خلال هذه الأيام، سنحتفل بالذكرى الخامسة والعشرين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين دولة إسرائيل وجمهورية أذربيجان. وقد تطورت روابط الشراكة الإسرائيلية الأذربيجانية من خلال تعاونهما القوي بأبعاد مختلفة منذ أكثر من عقدين من الزمن. وكانت إسرائيل من أوائل البلدان التي اعترفت باستقلال أذربيجان. ولا يوجد أي بلد في أوراسيا يقيم علاقات أوثق مع إسرائيل أكثر من أذربيجان. والعلاقة بين البلدين مثيرة للدهشة بشكل خاص لأن أذربيجان دولة ذات أغلبية مسلمة. بيد أن أسباب هذه العلاقة الوثيقة تكمن في الصداقة التي طال أمدها بين الأذربيجانيين واليهود المقيمين في أذربيجان.
ومنذ إعلان استقلالها في عام 1991، أبرزت أذربيجان نفسها كأقرب صديق لإسرائيل في العالم الإسلامي. عثرت الدولة اليهودية في بحثها عن شركاء في منطقة القوقاز على شريك مستعد للتعاون الوثيق في شحص جمهورية أذربيجان، دولة علمانية تقع بين اثنين من الإمبراطوريتين السابقتبن الروسية والفارسية.
وكانت أذربيجان باعتبارها إحدى الدول الموردة الرئيسية للنفط إلى إسرائيل قدوة تقتدى بها حتى للبلدان الإسلامية المعادية في المنطقة فيما يتعلق بإقامة العلاقات الوثيقة مع إسرائيل المزدهرة والآمنة. وعلى الرغم من الظروف المعقدة من حيث التوازن الجيوسياسي، فقد حققت إسرائيل وأذربيجان شراكة قوية لا تتزعزع، والطاقة هي إحدى الركائز الاستراتيجية للعلاقات بين الدولتين.
وقال زبيغنيف بريزينسكي، مستشار الأمن القومي السابق في الولايات المتحدة (خلال الفترة الواقعة على التقاطعات الاستراتيجية الرئيسية للنقل والطاقة في منطقة جنوب القوقاز، التي تربط بين وسط وشرق آسيا) "إن أذربيجان من أهم المحاور الجيوسياسية لإدارة جيمي كارتر". وبطبيعة الحال، فإن اهتمام إسرائيل بتلقي إمدادات النفط من المصدر الموثوق به أي من أذربيجان التي هي مورد استراتيجي للنفط هو عامل هام في العلاقات بين أذربيجان وإسرائيل. أصبحت أذربيجان منتجا للنفط وتشكل كمية النفط الأذربيجاني المصدرة إلى إسرائيل أكثر من 45٪ من الإمدادات الإسرائيلية.
تجدر الاشارة الى أن اذربيجان، وهى دولة اسلامية ذات أغلبية شيعية، فيها ايضا العديد من المجموعات العرقية والدينية الاخرى، مثل المسيحية واليهودية. وقد لعب الاحترام والتسامح للأقليات القومية والدينية دورا حيويا في تقدم البلد في طريق الحداثة منذ العصور القديمة إلى أيامنا هذه. وكان أبناء الأقليات ممثلين في الجهات الإدارية والتشريغية الأذربيجانية منذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي. وخلافا للعديد من المسلمين لم ينظر الأذربيجانيون أبدا إلى اليهود على أنهم أجنبيون. ويعمل الإسرائيليون ذوو الجذورالأذربيجانية الكثير لتعزيز التعاون الاقتصادي والجيوسياسي القائم بين أذربيجان وإسرائيل.
قد يعلم عدد قليل نسبيا من الناس خارج المجتمعات الأذربيجانية واليهودية عن الدور البارز الذي لعبته الطائفة اليهودية في أذربيجان. وكان أول وزير الصحة في جمهورية أذربيجان الديمقراطية في الفترة 1918-2020 يهوديا، وكان هناك ممثلون عن الجماعات اليهودية في البرلمان. بالإضافة إلى ذلك، وخلال وجود الجمهورية من 1918-1920، أصدرت الجماعات اليهودية نشرة يهودية قوقازية - صحيفة "فلسطين"، ومجلة نصف شهرية "شباب صهيون". كذلك، لعب اليهود دوراً بارواً في الحياة الفكرية والاقتصادية والسياسية في أذربيجان كما كان في جميع أنحاء الاتحاد السوفيتي.
