أنفقت الولايات المتحدة 19 تريليون دولار على جيشها منذ نهاية الحرب الباردة. ذلك أكثر بمقدار 16 تريليون دولار مما أنفقته الصين، ويعادل ما أنفقته بقية دول العالم مجتمعة خلال الفترة نفسها. ومع ذلك، هناك من يعتقد أن الولايات المتحدة يمكن أن تخسر أي حرب كبيرة، خصوصاً مع الصين. وقبل 3 سنوات، قال الأدميرال فيليب ديفيدسون، الذي كان آنذاك قائد القوات الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إنه في السنوات الست المقبلة، سوف يتفوق الجيش الصيني على جيش الولايات المتحدة وسوف يُغيِّر الوضع الراهن بالقوة في شرق آسيا. وفي عام 2019 قال مسؤول سابق في البنتاجون، إن كل تجارب محاكاة الحروب مع الصين، كانت تؤدي إلى استسلام الجيش الأمريكي. كما خلصت تقارير عدة إلى أنه إذا قررت الصين غزو تايوان، فإن جيشها قادر على شل القوات الأمريكية إذا قررت الوقوف في وجهها، وهو ما حفز تحليلات تتحدث عن أنها نتيجة طبيعية لتراجع واشنطن، وصعود بكين.
غذَّت تلك التقديرات الانقسام وتباين وجهات نظر داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بين مواجهة الصين والانتصار عليها، أو إدارة تنافس معها بطريقة حازمة. وهو ما أدى إلى ظهور تصدّعات، لم تعهدها الولايات المتحدة في علاقتها مع حلفائها وشركائها، سواء في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، أو في غيرها من مناطق التوتر حول العالم.
في المقابل يدافع راش دوشي، المسؤول السابق عن ملف الصين في مجلس الأمن القومي الأمريكي في إدارة بايدن، عن سياسات الرئيس، قائلاً إنها لم تندفع إلى الدبلوماسية مع بكين، بل قلصت الاجتماعات الرفيعة المستوى، وأوقفت مؤقتاً عديداً من الحوارات التي لم تحقق نتائج. وبدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، جرى التركيز على تجديد القوة الأمريكية. وأضاف دوشي أن بكين كانت مقتنعة بأن الولايات المتحدة كانت في حالة انحدار خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، وكشف الرئيس الصيني شي جين بينج عن عبارة لخصت ثقة بكين المتزايدة بهذا الاتجاه: العالم يمر بتغيرات عظيمة لم يسبق لها مثيل منذ قرن من الزمان. ورأى شي أن عزل ترمب للحلفاء والشركاء الأمريكيين، والتعامل غير المنتظم مع جائحة كوفيد- 19 وتجاهل المعايير الديمقراطية، أدلة على أن الشرق ينهض والغرب يتراجع». ولم تنظر بكين إلى ترمب على أنه صارم، بل على أنه لا يمكن التنبؤ به.
حتى الآن، لا يمكن إنكار طموح الرئيس الصيني شي جين بينج إعادة تشكيل العالم. فهو يريد حل شبكة تحالفات واشنطن وتطهير الهيئات الدولية مما يصفها بالقيم الغربية. يريد إسقاط الدولار الأمريكي من قاعدته والقضاء على قبضة واشنطن على التكنولوجيا الحيوية. وفي نظامه الجديد المتعدد الأقطاب، سوف ترتكز المؤسسات والأعراف العالمية على المفاهيم الصينية للأمن المشترك والتنمية الاقتصادية، والقيم الصينية للحقوق السياسية التي تحددها الدولة، والتكنولوجيا الصينية، حيث لن تضطر الصين بعد الآن إلى الكفاح من أجل القيادة، وسيتم ضمان مركزيتها. ولتحقيق ذلك، حدد شي جين بينج تنفيذ أربعة برامج صينية: مبادرة الحزام والطريق، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية. وقد وضعت بكين مبادرة الأمن العالمية كنظام، على حد تعبير عديد من الباحثين الصينيين، لتوفير الحكمة الصينية والحلول الصينية لتعزيز السلام والهدوء العالميين. وتدعو المبادرة، حسب تعبير شي إلى أن ترفض الدول عقلية الحرب الباردة، وتعارض الأحادية، وتقول لا للسياسات الجماعية والمواجهة بين الكتل.