بسبب اشتداد مظاهر الاحترار المناخي، يصادف موسم الحج هذه السنة ارتفاعا مهولا في درجات الحرارة. ومن مشعل منى إلى صعيد عرفات. يقيم الحجاج في خيام مُكيّفة فيما تنتشر أجهزة رذاذ الماء ويوزع متطوعون زجاجات المياه الباردة. والعام الماضي، أدى 1,8 مليون شخص الحج، بحسب الأرقام الرسمية. ووصلت درجة الحرارة إلى 48 درجة مئوية في يوم عرفات ما أصاب الكثير من الحجاج بالإعياء الشديد.
تقام مناسك الحج الموسم الجاري وغالبيتها في الهواء الطلق، في أجواء صحراوية شديدة الحرارة. ومن أجل الحد من تداعيات ذلك، تعمل السلطات السعودية على زيادة الإجراءات لمساعدة الحجاج في مكة للتغلب على الحر الشديد، من مكيفات الهواء إلى طلاء الأرضيات، لكن الاحترار المناخي يهدد بتغيير الوضع، وفق ما يحذر علماء.
لا شك أن التدابير التي اتخذت في الأماكن المقدسة في السنوات الأخيرة لها علاقة أيضا بذلك. فحول الكعبة، باتت المساحات المكيفة الآن تسمح للحجاج بالانتعاش، في حين أن الطريق بين الصفا والمروة، تُسلك الآن من طريق داخلية مغلقة. ومنذ العام الماضي، غطيت أيضا الطرقات التي يستخدمها المصلون بمادة بيضاء، ما يخفض درجة حرارة الأسفلت بنسبة 20 في المئة، بحسب السلطات. يضاف إلى ذلك، المرشات المثبتة في الساحة المركزية، وتوزيع المياه والمظلات، والنصائح التي يقدمها المتطوعون الشباب، ومراكز التسوق التي لا تعد ولا تحصى والتي تسمح للحجاج بالاسترخاء بين صلاتين.
لكن في محيط مكة، لا تزال الشعائر الأساسية من الحج، كالصلاة على جبل عرفات السبت، تقام في الهواء الطلق، تحت شمس حارقة وحرارة يتوقع أن تبلغ حوالي 44 درجة مئوية هذا العام. ووفقا للعلماء، فإن درجات الحرارة المرتفعة بشكل متزايد هي علامة لا لبس فيها على ظاهرة الاحترار المناخي.
ويعد الحج الكبير ماراثونا حقيقيا يتم على مدى أيام عدة، كما يقول المتحدث باسم وزارة الصحة السعودية محمد العبد العالي. ويشير إلى أن الحجاج، وخصوصا الأكثر هشاشة، قد يتعرضون للإجهاد الحراري أو لضربة شمس، وهذا أمر خطير. ويلفت إلى أنه تم تسجيل أكثر من عشرة آلاف حالة من الأمراض المرتبطة بالحر العام الماضي أثناء الحج، بما في ذلك 10% من ضربات الشمس، وهي أخطر أشكالها. ويضيف أن هناك وفيات لكنها كانت محدودة، بفضل التدخلات السريعة للطواقم الطبية وخبرتها التي اكتسبتها على مدى عقود.
تاريخيا، ارتبطت المواسم الحارة دائما بحالات إجهاد حراري عدة، بحسب ما تؤكد دراسة أجراها مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، ونشرت في مايو الماضي، والتي تشير إلى وفاة ألف حاج عام 1987 بسبب الحرارة. لكن على مدى السنوات الأربعين الماضية، وبفضل تدابير التخفيف، انخفضت حالات الإجهاد الحراري بنسبة 74,6%، ومعدل وفيات هذه الحالات بنسبة 47,6%، بحسب الدراسة نفسها. ورغم ذلك، يؤكد الباحثون السعوديون أن الحرارة في مكة ترتفع بمقدار 0,4 درجة مئوية كل عقد، وأن هذا الاحترار الاستثنائي، الناجم بشكل رئيسي عن الوقود الأحفوري، لا يمكن تخفيفه بالاستراتيجيات المعتمدة.