وعلى الرغم من القتل والتشريد واسع النطاق الناجم عن العدوان الأرميني على أذربيجان، فإنه لا يزال المجتمع الأذربيجاني يعتمد على المبدأ الأساسي للتعايش السلمي. وحتى بعد اندلاع العنف والمواجهات خلال ما يزيد على 25 عاما من النزاع في إقليم قاراباغ الجبلية، حافظ المجتمع الأذربيجاني على الانسجام بين أديانه وعرقياته. اليوم، أذربيجان دولة مستقلة قوية، محددة للتطورات الجيوسياسية والجيواقتصادية في جنوب القوقاز. وتمارس أذربيجان سياستها الخارجية متعددة الاتجاهات، مستقلة عن تركيا أو عن السياسة الخارجية لطهران. وبالتالي، فإن إسرائيل وشعبها يحترمان أذربيجان ورئيسها الهام علييف الذي يعمل كثيراً في تعزيزاقتصاد أذربيجان لتصبح طرفا هاما وقويا ومستقلا على الساحة الدولية. واتخذت إسرائيل مؤقفاً مؤيداً لأذربيجان في النزاع في قاراباع الجبلية وفي صدها الاعتداءات الأرمينية. تدعم إسرائيل أذربيجان في كفاحها من أجل إعادة منطقة قاراباغ الجبلية و7 مناطق محتلة، للأسف أنها ظلت تحت احتلال أرمينيا لمدة 25 عاما.
أثناء زيارته لباكو اشاد رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بالعلاقات الاسرائيلية الاذربيجانية بانه "شيء يمكننا ان نعرض للعالم". وقال نتانياهو "ان العالم يواجه الكثير من التعصب والظلام، وهناك أمثلة على العلاقات التي يمكن ان تكون بين المسلمين واليهود في كل مكان".
قال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان: "إن أذربيجان ليست شريكا استراتيجيا لإسرائيل فحسب، بل هي أيضا مثال على التسامح بين الأديان والأعراق. وتصبح العلاقات الودية بين أذربيجان وإسرائيل أكثر حزما ولا يمكن اختراقها، مما لا شك فيه أنه يعود بالنفع على كلا البلدين. وأثناء زياراتي المتكررة لأذربيجان، شعرته نفسي في بيتي، التقيت بعدد من المسؤولين، في المقام الأول مع الرئيس الهام علييف، مما سمح لنا تعزيز التعاون بشكل واضح في مجالات مثل التكنولوجيا العالية والزراعة والطاقة وأكثر من ذلك بكثير".
وقال سفير أذربيجان لدى الولايات المتحدة ايلين سليمانوف ل JNS.org إن زيارة نتانياهو مهمة ليس فقط من منظور العلاقات الرسمية، بل كذلك من ناحية تواجد الطائفة اليهودية المزدهرة في اذربيجان. وقال سليمانوف ان "هذه العلاقة مع الجالية اليهودية هي العمود الفقري لعلاقاتنا مع اسرائيل".
إن العلاقات الأذربيجانية - الإسرائيلية هي شراكة استراتيجية إيجابية. ويزيد التعاون التجاري بين أذربيجان وإسرائيل ويبلغ نحو 4 بلايين دولار. وبالمقابل، فإن أذربيجان تحتاج إلى تكنولوجيا إسرائيلية حديثة، ومعارف زراعية وتكنولوجيا اتصالات وتكنولوجيا حاسوبية، وأسلحة حديثة. والقائمة تطول وتطول.
تستعد أذربيجان وإسرائيل بكونهما الدولتين المتحالفتين بحلول عام 2020 لنقل الغاز الطبيعي بكميات كبيرة من حقول "ليفياثان" و"شاه دينيز-2" إلى أسواق الطاقة العالمية. وتسعى حكومة نتنياهو بقوة إلى التعجيل في إنتاج الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط. وقد تخلصت حكومته المقيدة بقرار استثنائي في يونيو بإعلان هذا المشروع منطلقاً لأمنها القومي، وبالتالي تجنب من القوانين ضد الاحتكارات. وتستعد إسرائيل باستغلال حقل "ليفياثان" للغاز لدخول سوق الغاز العالمي كبلد مصدر.
