تحتفل جمهورية أذربيجان بالذكرى الثلاثين على إعادة استقلالها ... قراءة في تجربة ناجحة

العالم 20:41 18.10.2021
جمهورية أذربيجان الحديثة والتي نحتفل بمرور الثلاثين عاما على إعادة استقلالها في الثامن عشر من أكتوبر (عام 1991)، هي امتداد لجمهورية أذربيجان الديمقراطية التي تأسست في الثامن والعشرين من مايو (عام 1918) كأول جمهورية ديمقراطية في الشرق الإسلامي، وقامت ارتكازًا على منظومة متكاملة من الفكر الديمقراطي، والحرية، والإنسانية، وهو ما انعكس فيما تبنته من سياسات رسخت للتعددية السياسية والدينية والمساواة بين الجنسين، مع التأكيد على حرية الرأي والتعبير، ذلك كله في إطار من الاستقلالية الكاملة لسياستها الخارجية. ولم يكن إعادة استقلال أذربيجان سهلًا، حيث واجه الكثير من الصعوبات والتحديات والمعوقات، كان من أبرزها ما جرى على المستوى الداخلي، حيث کادت أن تندلع حربًا أهليـة طاحنة بين رواسب وأتباع النظام السوفيتي السابق الذين ارتبطت مصالحهم وحياتهم به، وبين الثوار والشعب من جهة أخرى، وبدأت بالفعل وقوع العديد من الاضطرابات وانتشار الفوضی في البلاد. ومما زاد من وتيرة هـذه الصعوبات وجعلها أكثر تعقيدًا ما جرى من جانب أرمينيا بدعم الجيش السوفيتي، إذ تلاقت مصالحهما، في الوقت الذي أراد فيه الجيش السوفيتي أن ينتقم من الشعب الأذربيجاني نظرًا لسعيه للحصول على الاستقلال والحرية، كانت ثمة مطامع أرمينية مستمرة في الأراضي الأذربيجانية، بهدف بناء مشروعها المزعوم "أرمينيا الكبرى". ولـذا، فقد استغل الطرفان مـا تشهده الدولة الوليدة من اضطرابات سياسية واقتصادية، لتحقيـق هدف كل منهما، إذ سارعت في ذلك الوقت أرمينيا بدعم الجيش السوفيتي باحتلال إقليم قراباغ الجبلية (شوشا، خانکندي، خوجالي، عسكران، خوجاواند، آغدره، وهادروت) التابعة لأذربيجان والمحافظات المجاورة لها وهي (لاتشين، کلبجار، آغدام، جبرائيل، فضولي، قوبادلي، وزنقيلان) أي ما يعادل (20%) من الأراضي الأذربيجانية، وهو ما أدى إلى تشريد أكثر من مليون مواطن من مدنهم وأراضيهم الأصلية. وقد توالت الاعتداءات الأرمينية من عمليات قتل وإبادة جماعية ضد المواطنين الأذربيجانيين الأبرياء الذين بلغ عددهم أكثر من 20.000 شخص، وبينهم كثير من الأطفال والنساء والشيوخ، كما دُمرت وأُحرقت ودُنست العديد من المقدسات الإسلامية والمدارس والمساجد والآثار التاريخية التي تشهد على أصالة وعراقة الشعب الأذربيجاني. وتأتي جريمة الإبادة الجماعية في مدينة خوجالي خلال يومي 25-26 فبراير عام 1992 على رأس أبشع الجرائم التي ارتكبها القوات العسكرية الأرمينية بمساعدة قوات المشاة من الفوج رقم 366 للاتحاد السوفيتي السابق، حيث تجاوز عدوانيتها كل ما هو معروف، ليصل الأمر إلى تسوية المدينة بسكانها ومنشآتها ومؤسساتها بالأرض، وظلت هذه الجريمة النكراء وصمة عار في جبين كل الداعمين للاحتلال الأرميني قبل تحرير الأرض من هذا الاحتلال الغاشم. وخلال هذه المرحلة التاريخية الحرجة من تاريخ أذربيجان، ناشد الشعب الأذربيجاني الزعيم القومي حيدر علييف لتولي زمام الأمور، لإخراج البلاد من هذه الأزمة الطاحنة، وبالفعل تمكن الزعيم حيدر علييف خلال فترة قصيرة من الزمن بما امتلكه من رؤية ثاقبة وخبرة سياسية طويلة، من نقل أذربيجان من حالة التخبط التي سادت بداية التسعينات إلى آفاق الازدهار والتقدم الوطني، إذ سارع الزعيم الوطني حيدر علييف إلى توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار مع أرمينيا وبدء المفاوضات مع الدول المشاركة في حل النزاع لإعادة الأراضي المحتلة، إلى جانب تعزيز مؤسسات الدولة وتوسيع آفاق العلاقات الخارجية التي اشتدت الحاجة إليها مع بناء الجيش ووضع أسس استراتيجية شاملة في مجال الطاقة بما في ذلك تمهيد الطريق للتنمية طويلة المدى في البلاد.
 
