تقول الأسطورة في النيجر إن أمير المسلمين هناك المجاهد عثمان بن فوديو بعث بجنوده إلى دوجوندوتشي بمنطقة دوسو تبعد حوالي 300 كيلومتر شرقي العاصمة نيامي وهي إحدى ممالك الهوسا السبع، من أجل دعوة سكانها لترك السحر والشعوذة، والتوجه نحو تعلم القرآن الكريم، لكنهم عادوا أدراجهم عندما جفت الأنهار ونفد زادهم من المياه.
ويقول رواة الأسطورة إن سحرة دوجوندوتشي قد حولوا الأنهار لأراضٍ جرداء تماما كما فعلت ملكتهم سارونيا مانجو باختفائها عندما قرر الفرنسيون إلحاق أطفال المنطقة بالمدارس الحكومية. ومرت 100 سنة على اختفاء الملكة، ولم تتحول دوجوندوتشي إلى منارة تعليمية، بل ظلت كما في الأسطورة مدينة السحرة.
الخليفة عثمان بن فوديو كان أول من أسس نظام الحلقات الدراسية في كل من النيجر ونيجيريا، وإنه اختار علماء القبائل ملوكا لها فكان لكل ملك مسجد وحلقة دراسية ملحقة ببيته، وهي عبارة عن بهو مخصص لحفظ القرآن ودراسة علومه. ولقرون، حافظت ممالك الهوسا السبع على تقليد الخليفة المجاهد، بل تطور الأمر إلى أن مُكّن كل طالب أتم حفظ القرآن وأتقن علومه من فتح حلقة دراسية وبناء مسجد عند بيته. وهكذا تكاثر الأئمة العلماء، وزاد عدد المتعلمين، إلى بدايات القرن الماضي حيث شهد تاريخ المنطقة تحولا كبيرا. وفي حادثة تؤرخ لجهود الاستعمار الفرنسي للقضاء على الكتاتيب، تقول القصة المتواترة في النيجر إن أحد الرؤساء الفرنسيين قام بدعوة شيوخ القبائل وعلمائها ليعرض عليهم أدوية ضد الأوبئة، وعندما جاء الموعد واجتمعوا قام بحرقهم جميعا، مما دفع بقية العلماء للفرار خارج البلاد بعد الحادثة، فيما اختفى البعض ولم يعرف عنه أي خبر. لم يكتفِ الفرنسيون باستهداف العلماء، بل قاموا بحرق كل الكتاتيب بما فيها من كتب، واليوم نحن لا نملك أي مرجع تاريخي موثوق يؤرخ لتاريخ النيجر العلمي ما قبل الاستعمار. إلا أن هذا التاريخ يحكي عن علماء كالشيخ عثمان بن سمبو الفلاتي من منطقة أزاواغ، والشيخ محمد العابد من منطقة أغاديز، ممن قاوموا إغلاق المدارس القرآنية إلى أن استشهدوا. وأن الدولة كانت تعتمد اللغة العربية قبل الاستعمار، أو الهوسا بحروف عربية، حتى في القضاء والمعاملات المالية.
مع مرور الوقت، رأت فرنسا أن تغير من طريقتها القمعية لتقنع الأطفال بارتياد المدارس، فأعلنت أن من ينهي المدرسة الابتدائية سيصبح جنديا، ومن سينجح في الإعدادية سيصبح مدرسا للصف الأول والثاني، وهكذا. نجح الأمر نسبيا، لكن لاحظ الفرنسيون أن كثيرا من الأسر ترسل أبناءها إلى نيجيريا ومصر والسودان لتعلم اللغة العربية المرتبطة بالدين وبتاريخ المجتمع، فأسست مدارس تدعى "فرانكو آراب" تدرس باللغتين العربية والفرنسية، وهي موجودة إلى اليوم في المدن الكبرى، وإن كانت صفوفها التعليمية محدودة.
تنتشر في العاصمة نيامي اليوم مئات الكتاتيب، أو "ماكارانطا" كما تسمى باللغة المحلية. ويقول أهل البلد إنها عادت بعد استقلال النيجر، وإن كانت بشكل مختلف قليلا، إذ أصبح "الفقيه" يأخذ عن كل طالب أربعمائة فرنك سيفا (العملة المحلية) شهريا على الأقل، كما يدفع طلبة الكتاتيب الداخلية 25 ألف فرنك سيفا، مقابل الأكل والشرب والنوم، وتعلم علوم القرآن الكريم. ولا تعترف الحكومة النيجرية اليوم بسوى شهادة المدارس النظامية، ولا تسمح لخريجي الكتاتيب مهما كانت درجة معرفتهم بالحصول على وظيفة، لأن خريج الكتاتيب لم يتلق دروسا في التربية الجنسية والبدنية ولا يتقن الفرنسية، وهو ما تحرص عليه المناهج الحكومية.
تعتبر نيجيريا المحطة الثانية في حياة الخليفة عثمان بن فوديو، وكانت قبل الحدود التي خطها المستعمر الفرنسي جزءا من ممالك الهوسا، وقد اشتهرت كوجهة أولى لتعلم القرآن وعلومه للنيجريين منذ قرون.
ولا ترعى اليوم أي مؤسسة حكومية الكتاتيب، أو المدرسة القرآنية كما يطلق عليها، لكن أغنياء القبائل يخرجون صدقاتهم لها في المناسبات الدينية. كما أن كثيرا من الجمعيات الخيرية التابعة لدول عربية تتبرع لبناء المساجد في القرى، والتي يتم استغلالها كفضاء لتعليم القرآن وتدريس علومه من طرف الأئمة. ورغم التاريخ المتقلب الذي عاشته الكتاتيب هناك، فإن غالبية الأسر ما تزال تحافظ على تقليد إرسال أبنائها إلى الكتّاب قبل التحاقهم بالمدارس النظامية، إيمانا منهم بأن حفظ القرآن في الصغر كالنقش على الحجر.