اكتشفت في عام 2010 حقول الغاز البحرية على بعد 130 كيلومترا قبالة سواحل حيفا تقدر ب 535 مليار متر مكعب. وهو أكبر حقول الغاز المكتشفة في العالم خلال عشر سنوات. وتهدف مجموعة "ليفياثان" التي تضم مجموعة نوبل للطاقة في الولايات المتحدة ومجموعة "ديليك" الإسرائيلية إلى تطوير حقل "ليفياثان" بحلول عام 2019. وبعد فشل المفاوضات مع الأردن ومصر حول صفقة الغاز الإسرائيلية، فإن التطورات الجيوبوليتيكية والتجارية الجديدة من المرجح أن تؤدي إلى مد خط الأنابيب لتصدير الغاز من إسرائيل إلى حليفتها السابقة تركيا.
كما أن مد خط أنابيب الغاز من إسرائيل إلى تركيا يمكن أن يعزز موقف إسرائيل الإقليمي. ونظرا لعدم وجود خطوط أنابيب الغاز القائمة بين تركيا وإسرائيل، تقوم الجهات المعنية حاليا بإعداد اتفاقيات التعاون في مجال الطاقة. وتؤكد صحيفة "هآرتس"، وهي من إحدى أكبر أربع صحف إسرائيلية، على أهمية الوساطة الأذربيجانية في إعادة الثقة المكسورة بين إسرائيل وتركيا، مما سيخلق مثلث التعاون بين إسرائيل وأذربيجان وتركيا. وتبذل حكومة نتنياهو جهودا للتعجيل في إنتاج الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط. يعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن صادرات الغاز الطبيعي هي وسيلة لتعزيز الموقف الجيوسياسي الإسرائيلي على الساحة الدولية بشكل دائم من خلال تحسين العلاقات مع الدول المجاورة والأوروبية.
وهناك العديد من الأسباب التي تشجع إسرائيل على اعتماد خط TANAP للوصول إلى الأسوق الأوروبية والذي يعرف كذلك دوليا باسم طريق الحرير للطاقة. أولا، قامت أذربيجان، وهي حليفة إسرائيل في مجال الطاقة ، بدور قيادي كصانع القرار أو كصاحب المبادرة إلى جانب موفر للبنية التحتية باهظة الثمن لهذا الخط (58٪). وتدعم خطوط أنابيب الغاز TANAP وTAP، باعتبارها مكونات أساسية لممر الغاز الجنوبي، الهدف الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي المتمثل في تنويع مصادر إمدادات الغاز. ويهدف هذا المشروع الضخم الذي تبلغ ميزانيته الإجمالية 45 مليار دولار أمريكي إلى تنويع مصادر الإمداد في جنوب أوروبا (إيطاليا واليونان) وفي جنوب شرق أوروبا (ألبانيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك وبلغاريا) إلى النمو الاقتصادي الإقليمي للبلدان غير الأوروبية أيضاً.
يمتازخط أنابيب TANAP بأنه قابل للتوسع. وستزداد أحجام خط أنابيب TANAP بمقدار 16 مليار متر مكعب في السنة، المتوقع لعام 2020، إلى 23 مليار متر مكعب في عام 2023 و 31 مليار متر مكعب في 2030. كما أنها تطرح القدرة الأكثر طموحا لهذا الخط ب 31 مليار متر مكعب. وتتطلب تعبئة ممر الغاز الجنوبي بكامل قدرته حتى عام 2025 نقل كميات إضافية من الغاز من تركمانستان أو العراق أو إسرائيل أو إيران عبر شبكة TANAP.
كما أن الشركة التركية Zorlu ، وهي مستثمرفعلي رئيسي في سوق الطاقة الإسرائيلية، تملك أيضا إمكانيات مد خط الأنابيب للغاز بين إسرائيل وتركيا. وعلى المستوى الأوسع هناك حجج تجارية عديدة للشركات التركية والإسرائيلية لصالح اعتماد خط TANAP بإمكانية نقل الغاز الإسرائيلي عبره، الأمر الذي سيزيد من القدرة التصديرية لممر الغاز الجنوبي وتوفير 30 مليار متر مكعب سنويا من حجم الغاز. ويتوقع نقل الغاز الأذربيجاني من بحر قزوين بحلول عام 2020 إلى الأسواق الأوروبية.
