التحولات التركية.. الشعب فى صلب دينامية التغيير

مجتمع 10:30 15.04.2024

أهم العوامل التى تسهم فى إحداث تغيير اجتماعى -قوى ومتين- فى تركيا، هذا التغيير الذى يجسد نفسه فى العديد من المناسبات، وأهمها الانتخابات البلدية الأخيرة، التى فرض فيها الشعب رأيه، معلنا انتقاده لأداء وسياسات السلطة الحاكمة، بقيادة أردوغان.. تركيا بلد التحولات والتفاعلات والتناقضات والمفارقات. هى مزيجٌ من كلّ شىء، من الشّرق والغرب، من الإسلام والمسيحية، من الدين والعلمانية، من الديكتاتورية والديمقراطية، من حب فلسطين والتودد لإسرائيل.

     انقضى قرن على قيام الجمهورية التى ثبت دعائمها مصطفى كمال. صحيح أن مصطفى كمال استطاع شقّ المسار العام لتلك الدولة، لكنه لم يحد بشكل مطلق عن روح السياسة العثمانية ومؤسساتها التى سبقته، بل بنى عليها، وصبغها بلون الجمهورية الجديدة.

     من يظن بانقطاع كامل ما بين العثمانية والكمالية، على الأرجح لم يقرأ التاريخ، تمامًا كمن يعتقد بأن الأردوغانية تُمثّل انقطاعًا تامًا عن الكمالية. هناك سياقات وتراكمات تاريخية؛ الثابت فيها هو السعى للنهوض بتركيا إلى مصافى الدول القوية، أما المتغير فيتصل بالأدوات والوسائل والأولويات.. والوجوه طبعًا.

      يتكلم هاينتس كرامر فى كتابه «تركيا المتغيّرة تبحث عن ثوب جديد» عن ثلاثة عوامل مترابطة ذات تأثير حاسم فى مسار عملية التغيير الاجتماعى: التنمية الاقتصادية أولا، الريادة السياسية ثانيًا، والتحديث الإيديولوجى ثالثًا.

     فمنذ أواسط خمسينيات القرن الماضى، تمكنت تركيا مُعتمدة على سلسلة من الخطط التنموية الليبرالية والدولية ذات الدوافع السياسية، من أن تُصبح اقتصادًا صناعيًا متنوعًا، وفى سبيل ضمان استمرار نموّها الاقتصادى اضطرّت تركيا إلى بذل جهود جبّارة لزيادة وارداتها من الطاقة. أما فى عقد الثمانينيات الماضية، أى فى عهد رئيس الوزراء توروت أوزال، ونتيجة لخطط اللبرلة الاقتصادية السائدة، حقّق الاقتصاد التّركى نجاحًا ملحوظًا على صعيد قدرته التنافسية على المستوى العالمى فى ميادين الإنشاءات والنسيج والملبوسات وتصنيع الأدوات المنزلية. وقد استمر ازدهار الصادرات التركية فى التسعينيات، ثم جاءت الألفية الجديدة مع وصول حزب العدالة والتنمية ليشهد الاقتصاد التركى انفجارًا حقيقيًا بمعناه الإيجابى، وذلك بموازاة تجديد البنية التحتية للبلاد.

     الهدف هنا هو القول بأن التحولات الاقتصادية كانت تترافق مع تحولات سياسية واجتماعية. هذا التحول الاقتصادى كان من الضرورى أن يرفده توسيع هامش الحريات والعملية السياسية الداخلية نتيجة انفتاح السوق العالمى على البلاد، وتطور وسائل النقل والاتصالات والخدمات، ومهما حاول الجيش ضبط إيقاع العملية السياسية، غير أن تبعات تدخلاته كانت ترتد سلبًا على سطوته وقوته. فقيادة الجيش، كما يشرح كرامر، لم تنجح قط فى إحداث تغيير جذرى فى النظام السياسى الذى أثبتت ديناميته الداخلية المتأصلة قدرة أسطوريّة على الثبات والاستمرار.

