فعاليات مصرية كثيرة وجهود مكثفة انطلقت منذ مطلع سبتمبر الجاري وتستمر حتى منتصف أكتوبر المقبل في كل المحافظات المصرية تقريبا، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، للاحتفال بمرور قرنين على فك رموز حجر رشيد، الذي كان نقطة تحول بالنسبة لمصر بشكل خاص وللتراث الإنساني العالمي أجمع.
فمع إعلان العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبوليون في 27 سبتمبر 1822، بعد 23 عاما من المحاولات، نجاحه في فك رموز الحجر أخيرا، استطاع العلماء التأسيس لعلم المصريات لفهم تاريخ مصر الفرعونية، وحضارتها الممتدة لأكثر من سبعة آلاف سنة.
وحتى هذ التاريخ، كانت اللغة المصرية القديمة ليست سوى نقوش ورسوم مبهمة فى البرديات وعلى جدران المعابد والمسلات، لا يستطيع أحد فك طلاسمها الغامضة، على اعتبار أنها لغة قديمة طالها الاندثار، لا يتحدثها أو يكتبها أحد في مصر الحديثة.
الحجر اكتشفه جنود نابليون بونابرت عام 1799، خلال حملتهم العسكرية على مصر، بالقرب من مدينة رشيد. وعلى الفور عمل علماء الحملة الذين جلبهم معه نابليون إلى مصر، على فك رموز الحجر، التي تبين فيما بعد أنها تنتمي لثلاث لغات قديمة مختلفة، هي الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية القديمة.
الحجر يحمل رسالة شكر تعود لعام 196 قبل الميلاد، وكانت موجهة حينها من كهنة مصر للملك بطليموس الخامس لكرمه مع الشعب المصري. ولأن الملك كان يونانيا مقدونيا لا يجيد الهيروغليفية، نسخ الكهنة رسالتهم إليه باللغات الثلاث.
ومع كل هذه الأهمية التي يضطلع بها هذا الحجر بالنسبة لعلم المصريات وتاريخ مصر بأجمعه، فإن حجر رشيد غير موجود في مصر. فقد بات معروضاً منذ قرنين في المتحف البريطاني بلندن، بعدما سلمه الفرنسيون للبريطانيين عام 1801 بموجب اتفاقية بين الجانبين، عندما تمكنت بريطانيا من دخول مصر وهزيمة جيش نابليون.
لكن حجر رشيد - رغم وجوده في قارة أخرى - لم يغب يوما عن الضمير المصري، ويبدو أن هذا كان مبعثا للمطالبة في استعادته في ضوء احتفال الأوساط الثقافية والشعبية المصرية بمائتي عام على فك رموزه، باعتباره من أبرز وأهم رموز الحضارة المصرية القديمة الموجودة خارج البلاد.
تعليقاً على هذه الأهمية يقول الدكتور أحمد رجب، عميد كلية الآثار في جامعة القاهرة، في حوار مع DW عربية إن "حجر رشيد من أهم القطع الأثرية الموجودة بالخارج، التي يجب أن تعود لمصر. أهميته تكمن في رمزيته للغة المصرية القديمة وللهوية المصرية ككل". ويوضح رجب أن فك رموز الحجر كان الدليل الذي فتح الباب على مصراعيه لاحقا لفهم تاريخ مصر القديمة، وحل الكثير من ألغازها، التي لاتزال تبهر العالم حتى اليوم.