فرنسا تدخل مرحلة سياسية ضبابية

سياسة 12:30 11.06.2024

لم تخطئ استطلاعات الرأي في توقع نتائج الانتخابات الأوروبية التي شهدتها فرنسا، الأحد، مع 19 دولة أوروبية أخرى؛ حيث جاءت النتائج متطابقة إلى حد بعيد مع التوقعات. وتفيد آخر الأرقام بأن لائحة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، برئاسة جوردان بارديلا، البالغ من العمر 28 عاماً، حصلت على 31.5 في المائة من الأصوات، ما سيمكِّنها من إرسال 30 نائباً إلى البرلمان الأوروبي الجديد. بالمقابل، فإن لائحة حزب النهضة الرئاسي، والحزبين المتحالفين معه: الديمقراطي الوسطي وهورايزون برئاسة إدوارد فيليب، رئيس الوزراء الأسبق وأحد السياسيين الأكثر شعبية، لم تحصل إلا على 14.6 في المائة من الأصوات، ما يتيح لها إرسال 13 نائباً إلى برلمان ستراسبورج الأوروبي.

بالطّبع، هذه النتائج النهائية جاءت بمثابة لطمة غير مسبوقة للرئيس إيمانويل ماكرون الذي بنى صعوده السياسي على مجابهة اليمين المتطرف، وتخطّي الأحزاب التقليدية يميناً ويساراً. وفي الانتخابات الرئاسية الماضية في عام 2022؛ حيث تفوّق على منافسته مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف، أكّد ماكرون أنه لن يألو جهداً في مواجهة اليمين المتطرف الذي عدّه خارج القوس الجمهوري؛ الذي يضمّ الأحزاب الملتزمة بقيم الجمهورية يميناً ويساراً. وبيّنت النتائج أن المشهد السياسي الفرنسي تغيّر جذرياً، فذهب إلى أقصى اليمين. هذه النتيجة لا يمكن مقارنتها بما حصل في دول أوروبية أخرى، نظراً لحجم فرنسا الديموغرافي والسياسي والاقتصادي والاستراتيجي داخل البناء الأوروبي. فرنسا ليست بلجيكا ولا مالطا ولا لوكسمبورغ؛ هي مع ألمانيا دولة مؤسسة ورائدة ومؤثرة في مسيرة الاتحاد.

وبيّنت الأشهر الأخيرة، فيما خصّ الحرب في أوكرانيا، أن ماكرون شكّل القاطرة التي دفعت غالبية عواصم الاتحاد إلى انتهاج سياسة أكثر تشدداً إزاء روسيا، أكان لجهة تمكين القوات الأوكرانية من استهداف الأراضي الروسية بالأسلحة الأوروبية، أو عزمه بناء تحالف يُمكّن كييف من الحصول على طائرات ميراج 2000-5 التي تصنعها شركة داسو للطيران الفرنسية، أو إرسال مدربين عسكريين لتدريب الجيش الأوكراني على الأراضي الأوكرانية نفسها.

ماكرون أخذ يطرح نفسه زعيماً لأوروبا، بعد أن تحوّل من حمامة إلى صقر في تعامله مع الملف الأوكراني. وجاءت الاحتفالات بالذكرى الثمانين لإنزال النورماندي؛ حيث استضاف ما لا يقلّ عن 25 رئيس دولة وحكومة، ثم قمّته مع الرئيس الأمريكي جو بايدن لتجعله رقماً رئيسياً في السياسة الدولية، والمحاور الطبيعي لأمريكا أوروبياً. كل ذلك تبخّر مع إعلان نتائج الانتخابات في الساعة الثامنة من مساء الأحد. التجمع الوطني فرض نفسه بوصفه أول قوة سياسية في فرنسا، ووجد أنه على أعتاب السلطة، بحيث إن السقف الزجاجي الذي كان يمنعه من الوصول إليها تهاوى بشكل جدي في إعادة تشكيل المشهد السياسي على الساحة الفرنسية. ولو أضيف إليه ما حصل عليه حزب إريك زيمور الأكثر تطرفاً منه، لتبين أن أقصى اليمين الشعبوي والقومي المعادي للمهاجرين، والمندّد بفقدان الهوية الأوروبية، وخروج مناطق من فرنسا عن سلطة الدولة وتغلغل الإسلام المتطرف، والسّاعي لسياسة انطوائية وغير المتحمّس للبناء الأوروبي، تحوّل إلى القوة الأكبر؛ حيث يحصل على نحو 40% من الدعم الشعبي. والجديد أنّه يتقدّم في كافة المناطق الفرنسية، ولم يعد محصوراً بالأرياف أو في جنوب وشمال البلاد.