     فبعد انقلاب عام 1960 ازداد الانقسام السياسى حدة، خاصة مع صعود تيار اليسار، ثم بعد انقلاب عام 1971 صعد التيار الإسلامى، أما بعد انقلاب عام 1980 فقد انفتحت البلاد بقوّة على الخارج بفعل التحول الليبرالى، ثم جاء انقلاب عام 1997 على الإسلام السياسى ليعود بزخم أكبر عام 2002، أمّا انقلاب عام 2016 فقد أدى إلى تحول جذرى على صعيد موازين القوى المحلية داخل النظام السياسى التركى.

      حين أفضت لبرلة الاقتصاد التركى وتدويله فى الربع الأخير من العقد الماضى، إلى قدر أكبر من اللامساواة الاجتماعية، وإلى هجرة متنامية من الأرياف إلى أطراف المدن، كانت قوى الإسلام السياسى سبّاقة فى احتضان ورعاية الخاسرين فى عملية التحديث، وكان حزب الرّفاه هو الطرف الرّابح سياسيًا. ذلك أن الوافدين الجدد إلى المدينة من أهل الريف التركى، هم عادة أكثر التزامًا بالعادات والتقاليد التى يشكل الدّين أحد أهم أعمدتها، إضافة إلى أن تمركز الحضور العلمانى غالبًا ما يكون فى المدن، وإن لامس الأرياف فإنه يصل ضعيفًا. كما أن شعارات العدالة والنزاهة التى رفعها حزب الرفاه الإسلامى، مقابل الأحزاب التقليدية التى تآكلت سمعتها جرّاء الفساد حينها، دفعت الجمهور للتوجه نحو تجربة حزب جديد لم يكن قد تلطخ بمثالب السلطة بعد.

      هناك عامل حاسم مهّد الطريق أمام صعود التيار الإسلامى وهيمنته بشكل تدريجى على المشهد السياسى فى تركيا، هو برنامج التربية والتعليم. فخلال فترة الستينيات، سعى أعضاء “حوزة إسكندر باشا” العائدة للطريقة النقشبندية، بزعامة شيخهم ميمت قوتقو، من أجل التسلل إلى وزارتى التعليم والداخلية.

      كانت عملية ضم المنظمات الإسلامية إلى النظام السياسى فعّالةً عن طريق توحيد أحزاب يمين الوسط، والجماعات الإسلامية، وقيادة الجيش، فى الحرب ضد اليساريين والشيوعيين الذين كانوا يُعتبرون "خطرًا جديًا يُهدّد النظام الجمهوري" فى عقدى الستينيات والسبعينيات، وهو الأمر الذى أفضى مع بداية الثمانينيات إلى مرحلة جديدة فى عملية التفاعل بين سياسة الدولة الرسمية والإسلام، والتى يُطلق عليها كرامر عمليّة "أسلمة النزعة العلمانية".

     فعملية "الأسلمة" الزّاحفة كانت قد تمّت فى ظل نجم الدين أربكان، حين اشترك حزب الخلاص القومى تحت قيادته فى حكومات الجبهة القومية الائتلافيّة بزعامة سليمان ديميريل خلال النصف الثانى من عقد السبعينيات، والذى بنتيجته تم تقسيم المؤسسات العامة وفقًا للأفضليات الحزبية، حيث استطاع حزب نجم الدين أربكان من خلال موظفين سبق أن غُرسوا فى مؤسسات النظام، من توجيه نظام التعليم فى تركيا نحو إيلاء المزيد من الاهتمام للدّين، وهو مسار بدأ مع توسيع التعليم الدينى منذ مطلع خمسينيات القرن الماضى وبلغ ذروته مع دستور عام 1982 الذى جعل تعليم الإسلام إلزاميا فى المدارس من الابتدائية إلى الثانوية. والملفت للانتباه خلال تلك الفترة، خاصة منذ أوائل عقد التسعينيات، أنّ فتح الله جولن وأتباعه أصبحوا أبرز الممثلين الإسلاميين للتركيبة التركيّة الإسلامية، وحققوا سمعة واسعة بوصفهم قوّة إسلاميّة معتدلة معارضة لحزب الرّفاه الأكثر أصالة ووضوحا.

