تلعب نساء مؤثرات في غزة دورا جبارا على منصات التواصل الاجتماعي لجمع التبرعات وتوزيع المساعدات الإنسانية على سكان القطاع والنازحين وخصوصا الأطفال، وإيصال رسالتهم وإسماعها حول العالم.
وبعد أن خسرن الكثير بسبب الحرب الدائرة منذ 7 أكتوبر بين حماس وإسرائيل، وتبدل كل شيء من حولهن، فقد تحول المحتوى الذي ينشرنه على حساباتهن، بشكل دراماتيكي. رغم ذلك، تحتفظ المؤثرات في غزة بالتفاؤل والابتسامة، وهن يتكيفن بطريقة مذهلة مع ظروف الحرب وقسوتها ومرارة ما يشاهدنه يوميا من مآس وأهوال. ولعل أبرز ما يركزن عليه في منشوراتهن هو، أولا، الإخبار بما يجري في غزة من خلال جمع وتوثيق العديد من الأحداث بالفيديو والصوت والصورة. وثانيا، الترويج لأهمية التبرع لسكان القطاع وتقديم المعونة لهم. وثالثا، المشاركة الميدانية في توزيع المساعدات الإنسانية التي تم جمعها مباشرة على من يحتاجونها في القطاع وهم كثر. لكن اللافت في أغلب الحسابات، هو تخصيص الكثير من الجهد والوقت والإمكانيات للطفولة، التي تعاني بشكل مهول في غزة.
كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في تقرير نشرته في 5 يونيو إلى أن 9 من كل 10 أطفال باتوا يعيشون في فقر غذائي حاد في قطاع غزة. لكنها أكدت على أن بياناتها هذه "لا تمثل بالضرورة كامل السكان. وشدد التقرير الأممي على أن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي أدى إلى انتهاكات لحقوق الأطفال بحجم وكثافة غير مسبوقين مع ارتفاع في الانتهاكات الخطرة بنسبة 155% بسبب الحرب الدائرة في قطاع غزة.
وتمكنت الأمم المتحدة من تأكيد مقتل 2141 طفلا في غزة قضى معظمهم بين 7 أكتوبر و31 ديسمبر/كانون الأول. لكن تقديرات المنظمة الدولية كشفت في شهر مايو الماضي عن أن النساء والأطفال يشكلون ما بين 56 إلى 60% من إجمال عدد الضحايا. في نفس السياق، قالت اليونيسف في تقرير نشرته في 10 مايو تفيد التقارير بمقتل أكثر من 14000 طفل، وفقا لأحدث تقديرات وزارة الصحة الفلسطينية، وإصابة آلاف آخرين. وفي تصريحات سابقة في 25 يونيو، أكد المفوّض العام للأونروا فيليب لازاريني بأن عشرة أطفال يفقدون ساقا أو ساقين كل يوم في قطاع غزة بالمعدل. وقال: بصورة أساسية، لدينا كل يوم 10 أطفال يفقدون ساقا أو ساقين بالمعدل. وأوضح أن هذه الأرقام لا تشمل الأطفال الذين خسروا أيدي أو أذرعا.
إلى جانب معاناة الأطفال وتعرضهم للإصابة والصدمة، فهم عرضة إلى سوء التغذية والمجاعة. ففي تقرير نشرته في يونيو/حزيران، قالت منظمة الصحة العالمية إن أكثر من أربعة من أصل خمسة أطفال في غزة أمضوا يوما كاملا بدون تناول الطعام مرة واحدة على الأقل خلال ثلاثة أيام. وقالت المتحدثة باسم الصحة العالمية مارغريت هاريس في بيان إن الأطفال يتضورون جوعا في غزة. ووفق منظمات الإغاثة فإن ارتفاع معدلات سوء التغذية بين أطفال غزة دون الخامسة سببه عدم وصول المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى القطاع إلى من يحتاجون اليها.