كل ما سبق وقع كالصاعقة على الطبقة السياسية في الداخل، وأرعب كثيراً من القادة الأوروبيين. بيد أن الزلزال السياسي حلّ بعد أقل من ساعة، عندما ظهر الرئيس الفرنسي على شاشات التلفزة، ليعلن حلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة بجولتين في 30 يونيو و7 يوليو. ومنذ تلك اللحظة، صبّت التعليقات كلها في اتجاه واحد: مقامرة غير محسوبة النتائج، جنون، رهان خاسر، فتح أبواب قصور الجمهورية أمام اليمين المتطرف، ماكرون يريد المساكنة مع جوردان بارديلا رئيساً للحكومة التي ستشكل بعد الانتخابات النيابية. وتذكّر الجميع ما حصل عام 1997، عندما حلّ الرئيس جاك شيراك الديغولي البرلمان بعد مرور عامين فقط على انتخابه، لتعطل الحركة في البلاد بسبب إضرابات واضطرابات اجتماعية احتجاجاً على خطط الحكومة الإصلاحية. وجاءت النتيجة بعكس ما اشتهى؛ إذ خسر الانتخابات التي فاز بها الحزب الاشتراكي، ما حمل زعيمه ليونيل جوسبان إلى رئاسة الحكومة؛ حيث أمضى في منصبه 5 سنوات.

في كلمته إلى الفرنسيين، جاء فيها ما حرفيته: إن قرار حل البرلمان خطير وثقيل؛ لكنه يعبِّر عن ثقتي بكم أنتم مواطنيّ الأعزاء، وبقدرة الشعب الفرنسي على الاختيار الصحيح له وللأجيال القادمة، كما أنه يعبِّر عن ثقتي بنظامنا الديمقراطي. وأضاف ماكرون: ليعُد القرار إلى الشعب، وهذا القرار يُعَد (قمة العمل بقيم) الجمهورية. إنه أفضل من أي ترتيبات أخرى. إن زمن توضيح الأمور الضروري قد حان، ولي ثقة بفرنسا التي عرفتْ دوماً المحافظة على وحدتها في الأزمنة الصعبة، والنضال من أجل رسم صورة المستقبل؛ بدل الانطواء والاستسلام أمام كافة الطروحات الديماغوجية. ودعا ماكرون الفرنسيين إلى التوجه بكثافة إلى صناديق الاقتراع، موضحاً أن فرنسا بحاجة لأكثرية واضحة، حتى تعمل في أجواء من الصفاء والوئام. وطرح ماكرون نفسه مدافعاً صلباً عن اتحاد أوروبي قوي وأوروبا مستقلة؛ لأنها مفيدة لفرنسا، ومؤكداً أن تصاعد الطروحات القومية والديماغوجية يُشكّل خطراً بالنسبة لأمتنا، ولكن أيضاً بالنسبة لأوروبا ولموقع فرنسا داخلها وفي العالم.

كل القراءات والتحليلات التي أعقبت قرار ماكرون صبّت في اتجاه واحد: إذا كان رهان الرئيس الفرنسي الذي تنتهي ولايته الثانية في ربيع عام 2027 يقوم على اعتبار أن الانتخابات الجديدة ستوفر له أكثرية برلمانية لم يحصل عليها في انتخابات عام 2022 التشريعية، فإن رهانه خاطئ. والانطباع الذي عبّر عنه كثير من السياسيين أن ماكرون اتّخذ قراراً متسرّعاً؛ لا بل إن مسؤولين سياسيين اعتبروا أنه خضع لطلب بارديلا حلّ البرلمان، بينما أعلنت زعيمة التجمع الوطني أن حزبها جاهز لتسلم قيادة البلاد.