وقد بدأ عهد جديد في حياة جمهورية أذربيجان المستقلة، حيث تخلت البلاد عن الاقتصاد المخطط للحقبة السوفيتية، وتحولت إلى اقتصاد السوق الحر، كما تم اتخاذ التدابير اللازمة لإقامة نظام سياسي ديمقراطي في البلاد، حيث تم إقرار قانون الأحزاب السياسية، وتثبيت الحقوق لكل القوميات للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، كما وقعت أذربيجان على العديد من المعاهدات الدولية للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما فيها إقرار حقوق المرأة السياسية، كل هذه الإنجازات ساهمت في بناء دولة حديثة قادرة على استكمال استحقاقاتها السياسية وبناء اقتصادها الوطني. في الوقت ذاته، أقدمت دولة أذربيجان على تأسيس جيش نظامي قوى لتصبح دولة رائدة بين الجمهوريات السابقة للاتحاد السوفيتي في المنطقة، كما تم وضع حجر أساسي لمشروعات إقليمية ودولية هدفت كلها إلى تنمية الاقتصاد الأذربيجاني الذي انعكس على حياة المواطنين بشكل ايجابى. ومع بداية الألفية الثالثة وتحديدًا عام 2003، استكمل السيد إلـهام علييف بعد أن أصبح رئيسًا للدولة، ما بدأه الزعيم القومي حيدر علييف، متبعًا نهجه في إدارة البلاد، وهو ما مكّن أذربيجان من تحقيق العديد من النجاحات والإنجازات داخليًا وخارجيًا، فقد أصبحت أذربيجان وللمرة الأولى دولة عضوًا غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (2012-2013)، كما أصبحت ترأس حركة عدم الانحياز (2019-2023). هذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مكانة أذربيجان وسمعتها الجيدة وكونها حليفًا موثوقًا بها في المجتمع الدولي. واتسمت السياسة الخارجية الأذربيجانية بالنشاط والديناميكية، وبالتوازي مع التطور متعدد الأوجه للبلاد والسياسات الداخلية المتبعة، فقد أصبحت أذربيجان دولة رائدة إقليمية، بل أصبح من الصعب القيام بأي مبادرة في المنطقة دون الاخذ في الاعتبار دور أذربيجان ومكانتها. وما يلفت الانتباه هنا، أنه مع كل ما حققته أذربيجان من نجاحات إلا أنها ظلت تحترم الشرعية الدولية في استعادة أراضيها المحتلة بعدما اعترفت كل دول العالم ما عدا أرمينيا بوحدة أراضي جمهورية أذربيجان وسيادتها، بل طلب المجتمع الدولي أرمينيا بتنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (822، 853، 874، 884 عام 1993)، وغيرها من القرارات والبيانات التي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحركة عدم الانحياز، ومنظمة التعاون الإسلامي، والمجلس الأوروبي، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية، حيث طالبت جميعها أرمينيا باحترام سيادة أذربيجان والانسحاب الفوري من أراضيها التي تحتلها، إلا أن أرمينيا ظلت متعنتة بمواقفها، رافضةً تنفيذ قرارات المنظمات الدولية والإقليمية، كما ظلت تنتهك بشكل مستمر مبادئ القانون الدولى وقواعده. والحقيقة أن السياسات الأرمينية وتصريحات مسئوليها كانت السبب وراء إفشال كل جهود مجموعة مينسك المنبثقة من منظمة الأمن والتعاون الأوروبى على مدار الثلاثين عامًا الماضية، لتذهب كل جهودها من أجل إحلال السلام هباءً، وظلت القضية تتصاعد بين الحين والآخر وصولا إلى شهر يوليو 2020، حينما هاجمت القوات المسلحة الأرمينية منطقة "توووز" على حدود الدولة بين البلدين بعيدًا عن خط التماس ومنطقة قاراباغ. ولكن الرد العسكري القوي