حققت المملكة العربية السعودية إنجازاً كبيراً بفوزها بتنظيم كأس العالم لأندية كرة القدم 2023. لكن طموحاتها في هذا المجال أكبر بكثير. فالمملكة الخليجية الثرية ترغب في تنظيم كأس العالم على أرضها في 2030 . وربما تكون مدفوعة في ذلك بالنجاح الذي حققته قطر في تنظيم البطولة التي وضعتها بقوة على الساحة العالمية رياضياً وسياسياً وإعلامياً.
ويرى البعض أنه من غير المرجح أن يوافق الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" (FIFA) على إقامة بطولة كأس العالم مرة أخرى في شبه الجزيرة العربية بعد ثماني سنوات فقط من إقامتها في دولة عربية خليجية. لهذا السبب يسعى المسؤولون في الرياض إلى تقديم عرض مشترك مع مصر واليونان. وهناك قناعة بأن الجمع بين ثلاث دول من ثلاث قارات ربما يزيد من فرص الفوز بالتنظيم.
ويشير موقع "بوليتيكو" إلى أن السعودية عرضت دفع تكاليف إنشاء الملاعب الجديدة في اليونان ومصر إذا ما وافقتا على التعاون معها لاستضافة كأس العالم 2030، وفي المقابل يحصل السعوديون على ثلاثة أرباع مباريات البطولة لتقام على أرضهم، وأن هذا الأمر قد تمت مناقشته بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في صيف عام 2022.
وبحسب موقع بوليتيكو، فإن العرض السعودي يتوقع أن يُغذي الانتقادات بأن المملكة النفطية تحاول بشكل فعال استخدام ثروتها الطائلة لشراء كأس العالم من خلال إنشاء تحالف عابر للقارات للاستفادة بذكاء من نظام التصويت.
وسيكون الفوز بتنظيم كأس العالم تتويجًا لاستراتيجية السعودية الطموحة للسيطرة على الأحداث الرياضية الكبرى، إذ فازت بحقوق استضافة مباريات بطولة العالم للملاكمة وعدد من مباريات كرة القدم الأوروبية وسباق الفورمولا 1 للسيارات وبطولات دولية للغولف، كما اشترى صندوق الاستثمارات العامة في المملكة ناديًا إنجليزياً بارزًا لكرة القدم (نيوكاسل يونايتد)، وتستضيف البلاد كأس آسيا لكرة القدم لأول مرة في عام 2027.
عندما سألته DW، أكد وزير الرياضة اليوناني ليفتيريس أفغيناكيس وجود محادثات بين الدول الثلاث بشأن العرض المشترك، لكنه أبقى الأمر غامضًا إلى حد ما فقال: "المحادثات لا تزال في مرحلة مبكرة من دراسة احتمالات تقديم عرض مشترك".
بالنسبة لعشاق كرة القدم في اليونان، يبدو الأمر وكأنه أشبه بالحلم. فاستضافة بلادهم جانباً من مباريات كأس العالم هو أمر يثير النشوة لدى الكثيرين، ومع ذلك، فإن المتطلبات المسبقة للقيام بذلك قد تجعل الصورة أكثر قتامة.
في الوقت الحالي، ربما يوجد ملعب واحد فقط في البلد بأكمله مناسب بشكل تام لاستضافة كأس العالم وهو الملعب الأولمبي الذي أقيم في عام 2004. وفي هذه الأثناء يقوم ناديا "باناثينايكوس" و "باوك" ببناء ملاعب جديدة، ولكن كما يبدو ستكون صغيرة للغاية، في الوقت الذي تنص فيه قوانين الفيفا على ضرورة ألا تقل سعة أي ستاد يستضيف مباريات البطولة عن 40.000 مقعد كحد أدنى.
ومن أجل تحقيق حلم تنظيم كأس العالم، فإن اليونان تحتاج إلى الكثير من الاستثمارات في البنية التحتية. في هذا التوقيت يأتي عرض وصفه البعض بــ "غير الأخلاقي"، فوفقًا لتقارير وسائل إعلام، وافقت المملكة العربية السعودية على تغطية جميع تكاليف بناء وتطوير البنية التحتية، وأن وزير الرياضة أفغيناكيس قد أدرك أهمية هذا العرض "السخي" في هذا التوقيت.
ويرى البعض أن الوزير اليوناني لن يعترض أبداً على ضخ الأموال لبناء ملعب كبير في هيراكليون، وهي دائرته الانتخابية.