لكن حقيقة الأمر تجافي هذا الانطباع. فقد بيّنت معلومات صحفية -ومنها ما جاء على موقع صحيفة «لوموند» المستقلة، والتي تعد الأكثر رصانة في فرنسا- أن ضربة ماكرون السياسية كانت مجهّزة سلفاً، ومُعدّة لإحداث صدمة نفسية وسياسية لدى الفرنسيين. وحسب الصحيفة المذكورة، فإن خلية ضيّقة كانت تعمل منذ شهور في قصر الإليزيه، لبلورة سيناريو حل البرلمان، من بينها شخصيات مقرّبة من الرئيس اليميني الأسبق نيكولا ساركوزي.

يراهن ماكرون على قدرة الفرنسيين على القيام بالخيار الأفضل لبلادهم في الانتخابات القادمة، ما يعني عملياً أن ينتخبوا مرشحي الأحزاب غير المتطرفة التي تضم -إلى جانب التجمع الوطني- حزب فرنسا الأبية اليساري المتشدد. والخوف الكبير أن يحصل اليمين المتطرف على الأكثرية المطلقة، ما سيُلزم ماكرون باستدعاء جوردان بارديلا إلى تشكيل الحكومة القادمة التي ستحل محل حكومة جبريال أتال، بحيث يكون للسلطة التنفيذية رأسان غير متناغمين. وسبق أن جرّب ذلك في الماضي رئيسان: الاشتراكي فرنسوا ميتران، واليميني جاك شيراك.

بعد وقت قليل من إعلان حل البرلمان، سارع ستيفان سيجورنيه، وزير الخارجية الذي احتفظ -رغم توزيره- برئاسة حزب النهضة، إلى توجيه نداء من أجل حشد كل القوى الجمهورية. ووعد سيجورنيه من سماهم النواب المنتهية ولايتهم في المعسكر الجمهوري بالاستفادة من دعمنا إذا كانوا يوافقون على المشروع المقدم، بحيث لا يرشح حزبه منافسين أمام النواب الذين يقبلون الانضمام إليه. وواضح أن النداء موجّه لحزب الجمهوريين اليميني التقليدي الذي حصل على 7.6% من الأصوات، ما سيُمكّنه من إرسال 6 نواب إلى البرلمان الأوروبي.

يبقى أن الخطر الأكبر عنوانه التجمع الوطني. ومنذ اليوم الأول بعد الانتخابات الأوروبية، ستنطلق استطلاعات الرأي لقياس قدرته على الحصول على الأكثرية المطلقة، بينما كان لديه 88 نائباً في البرلمان المنحل. ونقلت لوموند أن التوقعات تفيد بأن الحد الأقصى الذي قد يصل إليه هو 239 نائباً، بينما الأكثرية المطلقة تفترض الحصول على 289 نائباً.

وباختصار، فإن فرنسا -بعد الزلزال- قادمة على مرحلة من الضبابية والتحولات التي يصعب منذ اليوم التنبؤ بمآلاتها. والثابت فيها -في أي حال- أن طموحات ماكرون في الحصول على الأكثرية بعيدة جداً عن الواقع، وبالتالي فإن أياماً صعبة تنتظره للأعوام الثلاثة المتبقية له في قصر الإليزيه. 

 

سامي الحاج: "أذربيجان ستكون إحدى الدول الرائدة في العالم"

