منذ ثورة الخميني عام 1979، والعلاقات السعودية- الإيرانية تتأرجح بين حالات من التصادم والتفاهم أو الصعود والهبوط؛ لكن التوتر بلغ ذروته عام 2015 بعد حادث "تدافع منى" الذي قضى فيه المئات من الحجاج الإيرانيين، وأعقب ذلك إعدام المملكة للإرهابي نمر النمر؛ لتلتهب العلاقة المتدهورة أصلا، وتشتعل حرب البيانات ومسلسل التراشق، حتى إضرام النار في مبنى سفارة المملكة بطهران.
وفي الأشهر الأخيرة، بدأت العلاقات تأخذ منحى آخر، ظهرت بوادره مع اتفاق البلدين على عودة الحجاج الإيرانيين إلى السعودية هذا العام، وذلك بعد أن منعت طهران الحجاج الإيرانيين من المشاركة في موسم الحج 2016 بعد تعنتها في التوصل إلى اتفاق بشأن مسائل خلافية أمنية ولوجستية.
وبعد نحو عامين من قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين التقطت كاميرات المصورين مصافحة نادرة لوزيري الخارجية السعودي عادل الجبير ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف على هامش الاجتماع الطارئ لمنظمة التعاون الإسلامي في مدينة إسطنبول التركية.
الصورة التي التقطت في خضم التوتر السائد بين البلدين، جاءت معاكسة للتوتر في العلاقات وسنوات طويلة من الصراع في أكثر من ساحة وتراشق واتهامات بين الرياض وطهران، جعل المتفائلين في قراءتهم للمستقبل يرددون جملة "لا شيء مستحيل في عالم السياسة".
فالمصافحة بين الجبير وظريف، أعقبها تصريح صادر عن وزارة الخارجية الإيرانية، كشفت فيه عن قرب تبادل الزيارات الدبلوماسية بين طهران والرياض.
ونقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية "إسنا" عن ظريف القول: إن الزيارات الدبلوماسية المتبادلة بين البلدين قد تبدأ مطلع سبتمبر المقبل أي بعد انقضاء موسم الحج، مشيرا إلى أنه قد صدرت بالفعل تأشيرات للدبلوماسيين من الجانيين وأن العمل جارٍ على إتمام الخطوات الأخيرة التي تمكن دبلوماسيي البلدين من دخول سفاراتهم وقنصلياتهم.
وبالطبع لا يمكن البناء على مصافحة بين ديبلوماسيين في منتدى إقليمي، للحديث عن اختراق في العلاقات، كما أن الأجواء الإقليمية المحيطة بالعلاقات بين طهران والرياض لا تشير إلى انفراج قريب خاصة أنه يحكمها في هذا الوقت العديد من الملفات الصعبة، بدءا من الحرب في اليمن وسوريا والوضع في العراق ولبنان، كما يوضح موقع "ستراتفور" الأمريكي.
والسؤال الذي يطرح نفسه، لو عادت العلاقات بين السعودية كيف ستكون تدريجية وبحذر أم بثقه وتفاهم قد يفاجئ العالم أجمع؟، فيما يلح سؤال آخر، وهو هل تأمن المملكة للدغات إيران إذا عادت العلاقات؟.
في هذا الصدد أوضح رئيس الدراسات الأكاديمية بكلية الملك خالد العسكرية الدكتور نايف الوقاع، أن سياسة المملكة الخارجية وعلاقاتها مع دول المنطقة والعالم بأسره تقوم على أسس ثابته مبنية على التعاون المشترك والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ومكافحة الإرهاب وفق قانون إسلامي وأخلاقي ينطلق من قيم ثابته، وبالتالي لا يوجد علاقات متوترة للمملكة إلا مع إيران، مرجعًا السبب إلى أن الدستور الإيراني ينص على تصدير ثورة الخميني وتغيير الأنظمة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة.
وأشار الوقاع إلى أن المعول في المنطقة كبح جماح السياسة الإيرانية بفضل التعاون السعودي- الأمريكي، مبينًا أن إيران لا يمكن أن تقبل المفاوضات مع السعودية وهي في موقف قوي، كونها لا تؤمن بالدبلوماسية لحل مشاكل المنطقة.
وقال إن إيران حاولت التقرب إلى السعودية بعد منحها تأشيرات لفريق التحقيق في قضية إحراق السفارة السعودية؛ لكنها تراجعت، ثم وافقت لاحقًا، وهو ما يشير إلا أن النفوذ الإيراني بدأ في التراجع جراء قرب هزيمة الحوثيين في اليمن، والتوجه الجديد في حل القضية السورية، وعودة العلاقات السعودية- العراقية، وتقهقر نفوذها في الداخل البحريني وكذلك الموقف الكويتي تجاه إيران بعد الكشف عن خلية العبدلي الإرهابية.
ودعا الوقاع، دول المنطقة وعلى رأسها المملكة إلى عدم الركون إلى السياسة المهذبة مع طهران في الفترة الحالية كونها تعاني من متاعب مع المجتمع الدولي والولايات المتحدة تحديدًا، واستحقاقات دولية بل حتى محلية بعد تعالي نبرة التذمر من قبل الشعب الايراني ضد حكومته التي فشلت في وضع حلول للشعب الايراني بعد تفاقم الوضع الاقتصادي؛ حيث وصلت نسبة خط الفقر إلى 62%، وارتفعت معدلات الفساد والجريمة وتجارة المخدرات، وهو ما وضع الحكومة الايرانية في مأزق.
وأوضح الخبير السياسي أنه على إيران تحمل دفع تعويضات لكل الانتهاكات التي ارتكبتها، مبينًا أن المفاوضات المرتقبة ستجبر الحكومة الإيرانية على الاعتراف بدعمها للإرهاب وحل الميليشيات التابعة لها، والانسحاب من المنطقة بعد تحمل ما أحدثته من أضرار مع تعهدها بعدم تكرارها بضمانات وآلية مراقبة من الأمم المتحدة وضغط مستمر تتولاها السعودية بالتعاون مع أمريكا.
وأكد الوقاع، أن العامل الرئيسي في رضوخ إيران وسعيها لحل الخلاف مع المملكة يكمن في قوة القيادة السعودية التي اتخذت زمام المبادرة واستعدادها لمواجهة إيران عسكريًا، وهذا ما يفسر تصريح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن احتمالية مواجهة النفوذ الفارسي ونقل المعركة التي تريدها طهران إلى الداخل الإيراني، مشيرًا أن هذا التصريح تفاعلت معه الطبقة السياسية في إيران بشكل كبير بعد أن شعروا بالخوف من ذلك التوجه القوي.
وأشار إلى أن إيران فقدت جزءًا كبيرًا من تحالفاتها الدولية بعد التقارب الكبير بين المملكة وروسيا والصين وتوقيع اتفاقيات كبيرة معها في ظل الزيارة المرتقبة للعاهل السعودي لروسيا التي بدأت في نشر صوره في ميادين وشوارع موسكو، وتوقع الوقاع أن تحدث تلك الزيارة تحولا كبيرًا في العلاقات بين البلدين وإسهامها في حل ملفات العالقة بالمنطقة، مثل ما أحدثته الزيارة التي قام بها ولي العهد لواشنطن.