وكان وزير الرياضة المصري أشرف صبحي قد صرح سابقاً بأن قدرات بلاده تسمح بتنظيم مثل هذه البطولات الكبرى في يوم من الأيام. وأكد الوزير سعي مصر لاستضافة أحد نسخ كأس العالم المقبلة إضافة إلى أولمبياد 2036:
ويمكن فهم طبيعة الطموحات المصرية الرياضية الكبيرة بالنظر إلى منطقة تقع على بعد 50 كيلومتراً شرقي القاهرة حيث يتم بناء العاصمة الإدارية الجديدة. وتتضمن تلك المساحة الكبيرة المخصصة للفعاليات الرياضية مجمعًا رياضيًا تأمل مصر أن يمنحها فرصة لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية في عام 2036. وتبلغ سعة الملعب شبه المكتمل نحو 94000 متفرج، مما يجعله ثاني أكبر ملعب في القارة الأفريقية.
لكن على المستوى الاقتصادي، تعاني مصر بشدة خصوصاً مع التضخم المتزايد وانخفاض قيمة الجنيه المصري، فيما تتطلب المشاركة في تنظيم البطولة الدولية نفقات ضخمة للغاية قد تضيف المزيد من المصاعب إلى الاقتصاد المصري.
لكن العقبة الأكبر أمام محاولة استضافة كأس العالم ليست تنظيمية، وإنما قد تكون كرامة المصريين وصورتهم الذاتية التي قد يرى البعض أنها ربما تتضرر كثيراً إذا ما ظهرت بصورة التابع للسعودية، الذي يستضيف مجرد بضع مباريات، فيما يذهب الفخر بأكمله للسعودية.
هناك أيضًا تحفظات في اليونان في هذا التوقيت حيال الحديث بشكل مفتوح عن الملف. ويرى خبراء أن السبب في ذلك هو أن حكومة كيرياكوس ميتسوتاكيس تريد عن عمد إبقاء المباحثات حول المشاركة في ملف استضافة كأس العالم بعيدة عن مستوى النقاشات العامة حتى الانتخابات البرلمانية القادمة، إذ يريد ميتسوتاكيس دخول السباق الانتخابي ومعه ما يمكن أن يرفع من أسهمه خلال التصويت.
ويعتقد محللون وخبراء أنه إذا بقي ميتسوتاكيس رئيسًا للوزراء إلى ما بعد موعد الانتخابات المعلن في أوائل أبريل، فيمكن توقع أن تشارك اليونان في العرض المشترك لاستضافة كأس العالم بشكل أكثر جدية. ويظهر المسؤول اليوناني الكبير تعاطفاً ملحوظاً مع المشروع كما أنه يحافظ على علاقة جيدة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث دعاه في يوليو 2022 إلى زيارة أثينا والتي كانت أول زيارة لولي العهد السعودي إلى أوروبا منذ مقتل الصحفي جمال خاشقجي قبل ذلك بنحو أربع سنوات.
واليوم، يتعاظم التعاون بين السعودية واليونان في مجالات متعددة ومنها التعاون العسكري. أيضاً يعتبر مشروع كابلات نقل البيانات أحد المشاريع الرئيسية بين البلدين لربط الخليج والشرق الأوسط بأوروبا بشكل أكبر وأكثر سرعة. على جانب آخر، سيربط خط للكهرباء يمر تحت البحر قريبًا كلاً من اليونان ومصر، الشريك الثالث المحتمل في استضافة كأس العالم.
لذا يبدو العرض الثلاثي المشترك لتنظيم البطولة العالمية متناسبا إلى حد كبير مع الفاتورة التي ستدفع من أجل الفوز به. ولهذا أيضاً يأتي الدعم الكبير من الاتحاد اليوناني لكرة القدم EPO، إذ يقول تاكيس بالتاكوس رئيس الاتحاد: "إذا قرر رئيس الوزراء الموافقة على مشاركة اليونان في الملف المشترك، فسأوقع قرار المشاركة بكلتا يدي".
تشير أحدث نسخة من كأس العالم (قطر 2022) إلى أهمية حقوق الإنسان في تنظيم هذه الفعالية المهمة. وأوضاع حقوق الإنسان هي نقطة غالبًا ما تُنتقد المملكة العربية السعودية بسببها من قبل المراقبين الدوليين. ومن المفترض أن يتم اتخاذ القرار في مؤتمر "FIFA 2024" في أوساكا باليابان.
ومن المتوقع أن تكون المنافسة صعبة وقوية على استضافة كأس العالم 2030، فمن أمريكا الجنوبية، جهزت كل من الأرجنتين - بطلة العالم -والأوروغواي وتشيلي وباراغواي ملفاً رسمياً بالفعل. وبالإضافة إلى الحماس الكبير لكرة القدم في دول أمريكا الجنوبية، فإن الرمزية تمنح الدول الأربعة أيضًا دفعة كبيرة. ففي عام 1930، أي قبل مائة عام، استضافت أوروغواي أول بطولة كأس عالم في التاريخ.