للقوات المسلحة الأذربيجانية منع العدو وأجبره على الانسحاب. وقد تكرر هذا العدوان الأرمينى مرة أخرى في 27 سبتمبر 2020، حينما هاجمت القوات المسلحة الأرمينية على منطقة فضولي وإقليم قاراباغ. وكان الغرض الأساسي من وراء هذا الهجوم هو استرداد بعض المرتفعات الاستراتيجية مثل "لالاتابا" التي خسرتها أرمينيا في حرب لأربعة أيام التي وقعت بين البلدين في أبريل 2016. وأدى الهجوم الذي بدأه الجانب الأرميني والاستفزازات التي ارتكبها في 27 سبتمبر 2020، إلى نفاذ صبر أذربيجان وقد بدأت قواتنا المسلحة بالرد على هذا الهجوم في حرب استمرت 44 يومًا، وأسفرت في النهاية بعد انتصار أذربيجان عسكريًا عن توقيع بيان مشترك بين رئيسي جمهورية أذربيجان والاتحاد الروسي ورئيس الوزراء الأرمينى. ويعد هذا البيان الموقع من الأطراف الثلاثة وثيقة تاريخية مهمة تؤكد على استسلام الجانب الأرميني، الذي حاول مرارًا وتكرارًا الاعتداء على الأراضي الأذربيجانية ومحاولاته المستمرة لتغيير تركيبتها الجغرافية والديموجرافية، في حين كانت تصر أذربيجان على انتهاج السلام الدائم في المنطقة وتدعو أرمينيا إلى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وتفضل أذربيجان دائمًا التعايش السلمي وحسن الجوار، من خلال دعوتها المستمرة لأرمينيا للاعتراف بسيادة ووحدة الأراضي الأذربيجانية طبقًا لحدود الدولة المعترف بها في الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. ولكن أرمينيا رغم هزيمتها في الحرب، لم تستجب لدعوة أذربيجان بعد. في الواقع، أن هذه الحرب الناتجة عن انتصار الجيش الأذربيجاني، قضت على الفاشية الأرمينية. لقد شاهدنا تعرض المناطق المحررة للتدمير والنهب بشكل كبير نتيجة للاحتلال الأرميني الذي دام نحو ثلاثين عاما، حيث دُمرت معظم البنية التحتية وتحتاج إلى إعادة بنائها من الصفر، لذا بدأت حكومة أذربيجان في بناء الطرق إلى شوشا، ودراسة الجدوى لبناء السكك الحديدية واقتراح استثماري بمليارات الدولارات لقطاعات الزراعة والبناء والسياحة في المنطقة. لا شك أن أهم الأولويات والتحديات التي تقف أمام حكومة أذربيجان حاليًا خاصة بعد تحرير أراضيها في 10 نوفمبر 2020، تكمن في القيام بتطهير هذه الأراضي من الألغام وغيرها من الذخائر الحية التي قامت أرمينيا بزرعها في الأراضي الأذربيجانية والتي ما زالت تشكل خطرًا على أرواح المواطنين، وكذلك القيام بترميم المدن والمناطق الأخرى التي دمرت كليًا خلال فترة الاحتلال، وتهيئة الظروف اللازمة حتى يتم توفير عودة طوعية وآمنة وكريمة للنازحين إلى أراضيهم الأم. ولكن لا تزال تواجه هذه العملية معوقات تتركز في عدم إستجابة أرمينيا ورفضها القاطع لتقديم أي مساعدة في إظهار الخرائط الإستبيانية للمناطق الملغمة التي حررتها أذربيجان. وهذا الأمر، بالطبع، يعتبر ضرورة ملحة من أجل إنقاذ الأرواح والتسريع في عمليات إعادة التأهيل وإعادة الإعمار خاصة بعد تلك الفترة الطويلة من الصراع. ولكن أرمينيا برفضها تسليم خرائط الألغام تخالف القوانين الدولية الإنسانية. نهاية القول إن أذربيجان أثبتت للعالم أنها دولة قادرة على حماية حدودها، وصون سيادتها، واحترام تعهداتها، والعمل على نهضة شعبها بإذن الله تعالى، فلها كل التحية والتقدير لقيادتها ولشعبها؛ وسلام على شهدائنا الأبرار الذين ضحوا بأنفسهم من أجل الوطن.
 
