يعد الوصول إلى البحر أو المحيط أو حتى البحيرة ذو أهمية قصوى لإعتماد السياسة الخارجية للبلد، لأنه يوفر فرصاً مذهلة. يمكن أن تحصل مثل هذه الدول على موقف مركز النقل متعدد الخدمات، مما يوفر منطقة الترنويت ويجذب استثمارات كبيرة وتصبح شركاء تجاريين مهمين. وفي الوقت نفسه تلعب السياسة الداخلية والخارجية التي تنتهجها حكومات هذه البلدان دوراً هاماً والقدرة على الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والرغبة في الاندماج في المجتمع العالمي. يمكن تتبع كل هذا بمثال السياسة الداخلية والخارجية الممارسة في المملكة المغربية وجمهورية أذربيجان.
في 4 يوليو أفتتحت محطات جديدة في ميناء طنجة الواقع شرق مدينة طنجة الساحلية الكبيرة في شمال المغرب على شواطئ مضيق جبل طارق. اعتبر العديد من الخبراء هذا الحدث بمثابة دافع استثماري مهم للغاية في المغرب. علاوة على ذلك، يوفر عدداً من المزايا لتطوير التجارة ويعزز الدور الاستراتيجي الهام للمملكة في جميع أنحاء القارة.
ميناء طنجة المتوسطة هو أكبر ميناء في إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط وواحد من أكثر الطرق لبنلاحية المعروفة في العالم. يقدر إجمالي دورة الشحن البحري بعدة ملايين طن. في عام 2018 بلغ الحجم 3.5 مليون وحدة مكافئة 20 قدم. بعد التمديد، سيتم زيادة السعة بمقدار 6 ملايين لتصل إلى أكثر من 9 ملايين.
تعد قابلية التمرير هذه جذابة بالتأكيد للشركات والمستثمرين من القطاع الخاص المشاركين في النقل بين إفريقيا وأوروبا وأمريكا وآسيا. يمكن فتح محطات جديدة وزيادة قابلية التمرير تؤمن أرباح اقتصادية إضافية لبلدان غرب إفريقيا التي تمثل حوالي 40 % من إجمالي الحاويات وحيث تزيد الشركات المغربية الكبرى من إمكاناتها. وبحسب مدير الميناء رشيد هواري فإن 20% إحمالي الحاويات ترسل إلى أوروبا و 10% إلى أمريكا.
وبالتالي، سيعزز المغرب دوره الهام بالفعل في تطوير كمركز لوجستي في اتجاه إفريقيا - أوروبا - أمريكا - آسيا.
من الجدير بالذكر أن نهج حكومة المغرب يتميز بالتطور الناجح للعلاقات الثنائية مع البلدان في مختلف القارات، بعد أن أثبت نفسها كشريك موثوق به واعد، وكذلك تنمية مستقرة داخل البلاد. على الرغم من الصراع المطول في الصحراء في عهد الحرب الباردة بين المغرب وجبهة البوليساريو والمواجهة مع الانفصالية بما يسمى بـ "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية (SADR)" غير المعترف بها ، فقد أيدت الحكومة المغربية دائماً الحل السلمي للنزاع. أعرب المغرب الذي تدعمه الأمم المتحدة خلال كل هذه الفترة عن استعداده للتعاون مع الأطراف الأخرى من أجل ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة. بالنظر إلى عدد قرارات وخطط الأمم المتحدة الفاشلة لحل النزاع، يعتبر المغرب أن وضع الحكم الذاتي الكامل للصحراء هو أفضل خيار للتوصل إلى حل عادل ودائم لهذه المشكلة التي عفا عليها الزمن. في الواقع، حظيت خطة الحكم الذاتي المغربية التي أقترحت في عام 2007، باهتمام ودعم كبيرين من المجتمع الدولي باعتبارها الحل السياسي الواعد لحل الصراع ضمن وحدة أراضي البلاد، وهو ما يضمن الوحدة الوطنية والاستقرار في المنطقة.