أحدث الأخبار

بيان صحفي: ديمقراطية من؟ برلمان الشباب من أجل أهداف التنمية المستدامة ينظم فعالية في مكتب الأمم المتحدة
16:15 10.10.2024
تركيا تعلن توقيف عميل للموساد
19:00 04.09.2024
منظمات الإغاثة تحذّر من أزمة جوع تاريخية في السودان
18:00 04.09.2024
ممر زانجازور يعكر صفو التحالف الروسي ــ الإيراني
17:30 04.09.2024
فيلادلفيا... رد مصري حاد يزيد الضغط على نتنياهو
17:00 04.09.2024
بزشكيان يتحدث عن حاجة إيران إلى جراحات كثيرة
15:00 04.09.2024
رئاسة كوب 29 تطلق منصة للشفافية لدعم الدول النامية في مواجهة تغير المناخ
14:00 04.09.2024
تضامن خليجي مع مصر ضد استفزازات إسرائيل
13:00 04.09.2024
استقالات بالجملة في أوكرانيا تمهيداً لتعديل وزاري واسع
12:00 04.09.2024
بوتين في منغوليا متحديًا الجنائية الدولية
11:00 04.09.2024
السيسي يزور تركيا في أول زيارة له منذ توليه الحكم في مصر
10:00 04.09.2024
طالبان تطمح إلى الحصول على معدات دفاعية روسية
20:30 03.09.2024
زعماء أفارقة إلى الصين بحثاً عن استثمارات
20:00 03.09.2024
أونروا: تطعيم 87 ألف طفل ضد شلل الأطفال في مخيمات وسط غزة
19:30 03.09.2024
اليابان تحتج بعد دخول سفينة صينية مياهها الإقليمية
19:00 03.09.2024
الشيخة حسينة من رئيسة وزراء بنغلادش الى معضلة دبلوماسية للهند
18:30 03.09.2024
السعودية وقبرص تبحثان تعزيز التعاون في النقل والخدمات اللوجيستية
18:00 03.09.2024
التضخم السنوي في تركيا يسجل تراجعاً كبيراً في أغسطس
17:00 03.09.2024
الأمم المتحدة ستواصل التعامل مع طالبان في أفغانستان
17:00 03.09.2024
فنزويلا تفرج عن عشرات المراهقين الذين اعتقلوا خلال مظاهرات
16:00 03.09.2024
لماذا تشكل مدينة بوكروفسك الأوكرانية أهمية استراتيجية؟
15:00 03.09.2024
ماليزيا ونيوزيلندا تدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة
14:00 03.09.2024
إصابة سفينتين تجاريتين بهجومين قبالة سواحل اليمن
13:00 03.09.2024
ارتفاع بورصات الخليج الرئيسية بفضل آمال خفض الفائدة
12:00 03.09.2024
اتفاقية شاملة للتعاون العسكري بين سوريا وإيران
11:00 03.09.2024
بوتاش التركية اتفقت مع شل على توريد الغاز المسال لمدة 10 سنوات
10:00 03.09.2024
مصر تؤكد لمجلس الأمن رفض السياسات الأحادية الإثيوبية حول سد النهضة
09:16 03.09.2024
روسيا تحيي ذكرى مرور 20 عاما على مجزرة بيسلان
19:00 02.09.2024
بولندا إحياء الذكرى 85 لاندلاع الحرب العالمية الثانية
18:00 02.09.2024
الجيش الصومالي يعلن سيطرته على منطقة هلجن الحدودية مع إثيوبيا
17:30 02.09.2024
إسرائيل تشهد إضراباً شاملاً تضامناً مع أهالي المحتجزين في غزة
17:00 02.09.2024
إيران ترفض تفتيشاً دولياً يتجاوز معاهدة حظر الانتشار
16:30 02.09.2024
قطر للطاقة تشيد مجمعا عالميا لإنتاج سماد اليوريا
16:00 02.09.2024
تأكيد سعودي- قطري على تعزيز العلاقات الثنائية نحو آفاق أرحب
15:30 02.09.2024
خمسة مشاريع ضمن طرق الحرير الجديدة في أفريقيا
15:00 02.09.2024
الرئيس المكسيكي يختتم ولايته بإصلاح قضائي يثير التوتر مع واشنطن
14:00 02.09.2024
التحقيق النهائي في مروحية رئيسي يؤكد سقوطها لسوء الأحوال الجوية
13:00 02.09.2024
الإمارات تهنئ أوزبكستان بذكرى استقلالها
12:00 02.09.2024
مصر ترفض تصريحات رئيس وزراء إثيوبيا بشأن سد النهضة
10:00 02.09.2024
أردوغان يؤكد مضي تركيا قدما في تطوير مشروع القبة الفولاذية
21:00 01.09.2024
جميع الأخبار