد المسجد بنظام صوتي معقد يمكّن من سماع صوت الإمام من أبعد نقطة في المسجد، وذلك من خلال استخدام تجاويف هندسية ذكية داخل الأسقف والجدران تسمح بتضخيم الصوت وانتقاله إلى أبعد مدى. ويوجد في المسجد مصحف فريد تم تطريزه من قبل أحد مسلمي لاهور، استخدم فيه القماش والحرير.
تاسعا: المسجد الأزرق في تركيا
جامع السلطان أحمد أو المسجد الأزرق يعتبر أحد أشهر المساجد في مدينة إسطنبول التركية، ويعرف أيضا باسم "الجامع الأزرق" كون جدارنه الداخلية مزينة ببلاط "إزنيك" الأزرق. وأمر السلطان ببناء الجامع في فترة عصيبة مرت بها الدولة العثمانية بعد تعرضها لعدد من الهزائم في عدد من الحروب. كما ويتميز الجامع باستخدام الطراز المعماري البيزنطي والعثماني، بالإضافة لموقعه المطل على بحر مرمرة ومقابلته لمتحف آيا صوفيا، ويتمتع الجامع بفناء كبير وبارتفاع قدره 43 مترًا ويحوي أكثر من 200 نافذة.
عاشرا: مسجد بورصة الكبير ( أولو جامي) في تركيا
يعتبرالجامع واحدا من أهم المعالم التاريخية العظيمة في تركيا، وتم بناؤه في عام 1396، بأمر من السلطان العثماني يلدرم بيازيد، واكتمل بناؤه في عام 1398 ميلادي. كما ويمكن ملاحظة كتابات بارزة بالخط العثماني على الباب الرئيسي للجامع كُتب فيها أن "الجامع أنشئ بأمر من السلطان يلدرم بيازيد، واكتمل بناؤه عام 1399 للميلاد". أما بالنسبة إلى القسم المغلق من المسجد فيعتبر من أكبر المساجد مساحة من حيث كبر المصلى، مع أن مساحة جامع السلطان أحمد مثلًا أو السليمانية مع باحاتهما أكبر من جامع بورصة الكبير فيبقى هذا الجامع أكبر من الجامعين من حيث مساحة المصلى، كما ويتميز الجامع بامتلاكه عشرين قبة. ففي عام 1396 تعرضت قلعة نيكوبوليس وكانت تلك القلعة تابعة للعثمانيين في ذلك الوقت، لهجوم من ملك المجر وحافتئه الأوروبيين ليقوم السلطان العثماني بيازيد بتجهيز جيشه للدفاع عن القلعة وصد هجوم ملك المجر وحلفائه، ونذر بيازيد في دعائه أن يبني 20 مسجدا في حال انتصر على أعدائه.. وبعد أن انتصر بيازيد في المعركة عاد إلى مدينة بورصة، ليقترح عليه شيخه ومستشاره أن يبني مسجدا واحدا كبيرا له عشرون قبة يستخدم في صلاة الجمعة، بدلا من بناء عشرين مسجدا صغيرا وفاء لنذره. يحتوي الجامع على 20 قبة مرتبة في أربعة صفوف، في كل صف خمسة قباب مدعمة بوساطة 12 عمود. ويتميز الجامع بشكله المستطيل وتصل مساحته 5 آلاف متر مربع. تصل سماكة بعض جدران الجامع لأكثر من مترين، كما بنيت جدران الجامع السميكة بخمسة طوابق من الأحجار، كما وبنيت القبب بأحزمة من الأقواس المقببة، وفي كل حزام زوجان من النوافذ. وتوجد مئذنتان في الجامع، كلاهما تمتدان من الأرض دون الاستناد على الجدران السميكة.