يحظى عزم قيادة الدولة في الحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة بدعم دولي متزايد بشأن مشكلة الصحراء. في الوقت نفسه، فإن التوسع في الإمكانات الاقتصادية يجعل هذا البلد لا غنى عنه بالنسبة لعدد من الدول في الشراكة الاقتصادية والسياسية.
موقف أذربيجان مماثل في هذه الأوضاع. استفاد أذربيجان من موقعها الجغرافي الملائم والواقع على شاطئ بحر قزوين، كما حصلت على موقف مركز النقل متعدد الخدمات. بعد استعادة الاستقلال نتيجة لانهيار الاتحاد السوفياتي، تحولت أذربيجان منبلد ديمقراطي شاب مناضل من أجل الاستقلال إلى مركز استراتيجي مهم في جنوب القوقاز. يشارك هذا البلد اليوم في العديد من المشاريع الدولية مثل ممر الغاز الجنوبي ومشروع الشمال والجنوب وخط باكو-تبيليسي-قارص الذي يربط الشرق والغرب. ميناء باكو هو أقدم وأكبر ميناء في بحر قزوين. وقد حصل بالفعل على موقع المركز الإقليمي واللوجستي في أوراسيا. تم بناء الميناء الجديد قرب باكو في منطقة "آلات" هو محور النقل الذي يربط بين الغرب (تركيا والاتحاد الأوروبي) وبين الجنوب (إيران والهند) والشمال (روسيا). بعد أن أثبتت أذربيجان كضامن للاستقرار الإقليمي، تواصل زيادة إمكاناتها الاقتصادية وتجذب المزيد والمزيد من الاستثمارات الأجنبية.
يجري كل هذه التطورات على خلفية النزاع العسكري طويل الأمد مع أرمينيا المجاورة التي لا تزال تحتل 20% من أراضي أذربيجان وقاره باغ الجبلية و7 مناطق متجاورة. على الرغم من أن أذربيجان تتمتع بحق شرعي كامل في حل المشكلة بالوسائل العسكرية، فإن الحكومة تدعم التسوية السلمية للنزاع على أساس القواعد والمبادئ الدولية في إطار السلامة الإقليمية لجمهورية أذربيجان وفقاً لقرارات مجلس الأمن للأمم المتحدة والتي تطالب بالانسحاب الفوري للقوات الأرمينية من الأراضي المحتلة.
في المقابل، لا تسمح سياسة أرمينيا العدوانية والفاشلة، سواء في الداخل أو الخارج، وكذلك الحدود المغلقة مع أذربيجان وتركيا بسبب النزاع، لأرمينيا بالمشاركة في مشاريع كبيرة والاشتراك في عمليات التصدير أو الاستيراد على نطاق واسع. بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم الوصول إلى البحر يجعل البلد لأن يستفيد من الموقف الجيوسياسي والاقتصادي للبلدان المجاورة. يعتمد سكان هذا البلد فقط على الزراعة والصادرات الصغيرة من المنتجات عن طريق البر إلى عدد من دول الساحة السوفيتية السابقة. ومع ذلك، فإن جميع الحجج المذكورة أعلاه لها تأثير سلبي على تنمية الزراعة والتجارة، وبالتالي، على التنمية الاجتماعية والاقتصادية لأرمينيا.
بالنسبة لأذربيجان والمغرب، هناك العديد من الفرص للعب الدور القيادي الإقليمي الأكبر وتوسيع إمكانياتهما الاقتصادية. في الوقت نفسه يتبع كلا البلدين سياسة مستقلة ومتوازنة تهيمن فيها مصالح الدولتين والشعبين. يدعم المغرب وأذربيجان بعضهما البعض في قضية السلامة الإقليمية والاستقلال، وكذلك في النضال من أجل العدالة.
الإعداد: اناستازيا لافرينا
Anastasia Lavrina
المحللة الساسية الرائدة في الشئون الأوروبي الآسيوي والمتحدثة الدولية والمعلقة في عدد من البرامج التلفزيونية.
الترجمة من الروسية: د.ذاكر قاسموف
PhD. Zakir Qasımov