      كثر من لبنان والعرب شعروا بالخذلان العميق من موقف حزب العدالة والتنمية تجاه مظلومية الشعب الفلسطينى، خاصّة لجهة تناقض الخطاب الشعبوى مع المسار المادى والواقعى فى العلاقة مع الكيان الإسرائيلى. لكن إعادة التفكير بالخطاب الرسمى والشعارات الشعبوية قد تمنح البعض أملًا فى المستقبل القادم، وهذا ما يمكن استشرافه ربّما من باب الإيجابيّة والتفاؤل. أحيانًا أنت ترفع شعارات كبيرة وعميقة، لكنّ سلوكك يكون تمامًا على النقيض منها، غير أن بناء أجيال جديدة ومتتالية تكبر على سماع هذه الخطابات سيحولها مع الزمن إلى مبادئ ثابتة وراسخة وقوية.

      فمثلا، رفع أتاتورك شعار الحرية والديمقراطية وأحدث انقلابا جذريا فى فهم الفرد التركى لمكانته الذاتية وتحرره من المقدسات التى نشأ تاريخيًا عليها، على اعتباره تابعًا لسلطة السّلطان (مرّة جديدة، كان برنامج التربية والتعليم أساس هذا التحول)، مع كونه قد أصبح بعد فترة وجيزة جدًا من وصوله إلى رأس السلطة متفردا بالقيادة، وراح يتخلّص حتى من أقرب أصدقائه الذى خاضوا معركة التحرّر معه. لكنّ الديناميات التى أطلقها أتاتورك فى المجتمع، سياسيا وثقافيا، تحولت مع مرور الزمن من مجرد شعارات جذابة رنانة إلى حقوق مقدسة لا يجوز المس بها.

     ما يزيد هذه الفكرة مقبولية ومعقولية، هو وجود إرادة شعبية فاعلة ومؤثّرة فى تركيا، تُبرهن عن نفسها فى الكثير من المناسبات وأهمها الانتخابات، ولذلك يمكن التعويل على أهمية خلق جوٍ عامٍ معاد لسياسة الولايات المتحدة الأميركيّة الاستكبارية وربيبتها إسرائيل، على عكس بعض الأنظمة “اللاديموقراطيّة” والمتسلطة، التى استطاعت بطرفة عين، أن تقلب العداء الشكلى للصهاينة إلى تحالف وثيق! أحيانا تطلق فكرة أو تُنفذ عملا لهدف ما، لكن هذه الفكرة أو العمل، قد تبقى لفترة أطول بكثير من صاحبها إذا كانت قوية ومتينة، ثم تتأقلم مع دورها الجديد بمرور الزمن.

      فكرة العداء لظلم الكيان الصهيونى قوية ومتينة، وسياسة السعى نحو الاستقلالية السياسية والعسكرية والاقتصادية ستعطى تركيا هامشا من الحرية أوسع، كما ستدفع نحو تحوّلات داخلية جديدة، تحديدًا كما حدث فى الانتخابات البلديّة الأخيرة، حيث أجبر الجمهور الحزب الحاكم على إعادة تقييم موقفه وأدائه من الحرب على غزّة، لذلك، فإن المتوقع هو أن يتغير أداء الدولة التركية مع القادم من الأيام، من الخطاب إلى الفعل، ولو أن التأخر على مدى ستة أشهر من حرب غزة كان مكلفًا جدًا لأردوغان وحزبه.

 

