بات الاتحاد الأوروبي في مأزق حقيقي بعد مغادرة آخر جندي أميركي لأفغانستان حيث بدا واضحا أن التكتل يفتقد لاستقلالية القرار وغير قادر على التعامل مع مثل هذه الأزمات وفق العديد من المسؤولين الأوروبيين، علاوة على أن أزمة اللاجئين المرتقبة بدأت تؤرق قادة الاتحاد الذين يسعون للتوصل إلى صفقة مع دول جوار أفغانستان لاستضافة اللاجئين مقابل دعم مادي.
بروكسل- يسعى الاتحاد الأوروبي إلى التوصل لصفقة مع الدول المجاورة لأفغانستان بشأن استضافة اللاجئين الأفغان الفارين من حركة طالبان في خطوة تعكس حجم المأزق الذي وجد فيه التكتل نفسه بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان.
ولا يُخفي عدد من القادة الأوروبيين أن أزمة أفغانستان سلطت الضوء على ما يعانيه الاتحاد سواء من غياب لاستقلالية القرار بمعزل عن الولايات المتحدة أو غياب النفوذ اللازم للتعامل مع مثل هذه الأزمات وغيرها.
وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل إن “الاتحاد الأوروبي يجب أن يتخذ إجراءات تمكنه من الاستعداد بشكل أفضل لعمليات الإجلاء العسكرية لرعاياه في مواقف مثل ما حدث في أفغانستان خلال الأسابيع الأخيرة”.
وأضاف ميشيل في منتدى بليد الاستراتيجي في سلوفينيا عُقد الأربعاء “من وجهة نظري، لسنا بحاجة إلى حدث جيوسياسي آخر من هذا القبيل لندرك ضرورة أن يسعى الاتحاد الأوروبي من أجل استقلالية أكبر في صنع القرار وقدرة أكبر على العمل في العالم”.
واعتمدت الدول الأوروبية، التي تدافعت لإخراج مواطنيها من كابول بعد استيلاء طالبان على السلطة، على الجيش الأميركي في استمرار تشغيل المطار أثناء عمليات الإجلاء الجوي.
لكن مأزق الاتحاد الأوروبي لا يتوقف على عمليات الإجلاء بل يشمل كذلك المخاوف من موجة لجوء كبرى في ظل استمرار الأفغان في الهرب من بلادهم التي باتت تحت حكم طالبان.
ويرى مراقبون أن ملف الهجرة هو الذي يؤرق أكثر من اللازم التكتل الأوروبي وأنه كما فرضت عليهم الولايات المتحدة إنهاء حرب الـ20 عاما في أفغانستان سيُفرض عليهم استقبال اللاجئين الأفغان.
وفي مواجهة ذلك سارع الاتحاد إلى البحث عن صفقة مع الدول المجاورة لأفغانستان يتم بموجبها استضافة اللاجئين مقابل تقديم الدعم اللازم لتلك الدول التي تعارض بعضها ذلك على غرار أوزباكستان.
وتعهدت الدول الأعضاء في الاتحاد مساء الثلاثاء بدعم الدول المجاورة لأفغانستان في حال استضافتها اللاجئين، وذلك من أجل تجنب تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
وقالت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية يلفا يوهانسون إثر اجتماع وزراء داخلية الدول الأعضاء “لم نشهد وصول أعداد كبيرة من الأفغان إلى البلدان المجاورة، لكننا لا نعرف ما الذي سيحدث في غضون أسبوع أو شهر وعلينا الاستعداد لسيناريوهات مختلفة”.
وقد شددت عدة دول خلال الاجتماع على الحاجة إلى ضوابط صارمة لمنع الخطر الإرهابي المحتمل الذي يمكن أن يترافق مع وفود لاجئين إلى أوروبا.
ومن جهته، قال وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر “يجب أن نعمل على نطاق عالمي لإبقاء الأشخاص قريبين من ديارهم وثقافتهم”، مشيرا إلى أن “الأشخاص الأكثر عرضة للخطر” فقط سيتمكنون من المجيء إلى الاتحاد الأوروبي.
وكانت ألمانيا عام 2015 في طليعة الدول التي استقبلت سوريين فارين من الحرب وفتحت أبوابها لأكثر من مليون طالب لجوء خلال أزمة الهجرة التي باغتت الدول الأوروبية.
