لا يزال المشهد السياسي في فرنسا غامضا بعد أكثر من أسبوع عن إعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي فاز فيها ائتلاف اليسار من دون حصوله على الأغلبية. فلا حكومة في الأفق ولا اسما لترأس هذه الحكومة. لكن بوادر الانشقاق باتت جلية في صفوف الجبهة الشعبية الجديدة التي لم تتمكن من اقتراح اسم توافقي ينهي الأزمة. والصراعات التي اندلعت بين الأحزاب الفرنسية بخصوص اسم رئيس الجمعية الوطنية المقبل لم تزد سوى الطين بلة.
وبينما اقترح كل من حزب البيئة (الخضر) والحزب الشيوعي الفرنسي اسم رئيسة مقاطعة "لا رينيون" أوجيت بيلو، القريبة من حزب فرنسا الأبية، لتولي منصب رئيسة الوزراء، نشرت هذه الأخيرة بيانا أعلنت فيه رفضها تولي المنصب بسبب الخلافات السائدة بين الأحزاب المكونة للجبهة الشعبية الجديدة. وقال بومبار في حوار مع قناة "بي إيف إم تي في" الفرنسية "سكرتير الحزب الاشتراكي أوليفييه فور كان قد أعلن سابقا بأن الحزب الذي سيفوز بعدد أكبر من المقاعد في الجبهة الشعبية الجديدة هو الذي سيقترح اسم رئيس الوزراء. كان ذلك بمثابة مبدأ. لكن ألاحظ اليوم أنه غير مواقفه وبدأ يعيد النظر في جميع ما قاله وفي جميع الاقتراحات التي قدمناها.
وأجاب فور أن مسألة تعيين رئيس وزراء ليست قضية شخصية بالنسبة له، مشيرا أنه لا يوجد هناك شيء تمت عرقلته. وترشيح أوجيت بيلو له معنى ودلالة بالنسبة لي. أنا أيضا أملك دما مختلطا (والدة أوليفييه فور فيتنامية) وبدأت حياتي في جزيرة لارينيون. وأضاف: لكن الاشتراكيين يعتبرون بأن الحزب الذي فاز بالانتخابات الأوروبية هو الحزب الاشتراكي وأن الحزب الذي طور نتائجه وأظهر ديناميكية انتخابية قوية خلال الانتخابات التشريعية هو أيضا الحزب الاشتراكي.
من ناحيتها، أعلنت مانو أوبرى، زعيمة كتلة فرنسا الأبية في البرلمان الأوروبي بأنها لا تتفهم الأسباب التي جعلت الحزب الاشتراكي يعرقل مسار تعيين أوجيت بيلو في منصب رئيسة الحكومة، مشيرة بأن الهاجس الوحيد لدى الحزب الاشتراكي يكمن فقط في تعيين أوليفييه فور رئيسا للحكومة. ويأتي تبادل الاتهامات هذا في وقت تعيش فرنسا فراغا سياسيا وقبل يوم واحد فقط من دخول النواب الجدد إلى الجمعية الوطنية والإعلان عن تشكيل الكتل الحزبية التي ستنشط داخل هذه الجمعية. كما سيتم أيضا الخميس انتخاب رئيس الجمعية الوطنية. وثمة أسماء عديدة أعلنت ترشحها لتولي هذا المنصب الإستراتيجي وفي مقدمتهم رئيسة الجمعية السابقة ياييل برون بيفيه التي أعلنت عن ترشحها بشكل رسمي بحكم خبرتها في هذا المنصب.
وقالت ياييل برون بيفيه في حوار مع وسائل إعلام فرنسية: طبعا هذا ما أتمناه. لكن يجب قبل كل شيء أن أتكلم مع حزبي ومع نواب الأغلبية. لقد توليت هذا المنصب في وقت تراجع فيه دور النساء في ميدان السياسة. وفي حال انتخب رجل في هذا المنصب، فهذا سيكون بمثابة رسالة سيئة للنساء. وإضافة إلى رئيسة الجمعية الفرنسية السابقة، عدد كبير من النواب أظهروا رغبتهم في تولي هذا المنصب. على غرار لوران فوكييز من حزب "الجمهوريون" و شارل دو كورسون من نفس الحزب.
في معسكر اليسار، أعلنت ساندرين روسي من حزب البيئة (الخضر) عن ترشحها لنيل منصب رئيسة الجمعية الوطنية فيما يدور الحديث أيضا عن النائب من الحزب الاشتراكي بوريس فالو. أما في صفوف التجمع الوطني اليميني المتطرف فهناك إمكانية أن يرشح سيباستيان شونو نفسه لمنصب رئيس الجمعية بعدما كان نائبا لها في العهدة السابقة. وتحاول عدة شخصيات من اليمين أمثال وزير الداخلية جيرالد درمانان إحداث انشقاقات في صفوف الجبهة الشعبية الجديدة بالقول بأن التحالف الرئاسي مستعد للعمل مع الحزب الاشتراكي والشيوعي والخضر في حال قطعوا الحبل مع فرنسا الأبية. لكن زعيم الحزب الاشتراكي أوليفييه فور رد عليه قائلا: الجبهة الشعبية الجديدة جاءت في المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية. على الرئيس أن يدعو هذه الجبهة إلى تشكيل حكومة وممارسة السلطة لا أكثر ولا أقل.
وفي انتظار أن تتضح الصورة السياسية الفرنسية، دعا الرئيس ماكرون إلى عقد اجتماع مع بعض المسؤولين في التحالف الرئاسي لكي يقدم لهم التعليمات التي قد يتبعونها خلال عملية التصويت على رئيس أو رئيسة الجمعية الوطنية الجديدة. كما يتوقع أن يقبل استقالة رئيس الحكومة جابرييل أتال الذي عين رسميا رئيسا لكتلة حزب النهضة الذي أسسه ماكرون.