انطلاق أعمال المنتدى العالمي السادس للحوار بين الثقافات في أذربيجان

أحدث الأخبار

قفزة هائلة في أرباح هواوي مع استمرار تعافيها من العقوبات الأمريكية
20:00 01.05.2024
أول مدينة ذات أغلبية عربية في الولايات المتحدة
19:00 01.05.2024
إندونيسيا تتطلع لبيع 50 ألف سيارة كهربائية خلال عام 2024
18:00 01.05.2024
علييف يستقبل رئيس البرلمان العراقي
16:58 01.05.2024
هل سيتم توقيع اتفاقية سلام بين أذربيجان وأرمينيا؟
16:17 01.05.2024
خبير سياسي : تركيا تحاول الإرهاب منذ فترة طويلة
16:06 01.05.2024
لبنان يحذّر من خطورة التشويش الإسرائيلي على الملاحة الجوية
15:00 01.05.2024
مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة تكرم موظفي صحيفة "يني تارتار"
14:26 01.05.2024
فلسطين تحذّر من "النكبة" وتوابعها على السلام بين مصر وإسرائيل
14:00 01.05.2024
ما هو الموضوع الرئيسي لقمة المناخ 29 ؟
ما هو الموضوع الرئيسي لقمة المناخ 29 ؟
13:47 01.05.2024
صندوق النقد يرفع توقعاته لنمو اقتصاد آسيا للعام الجاري
13:16 01.05.2024
سفير أذربيجان بالدوحة يتحدث عن أهمية منتدي التعاون العربي مع آسيا الوسطي وأذربيجان
13:00 01.05.2024
معدلات الجوع في إفريقيا الأعلى في العالم رغم وفرة الموارد
12:30 01.05.2024
علييف : أذربيجان كانت موطن التقاء الثقافات المختلفة لعدة قرون
12:16 01.05.2024
ما تأثير اجتماع كازاخستان علي عملية السلام بين أذربيجان وأرمينيا؟
12:00 01.05.2024
علييف: الفصائل العرقية المختلفة تعيش في أذربيجان في سلام
11:25 01.05.2024
رواد فضاء صينيون يعودون بعد 6 أشهر في المحطة الفضائية الصينية
11:17 01.05.2024
موسكو تصف واشنطن بـالمنافقة لمعارضتها تحقيق الجنائية الدولية حول إسرائيل
11:00 01.05.2024
انطلاق أعمال المنتدى العالمي السادس للحوار بين الثقافات في أذربيجان
10:35 01.05.2024
إيطاليا تتعهد بدعم قوارب الشرطة الإثيوبية المسئولة عن تأمين سد النهضة
10:15 01.05.2024
إنشاء مصنع صيني للحديد باقتصادية قناة السويس
10:00 01.05.2024
انتهاء الدورة الثالثة لمنتدى التعاون العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان
09:45 01.05.2024
اللغم القافز المستخدم ضد قوات الاحتلال بغزة
09:30 01.05.2024
الأونروا تؤكد أن المساعدات الإنسانية لغزة زادت لكنها غير كافية لتجنب المجاعة
09:15 01.05.2024
اجتماع عربي إسلامي- أوروبي يبحث الاعتراف بدولة فلسطين
09:00 01.05.2024
بيان الدوحة يدعم عملية التطبيع بين أذربيجان وأرمينيا
17:00 30.04.2024
بيراموف: أذربيجان تؤيد إجراء محادثات سلام ثنائية ومباشرة مع أرمينيا
16:17 30.04.2024
6 قتلى إثر هجوم مسلح على مسجد في أفغانستان
16:00 30.04.2024
أذربيجان ومشروع طريق الحرير الجديد
15:30 30.04.2024
ميرزايف : الانفصالية الأرمنية اصبحت معرفة للعالم أجمع
15:00 30.04.2024
بيراموف يجتمع مع وزير الخارجية القطري
14:00 30.04.2024
علييف يستقبل رئيس معهد مسلم الباكستاني
13:40 30.04.2024
وفد كوري شمالي يزور طهران لحضور معرض تجاري
13:00 30.04.2024
مقتل جنديين إسرائيليين في غزة يرتفع الإجمالي إلى 263
12:30 30.04.2024
إدعاء أرميني جديد ضد أذربيجان
12:18 30.04.2024
كازاخستان تسعي لإقرار قانون للحد من العنف المنزلي
12:00 30.04.2024
قطر للطاقة توقع عقداً بستة مليارات دولار مع مؤسسة الصين الحكومية لبناء السفن
11:45 30.04.2024
طلاب مؤيدون للفلسطينيين يرفضون إخلاء خيمهم في جامعة كولومبيا
11:30 30.04.2024
رئيس الأركان المصري أول مسؤول عسكري رفيع يزور تركيا منذ 2013
11:16 30.04.2024
حمزة يوسف يعلن استقالته من رئاسة الحكومة الاسكتلندية
11:00 30.04.2024
جميع الأخبار