أما الوزير النمساوي كارل نيهامر الذي يتخذ موقفا حازما للغاية إلى جانب نظيريه الدنماركي والتشيكي، فقد شدد على أن “الرسالة التي يجب بعثها (هي) ابقوا في مكانكم وسندعم المنطقة”.
ومن جانبها، أكدت فرنسا على ضرورة “التوفيق بين استقبال اللاجئين وصرامة الضوابط”. وقال وزير داخليتها جيرالد دارمانان إن الهدف هو “مساعدة كل الأشخاص الذين ساعدونا والذين تلاحقهم طالبان، لكن لا نقبل بهجرة غير منضبطة”. وأشار إلى أنه لم يحصل تدفق بعد للاجئين لكن “قد يصل ذلك في الأسابيع أو الأشهر المقبلة”.
وتمت دعوة المفوضية الأوروبية لتقديم مقترحات لدعم الدول المجاورة مثل باكستان وطاجيكستان، في إطار الميزانية الأوروبية. وستأتي المساعدة خصوصا من حزمة بقيمة 80 مليار يورو مخطط لها بين 2021-2027.
وقدرت يوهانسون أن هذا الدعم يجب أن يكون “على المقاس” وليس “نسخا ولصقا” من اتفاق الدعم المالي الموقع مع تركيا العام 2016 بشأن اللاجئين السوريين.
وشددت المسؤولة الأوروبية على أن “أفضل طريقة لتجنب أزمة هجرة هي تجنب أزمة إنسانية”. وأضافت “لهذا السبب يجب علينا دعم الأفغان في أفغانستان” من خلال المنظمات الدولية “على الأرض”.
وقد أعلن الاتحاد الأوروبي بالفعل عن مضاعفة مساعداته الإنسانية بمقدار أربعة أضعاف لعام 2021 لتصل إلى 200 مليون يورو لفائدة أفغانستان والدول المجاورة.
وتابعت المفوضة أن الاتحاد الأوروبي “بعيد كل البعد عن الاعتراف بطالبان”. وأردفت قائلة “إذا تبين أن طالبان لا زالت كما كانت في الماضي، فهناك خطر كبير بحدوث أزمة إنسانية”، مشددة على أن الاتحاد الأوروبي وضع شروطا صارمة لإلغاء تجميد مساعداته التنموية لهذا البلد.
ولم يعلن الثلاثاء عن التزام الدول الأعضاء باستضافة أعداد محددة من اللاجئين، لكن المفوضة أعلنت عن تنظيم منتدى حول “إعادة توطين” اللاجئين الأفغان في سبتمبر.
ويعتبر استقبال المهاجرين موضوعا حساسا للغاية في الاتحاد الأوروبي العاجز حتى الآن على إصلاح نظام اللجوء الخاص به.
وقد تعهدت الدول الأعضاء في إعلانها الختامي “بذل قصارى جهدها لضمان ألا يؤدي الوضع في أفغانستان إلى مخاطر أمنية جديدة على مواطني الاتحاد الأوروبي” وشددت على “تنفيذ ضوابط الأمن المتعلقة بالأشخاص الذين تم إجلاؤهم”.
ملف الهجرة يؤرق أكثر من اللازم التكتل الأوروبي وكما فرضت عليهم الولايات المتحدة إنهاء حرب الـ20 عاما في أفغانستان سيُفرض عليهم استقبال اللاجئين الأفغان
وأعرب وزير لوكسمبورغ جان أسيلبورن عن أسفه لأن سياسة الهجرة الأوروبية تسير “في الاتجاه الخاطئ” ودعا الاتحاد الأوروبي إلى “إنشاء برامج إعادة توطين (للاجئين) لمنح الأمل للأشخاص الملاحقين والذين لم يعد بإمكانهم العيش بشكل طبيعي في أفغانستان”.
ومن جانبها، انتقدت منظمات حقوقية نهج الدول السبع والعشرين في هذا الإطار، واتهمت منظمة أوكسفام الحكومات الأوروبية “بالتنصل من التزاماتها الدولية القاضية بتوفير ملاذ للباحثين عن الأمان وإرسالهم إلى دول أخرى”. وكذلك، حضّت منظمة العفو الدولية دول الاتحاد الأوروبي على عدم “تحويل مسؤولية حماية اللاجئين إلى دول أخرى”.