ساعة ونصف فصلت موت الصحفي محمد أبو حطب عن آخر رسالة بثها على شاشة تلفزيون فلسطين من أمام مجمع ناصر الطبي في خان يونس جنوب قطاع غزة، بعدما عاد ليطمئن على أبنائه فقضى معهم في ضربة إسرائيلية سوَّت منزله بالأرض.
لم يكن يعلم أبو حطب، الذي كان ينقل عبر شاشة التلفاز الرسمي آخر تطورات الأوضاع في قطاع غزة في مساء الثاني من نوفمبر، أنه سيتحول إلى جانب عائلته لخبر يضاف إلى الأخبار الأخرى عن المجازر التي لا تتوقف، بما فيها مقتل 49 صحفياً في المعارك. وقال تيسير أبو حطب شقيق محمد، إن شقيقه وصل منزله في ساعة متأخرة وكان منهكاً، وما أن اطمأن على أطفاله وجلس برفقتهم وتبادل أطراف الحديث معهم حتى صفت طائرة إسرائيلية المنزل وعدة منازل مجاورة، فاستشهد مع أولاده وزوجته. ولم يعقب الجيش الإسرائيلي على قتل أبو حطب، مثل غيره، وهو ما عزز أن الصحفيين مستهدفون في حرب تطول كل شيء.
وقال المشرف العام على الإعلام الرسمي الفلسطيني الوزير أحمد عساف، إن اغتيال مراسل تلفزيون فلسطين محمد أبو حطب جريمة مركبة ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة في محاولة منه لإسكات الصوت والصورة، وطمس الحقيقة عن الجرائم التي تُرتكب بحق أهلنا هناك.
ولم يستبعد شقيق أبو حطب أن يكون القصف الذي طال شقيقه متعمداً، قائلاً: انتظروه حتى وصل وقتلوه مثل غيره. ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فإن إسرائيل قتلت 49 صحفياً وبعض عائلاتهم، وقصفت مقار إعلامية ومكاتب. وقال المكتب إن قوات الاحتلال الإسرائيلي تتعمد استهداف الكوادر الصحفية وعوائلهم لإرهابهم وإثنائهم عن نقل الحقيقة، وتغطية جرائمه البشعة ضد الإنسانية. ويعمل الصحفيون في غزة في ظروف ليس لها مثيل، من دون حماية، وتحت قصف مستمر، وفي ظل انقطاع كامل للكهرباء وتشويشات مستمرة على الاتصالات والإنترنت.
وكان محمد العالول المصور للعدد من الوكالات العالمية، من بين الصحفيين الذين ودعوا أفراد عائلتهم، بينهم 4 من أطفاله وأحد أشقائه، في استهداف منزلهم بمخيم المغازي وسط قطاع غزة، بعد غارات عنيفة طالت الكثير من المنازل بالمخيم في الخامس من الشهر الحالي.
وما زال العالول يواصل مهمته رغم أن زوجته وأحد أطفاله ما زالا يتلقيان العلاج في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح. وقال العالول: إنه كان يقوم بتصوير جرحى الغارات الإسرائيلية حين تلقى نبأ خبر قصف منزله، وما كانت سوى لحظات حتى وصلت زوجته وأحد أطفاله مصابين للمستشفى، قبل أن يفجع برحيل 4 من أطفاله. وأضاف: كانت لحظة صاعقة حين رأيت جثث أطفالي أمامي لم أعرف ماذا أفعل.
تذكر العالول أنه صاحب رسالة، وقرر أن يواصل بث رسالته على الرغم من أن كثيراً من زملائه قضوا، بينما رفضت إسرائيل التأكيد لأي صحفي في غزة أنه محمي بمن في ذلك الذين يعملون مع وكالات أجنبية. ولم تكتفِ السلطات الإسرائيلية بالحرب العسكرية ضد الصحافيين الفلسطينيين وملاحقتهم واستهداف مقار عملهم ومنازلهم، بل تريد محاكمة بعضهم.