 

 

ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب

أحدث الأخبار

أسرار استهداف إيران لأذربيجان
17:16 19.04.2024
في يومها الأخير جلسات الاستماع في الدعوي الارمينية ضد أذربيجان
16:00 19.04.2024
كواليس انسحاب قوات حفظ السلام الروسية من قراباغ
15:00 19.04.2024
زرادشت علي زاده : الولايات المتحدة لا تريد أن يتم فتح طريق زانجيزور في ظل هذه الظروف
14:00 19.04.2024
ما تأثير انسحاب قوات حفظ السلام من قراباغ؟
13:00 19.04.2024
اشتباكات بين الدفاع الجوي الإيراني وطائرات إسرائيلية بطهران
12:00 19.04.2024
جوتيريش العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح ستفاقم الأوضاع الإنسانية
11:45 19.04.2024
صندوق النقد الدولي يتوقع أن يبقى النمو في الشرق الأوسط مكبوحاً
11:30 19.04.2024
صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة وورلد برس فوتو لعام 2024
11:15 19.04.2024
فيضانات نيجيريا تزيد من نقص محصول الكاكاو
11:00 19.04.2024
قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة
10:45 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
10:30 19.04.2024
اليونيسف طفل يصاب أو يموت كل 10 دقائق في غزة
10:15 19.04.2024
الهند تشهد أكبر انتخابات في تاريخها بمشاركة مليار ناخب
10:00 19.04.2024
المياه تغمر نحو 18 ألف منزل في روسيا بسبب الفيضانات العارمة
09:45 19.04.2024
الحرس الثوري الإيراني يعلن تحديد مواقع المنشآت النووية الإسرائيلية ويحذر تل أبيب
09:30 19.04.2024
أجندة واسعة لزيارة إردوغان للعراق
09:15 19.04.2024
السفير الأمريكي في أذربيجان يزور أغدام
09:00 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
01:00 19.04.2024
ميرزايف : هذه المحاكمة تأخرت 30 عاما
17:00 18.04.2024
علي الحوفي: من الأفضل للجميع أن يعم السلام والاستقرار في المنطقة
16:00 18.04.2024
فؤاد عباسوف: من يريد السلام مع جاره لا يحاكمه!
15:00 18.04.2024
سياسي أوكراني : انسحاب الجيش الروسي من قراباغ انتصار سياسي لأذربيجان
14:00 18.04.2024
موسكو تدعم رئاسة كازاخستان لمنظمة شنغهاى للتعاون
13:00 18.04.2024
هل كان وجود قوات حفظ السلام الروسية في قراباغ يمثل تهديدا لأذربيجان؟
12:00 18.04.2024
ميرزاييف: كنت أنتظر انسحاب قوات حفظ السلام الروسية لقراباغ بفارغ الصبر
11:30 18.04.2024
البنك الدولي يعتزم توصيل خدمة الكهرباء لـ 300 مليون أفريقي
11:15 18.04.2024
الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير
11:00 18.04.2024
اليونيسف استشهاد ما يقرب من 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب
10:45 18.04.2024
تركيا تتهم نتانياهو بـدفع المنطقة إلى الحرب للبقاء في السلطة
10:30 18.04.2024
ترقب في مجلس الأمن للتصويت على عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة
10:15 18.04.2024
ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب
10:00 18.04.2024
الاتحاد الأوروبي يتجه لتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية
09:45 18.04.2024
ملكا الأردن والبحرين يرفضان كل ما يؤدي إلى الهجمات البرية على رفح
09:30 18.04.2024
الجزائر تقدم مساهمة مالية استثنائية لوكالة الأونروا
09:17 18.04.2024
الكرملين يؤكد الانسحاب من منطقة قراباغ
09:04 18.04.2024
إيقاد شعلة أولمبياد باريس في أولمبيا القديمة
19:00 17.04.2024
أفضل 30 وجهة سفر عالمية لعام 2024
18:00 17.04.2024
سياسي أرميني يوجه نقدًا لاذعًا إلي محكمة العدل الدولية
17:00 17.04.2024
سيلين سينوكاك : فرنسا تشن حملة دبلوماسية لزعزعة الاستقرار في المنطقة
16:00 17.04.2024
جميع الأخبار