في مواجهة هذه المأساة التي تضاف إلى أهوال الحرب التي تطارد سكان غزة وتدفعهم إلى النزوح بشكل مستمر، يبرز نشاط العديد من المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي ومنهم كثير من النساء الغزاويات. تركن معاناتهن جانبا، وبتن يبذلن الغالي والنفيس بما في ذلك المخاطرة بحياتهن لإغاثة وإنقاذ الآخرين وخصوصا الأطفال. يمكن تلمس مدى فعالية الدور الذي يقمن به من خلال هذا العمل التطوعي، الذي يشمل بشكل خاص، العمل الإعلامي والإخباري المتمثل في جمع المعلومات والصور والفيديوهات من ربوع قطاع غزة لإطلاع العالم على حجم المعاناة التي يتكبدها المدنيون مع استمرار الحرب. لكن أيضا مساهمتهن في جمع التبرعات عبر منصات إلكترونية لصالح جمعيات محلية في غزة أو بمساهمة جهات دولية. ومع وصول المساعدات، تقوم المؤثرات بالمشاركة في تحضير الوجبات الغذائية وتوزيعها، وأيضا تسليم المعونات الإنسانية بشكل عام إلى كافة النازحين في ربوع القطاع. كما يشاركن أحيانا في تشييد الخيام وبناء المخيمات للسكان الفارين من القصف الإسرائيلي وأوامر الإخلاء المتكررة.
إضافة إلى العمل التطوعي في مجال المساعدات الإنسانية، تمارس المؤثرات في غزة اللواتي يحظين بمتابعة الملايين على منصة إنستاغرام لوحدها، دورا بارزا في التخفيف عن آلام الأطفال، حيث يساهمن في تنظيم الفعاليات الترفيهية ومنها على سبيل المثال عروض المهرجين، إلى جانب ورشات الرسم.
من أبرز المؤثرات اللواتي ينشطن على مواقع التواصل الاجتماعي، الناشطة الإنسانية ملاك فضة، التي يتابعها على إنستجرام قرابة ثلاثة ملايين مستخدم، وهي تدير "صندوق ملاك" عبر منصة منظمة kparadise.org "كيدس بارادايز" أو "أطفال الجنة"، ومقرها تكساس الأمريكية وتعنى بالعمل الخيري والإنساني لصالح الأطفال في بؤر التوتر عبر العالم بما في ذلك فلسطين وسوريا. وملاك فضة هي سفيرة منظمة "كيدس بارادايز" في غزة، تنظم حملة جمع التبرعات لفائدة المنظمة الدولية لحماية اللاجئين RPI حسب ملفها الشخصي المنشور على منصة gofundme الإلكترونية الأمريكية لجمع التبرعات عبر العالم.
وتظهر ملاك في إحدى فيديوهاتها الذي نشرته على حسابها في إنستجرام بتاريخ 12 يوليو، وهي تحضر الوجبات الغذائية قبل توزيعها. تقول ملاك: اليوم سنطبخ في هذا المكان وسنوزع الطبخ على مخيم الأيتام. لا يمكن لكم أن تتخيلوا مدى سعادتنا ونحن نعمل لأن الأكل سيوزع على الأطفال الأيتام.
مؤثرة فلسطينية أخرى تعمل في غزة هي نور طلال النجار التي يتابع حسابها قرابة المليوني مستخدم، وهي تساهم من جهتها في جمع التبرعات وتوزيع المعونات الغذائية والمساعدات الإنسانية وأيضا دعم الأطفال الذين يعانون من الصدمة مع استمرار الحرب. تجمع نور التبرعات عبر صندوق "Gaza giving عطاء غزة" وهو الآخر يعمل على غرار صندوق ملاك فضة، عبر منصة منظمة "كيدس بارادايز" ودائما لصالح المنظمة الدولية لحماية اللاجئين. تظهر نور في إحدى منشوراتها وهي تستعد لتوزيع المساعدات الغذائية على النازحين. تقول نور بنبرة متفائلة وابتسامة تنسي من يتابعها أنها ناشطة مجتمعية في بث من غزة: الناس الذين طلبت منهم (إسرائيل) الإخلاء، لا نريدهم أن يخلوا، لكي نعزز صمودهم اليوم، قررنا أن نوزع عليهم سلة فواكه. كما تقول إن فريقها يضم أشخاصا متخصصين في الجوانب المالية، وآخرين للفرز وعدّ المساعدات، وشباب للتعبئة، إلى جانب مصور.