بحسب الدراسات الهندسية التي أجرتها شركة Turcas التركية المعنية بتصدير المواد إلى حقل غاز ليفياثان البحري لربطه بالساحل التركي في جيهان أو مرسين، فأن المشروع سيكلف حوالي 2.5 مليار دولار. وهذا كما تزيد كلفة مشروع TANAP ب647 مليون دولار إضافي ويحتاج الانضمام إلى مشروع خط أنابيب الغاز عبر الأدرياتيكي TAP في الحدود التركية اليونانية إلى 1.9 مليار دولار إضافي.
من الجدير بالذكر أن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 13 ديسمبر، وهي الأولى منذ عام 1997، نجمت عن توقيع أربعة اتفاقات للتعاون الثنائي ويحتوى على تأسيس اللجنة الاقتصادية المشتركة. كما أكد رئيس الوزراء نتنياهو أن هذه اللجنة ستساهم في توطيد التعاون مع أذربيجان في مجال الطاقة. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي في مقابلة مع الرئيس الاذربيجاني الهام علييف إنه "من الواضح أن لدينا علاقة قوية في مجال الطاقة". و" أننا لا نقصد فقط بيع النفط من أذربيجان إلى إسرائيل، وهو جزء مهم جدا من واردات النفط عندنا، ونرغب أيضاً استخدام المرافق المشتركة لتصدير الغاز والربط بين صادرات الغاز الإسرائيلي المحتمل وخطوط أنابيب الغاز التي يجري مده الآن بمشاركة أذربيجان و تركيا ". وأشار رئيس الوزراء نتنياهو إلى خطة لتصدير الغاز الإسرائيلي عبر تركيا إلى الأسواق الأوروبية، وذلك باستخدام ترانس- الأناضول TANAP و ترانز-أدرياتيك TAP وأهيخطوط الأنابيب التي تديرها أذربيجان.
أستطيع أن أقول بكون مواطناً إسرائيلياً وبكل اعتزازأن قيادة أذربيجان تبدى قدرا كبيرا من الاحترام والشراكة للمجتمع اليهودي. تحت رعاية الرئيس إلهام علييف تم بناء معبدين يهوديين وأكبر المركز التعليمي اليهودي في جنوب القوقاز. وهناك النية في بناء المتحف اليهودي الأذربيجاني الذي سيكون أول متحف يهودي في جنوب القوقاز.
إذا كان المرء يتساءل كيف وصلت اليوم غالبية المجتمع الإسلامي في أذربيجان إلى مثل هذا التحالف القريب مع إسرائيل، لا بد أن ننظر إلى أبعد من القرية الحمراء اليهودية الواقعة في إقليم قوبا الجبلية. تقيم هنا الجماعة اليهودية وسط السكان المسلمين على مدى قرون. وتعتبر مدينة "كراسنايا سلوبودا" (القرية الحمراء) القديمة في شمال أذربيجان بلدة يهودية وحيدة خارج إسرائيل. وفي هذه المنطقة، يعيش الأذربيجانيون المسلمون أيضاً منذ قرون. وعلى الرغم من التطهير العرقي لأرمينيا والاعتداء على أذربيجان، الذي يشمل احتلال 20 في المائة من أراضيها ومليون لاجئ ومشرد داخليا، فإن أذربيجان نموذج حقيقي للحوار بين الحضارات والأديان. والتسامح والتعدد الثقافي أساسان للمجتمع الأذربيجاني. بذلت أذربيجان جهودا متضافرة لجعل الظروف السياسية والاجتماعية الملائمة لتطوير تقاليد البلد في التعددية الثقافية والتسامح وتعزيزها.
وقد أثبتت أذربيجان مراراً وتكراراً أن الوئام ممكن، ويمكن حل المشاكل دون اللجوء إلى القوة أو الصراع. والأهم من ذلك أن الرئيس علييف حصل على احترام مجموعة واسعة من المجتمع الإسرائيلي لاعتنائه بيهود أذربيجان.
بقلم أرى غوت، الخبير الإسرائيلي في العلاقات الدولية، وسعيد موساييف، الباحث الأذربيجاني الشارك في مكافخة المعاداة للسامية