ونشرت صحف إسرائيلية، منها يديعوت أحرونوت تقارير لمنظمات إسرائيلية تحرض ضد الصحافيين الذين وثقوا لصالح وكالات دولية اللحظات الأولى من انهيار القوات الإسرائيلية على حدود القطاع في هجوم 7 أكتوبر واحتراق آلياتها ودخول المدنيين الفلسطينيين للمستوطنات.
وعلى الرغم من أن معظم الصور مصدرها المهاجمون أنفسهم فإن عدداً من الصور التي نشرتها وسائل الإعلام الرائدة في العالم، بما في ذلك وكالة أسوشييتد برس وشبكة سي إن إن وصحيفة نيويورك تايمز ووكالة أنباء رويترز، أثارت أسئلة في إسرائيل بشأن كيفية وصول المصورين الذين ظهرت أسماؤهم في الصور.
ودفعت منظمة أونست ريبورتينج المعنية بالتغطية الموضوعية، بمجموعة من الأسئلة مثل: ماذا كانوا يفعلون هناك في وقت مبكر جداً في صباح يوم السبت الهادئ عادة؟ وهل جرى التنسيق مع حماس؟ وهل وافقت وكالات الأنباء المحترمة التي نشرت صورهم، على وجودهم داخل أراضي العدو مع المتسللين؟ وهل أبلغ المصورون الصحفيون الذين يعملون لحساب وسائل إعلام إضافية هذه الوسائل؟
وركز التقرير على اسم المصور حسن أصليح، الذي استخدمت كل أسوشييتد برس وسي إن إن صوره. ووفق ما ورد في التقرير فقد أوقفته شبكة سي إن إن عن العمل بعد ذلك بوقت قصير. في حين رفضت وكالة أسوشييتد برس فصل موظفها، وواصل المصور الذي وثق اختطاف الرهينة الإسرائيلية المسنة، يافا أدار، إرسال صور جديدة إلى الوكالة من معبر رفح وغيره.
وفي تعقيب له على التقارير الأخيرة قال عضو الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) بيني جانتس ورئيس المعسكر الوطني: إذا كان هناك صحفيون علموا مسبقاً بالمذبحة، والتزموا الصمت، والتقطوا الصور أثناء ذبح الأطفال، فهم لا يختلفون عن الإرهابيين وعقوبتهم واحدة.
وجاء في بيان لوكالة أسوشيتد برس: لا علم للوكالة بأي هجمات في 7 أكتوبر قبل وقوعها. وتظهر الصور الأولى التي تلقتها الوكالة من أي صحفي مستقل أنها التقطت بعد أكثر من ساعة من بدء الهجمات. ولم يكن أي من موظفي الوكالة على الحدود وقت الهجمات، ولم يعبر أي من موظفينا الحدود في أي وقت، ولم نعد نعمل مع حسن أصليح، الذي كان يعمل بشكل مستقل في بعض الأحيان لصالح الوكالة وغيرها من المؤسسات الإخبارية الدولية في غزة. وقال حسن أصليح إنه كان ينقل الواقع بحذافيره فقط. توجهت للحدود في السابع من أكتوبر بعد دخول سكان القطاع إليها، وهدفي كان رصد ما يجري من أحداث فقط.
وقصفت إسرائيل منزل أصليح في خان يونس، في الأيام الأولى من الحرب الحالية، واضطر للمغادرة مع عائلته لمناطق أخرى. وأكد أصليح أن رسالته بوصفه صحافياً هي نقل معاناة السكان الذين يواجهون القتل والتدمير، ويعانون ظروفاً إنسانية صعبة. وأضاف: إنهم يريدون منا أن ننقل روايتهم. يقدمون حماية للصحفيين الأجانب الذين يعملون وفق توجيهاتهم وينقلون روايتهم. ويستهدفون كل صحافي آخر.