تشهد فرنسا مناورات عسيرة بين الكتل النيابية الثلاث التي تتنازع مقاعد الجمعية الوطنية، في بلد غير معتاد على تشكيل ائتلافات حكومية في ظل نظام انتخابي كان يولّد حتى الآن غالبية برلمانية.
والجمعية الوطنية التي تتكون من 577 مقعدا، مقسومة بصورة رئيسية حاليا بين الجبهة الشعبية الجديدة (تحالف يساري، 190 إلى 195 مقعدا)، يليها المعسكر الرئاسي (وسط اليمين، حوالي 160 مقعدا)، ثم التجمع الوطني اليميني المتطرف وحلفاؤه (143 مقعدا). ويتعين على أي حكومة الحصول على تأييد ما لا يقل عن 289 نائبا، لتكون محصنة ضد مذكرة بحجب الثقة يمكن أن تطيح بها. وما ساهم في هذا الوضع غير المعتاد في فرنسا هو قيام "الجبهة الجمهورية" التي تشكلت في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية، حين اقترب اليمين المتطرف من أبواب السلطة.
وفي هذا السياق، انسحب أكثر من 200 مرشح من معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون ومن اليسار لصالح مرشحين لديهم حظوظ أكبر في قطع الطريق على التجمع الوطني، وفق استراتيجية ناجحة أعطت نتائج خالفت كل التوقعات.
وتعتزم الجبهة الوطنية الجديدة المؤلفة من تحالف فرنسا الأبية (يسار راديكالي) والاشتراكيين والشيوعيين والبيئيين، محاولة الإمساك بالحكم، لكنها لا تملك عددا كافيا من المقاعد. كما أن وجود فرنسا الأبية في صفوفها يطرح مشكلة بسبب مواقف للحزب اعتبرت معادية للسامية، ولا سيما في سياق دفاعه عن القضية الفلسطينية بعد هجوم حركة حماس غير المسبوق على مستوطنات إسرائيلية في 7 أكتوبر والحرب الإسرائيلية المدمرة التي تلته في قطاع غزة. ويثير زعيم الحزب نفسه جان لوك ميلانشون انقسامات، وهو مرفوض من العديدين حتى في صفوف اليسار نفسه.
ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا تعتمد نظام النسبية في الانتخابات ما يقود إلى برلمان من توجهات مختلفة، تنتخب الجمعية الوطنية الفرنسية بالنظام الأكثريّ في دورتين. وعملا بهذا النظام، يفوز المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات في الدورة الثانية، ما كان مؤاتيا لفترة طويلة لمشهد سياسي مؤلف من كتلتين يسارية ويمينية، قبل بروز الوسطيين الماكرونيين وصعود اليمين المتطرف.
تبدو الأحزاب في مأزق، ويسعى قادتها لتصفية الشركاء المحتملين أكثر مما يحاولون إيجاد أرضية مشتركة. وفي هذا السياق من المناورات، قلما تم التطرق إلى البرامج السياسية بحد ذاتها.