كما يمكن رؤية الدور التي تقوم به رنا جهاد الهمص والتي يتابع حسابها على إنستجرام أكثر من 240 ألف مستخدم. حيث تقوم بجمع وتوزيع المعونات، والمشاركة في تحضير الوجبات الغذائية وتقديمها للنازحين، وكذا المشاركة في تخفيف المعاناة عن الأطفال عبر المشاركة في فعاليات ترفيهية لهم. كما تقوم رنا بالمشاركة في بناء المخيمات لإيواء النازحين. تظهر رنا في فيديو نشرته في 16 يونيو وهي تشارك مع متطوعين آخرين في تقطيع الأخشاب وتشييد الخيام للنازحين. تعمل رنا مع منظمة "لايف بلود فوندايشن LifeBlood Foundation – LFRP" أو مؤسسة "دماء الحياة"، ومقرها غزة. كما نشرت رنا فيديو آخر لفعالية ترفيهية لأطفال القطاع، تخللها عروض لمهرجين رفّهوا عن الأطفال عبر الأغاني والرقصات، وتوزيع الأطعمة والمشروبات، ما أدخل البهجة على قلوبهم رغم المعاناة مع استمرار الحرب.
مؤثرة فلسطينية أخرى تنشط بكثافة بمجال مساعدة النازحين في غزة، هي مشيرة إسماعيل منصور، التي يتابع حسابها على إنستجرام قرابة المليون مستخدم. تساهم مشيرة في جمع التبرعات وإعداد الوجبات الغذائية وتوزيعها، كما تشارك أيضا في أنشطة الترفيه عن أطفال القطاع. وتظهر مشيرة في فيديو نشرته الثلاثاء وهي تحضر الوجبات الغذائية للنازحين قبل أن تقوم بتوزيعها. تقول: "سيتم توزيع وجبة الأرز والدجاج على مخيمات النازحين في خان يونس بجنوب قطاع غزة".
حنين عاشور هي الأخرى من المؤثرات الغزاويات على منصات التواصل الاجتماعي، يتابع حسابها على إنستجرام أكثر من 66 ألف مستخدم، تساهم رغم قلة الحيلة في جمع وتوزيع المساعدات والكشف عن المعاناة التي يتخبط فيها سكان غزة مع استمرار الحرب، عبر عدة منشورات وفيديوهات تنشرها بشكل مستمر على حسابها. وتثير حنين من جهتها، بشكل خاص أزمة المياه الصالحة للشرب في غزة، وتظهر في عدة فيديوهات وهي تشرح صعوبة جلب المياه عبر الصهاريج لتوزيعها على السكان في شمال وجنوب القطاع.
هديل حماد مؤثرة فلسطينية تنشط أيضا في إنستجرام حيث يتابع حسابها قرابة 70 ألف مستخدم، وهي تشارك بدورها في جمع وإعداد الوجبات الغذائية وتوزيعها على النازحين، كما تساهم في بناء المخيمات للعائلات المنكوبة بسبب الهجمات الإسرائيلية المستمرة على القطاع الفلسطيني. كما تشارك في الفعاليات الموجهة للأطفال وتنشر بشكل متواصل منشورات تدعو للمساهمة في حملة التبرعات لسكان غزة. وتجمع هديل حماد تبرعاتها أيضا من خلال موقع https://www.gofundme.com المنصة الإلكترونية الأمريكية لجمع التبرعات. وتظهر هديل في فيديو نشرته الأحد وهي تشارك في تحضير المساعدات الغذائية لتوزيعها على الأطفال والنازحين في مخيم البريج وسط قطاع غزة.