الإدارة الحالية للرئيس دونالد ترمب هي إدارة غير عابئة على الإطلاق بالشأن السوري، وقد أوقفت جميع برامجى تسليح المعارضة حتى تلك التي تقاتل تنظيم الدولة فقط مع استثناء المقاتلين الأكراد من قوات سوريا الديمقراطية ويبدو أن هذا الاستثناء لن يستمر طويلا، فبسقوط الرقة المتوقع بيد ميلشيات سوريا الديمقراطية سوف تستغني الولايات المتحدة عن خدمات القوات الكردية خصوصا أن النظام السوري يتقدم بسرعة جنونية نحو مناطق التنظيم المتبقية على الحدود العراقية السورية، وباسم عدم الصدام بين الروس والأمريكان سوف يتوقف دعم القوات الكردية ليكون تحرير بقية مناطق دير الزور بشكل حصري على يد النظام السوري والفصائل الشيعية المتحالفة معه.
لكي تنجح الصفقة مع نظام بشار يجب أن يكون هناك ثمن والثمن كما هو معلوم هو اعتراف الأسد بالإدارة الذاتية الفيدرالية الموجودة في شمال سوريا والتي أنشأتها قوات الحماية الكردية، والقبول بتواجد القواعد العسكرية
الأمريكية التي أنشأتها أمريكا في الشمال السوري، فحتى الآن لازال النظام السوري ممتنعا عن الاعتراف بهذه الإدارة
ما يمنع النظام السوري عن الاعتراف بالإدارة الكردية هو احتلال هذه الإدارة لمناطق مهمة تحتوي على ثروات طبيعية، يضاف إلى ذلك إيران التي تنظر بريبة إلى الدعم الغربي للأكراد، مدركا تماما أن إيران هي الضحية القادمة. فكما دعم الغرب أكراد العراق إلى أن وصلوا إلى مرحلة استفتاء تقرير المصير ودعموا أكراد سوريا إلى أن وصلوا إلى احتلال أغنى المناطق السورية، سيقوم الغرب بدعم أكراد إيران وحزب الحياة الكردي جاهز تماما لتلقي الدعم الغربي و(السعودي).
النظام السوري عبر محللين مقربين منه قال: أنه طالما يوجد أردوغان "الإخوانجي" على رأس السلطة في تركيا فلن يكن هناك تلاقي تركي سوري، بل إن محللين مقربين من النظام تحدثوا صراحة أن وجود الأكراد على الحدود الشمالية الشرقية لسوريا ساعد النظام في قطع إمدادات المعارضة من تركيا، ولو كان مقابل استقرار سوريا هو احتلال الأكراد لكل الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا فإن النظام السوري مستعد لدفع هذا الثمن طالما سوف يتخلص من الأطماع الأردوغانية العثمانية.
ليس كلام هؤلاء المحللين غريبا على النظام السوري وتفكيره، فهو سبق أن باع الجولان لإسرائيل مقابل البقاء في السلطة ولم يقم بأي خطوة لتحرير الجولان حتى الآن من 1974م عندما تم ترسيم خطوط وقف إطلاق النار، ويؤكد هذا الكلام ما صرح به رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري في تصريحات لصحيفة غربية في الأيام الأولى للثورة السورية.
الولايات المتحدة سوف تكون سعيدة بالطبع لو استطاعت وضع الدولة الكردية كخنجر في ظهر الأتراك والإيرانيين ولن تمانع أن تقوم بتأهيل بشار الأسد، والأمر ينطبق أيضا على حلفاء أمريكا في المنطقة السعودية ومصر اللذان يريدان الانتقام من تركيا وإيران بسبب ما يرونه من تدخل هاتين الدولتين في شؤونهما الداخلية. كل هذا عجل بتفاهم تركي إيراني على سوريا لصيغة حل سيكون بالتأكيد ليس في صالح الثورة السورية وليس في صالح المملكة العربية السعودية التي ستكون المتضرر الأكبر من انتصار إيران في سوريا..
التفاهم الإيراني التركي سيكون على عملية مشتركة في إدلب يسيطر فيها الأتراك على إدلب وريفها وتحصل فيها إيران فيما يبدو على منطقة جسر الشغور الاستراتيجية التي خسرها النظام في 2015م وكانت خسارتها سببا رئيسيا بالتدخل الروسي في الحرب السورية. سيمتد التفاهم التركي الإيراني من سوريا إلى العراق فالحكومة العراقية أظهرت عدم رغبتها بالاعتراف باستفتاء تقرير المصير الذي ينتوي أكراد العراق القيام به في سبتمبر القادم، وأعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رفضهم لهذا الاستفتاء وهم بذلك يتخذون موقفا قريبا من الموقف التركي الذي يعارض بشدة تقرير مصير كوردستان.
العجلة الشديدة التي تم بها إقرار استفتاء كردستان في سبتمبر القادم هي التي جمعت بين الأتراك والإيرانيين، وساعدت كذلك الأزمة الخليجية على فض الاشتباك تماما بين المشروع التركي والمشروع الإيراني بعد أن أظهرت السعودية نوايا عدوانية تجاه تركيا برفضها القاعدة التركية في قطر ووضع إغلاق القاعدة التركية في الدوحة كشرط غير قابل للإلغاء لفك الحصار عن قطر.
الأمير الشاب الذي لا خبرة له بالملك يظن أنه يستطيع أن يواجه تركيا وإيران في نفس الوقت متناسيا أن إيران تستنزفه عسكريا في اليمن وتركيا تستنزفه سياسيا في قطر.
وللأسف سيكون التقاء تركيا وإيران على حساب الأمة العربية ومصالحها، والعيب ليس فيهما فهما دولتان تعرفان الحفاظ على مصالحهما ولكن العيب على القاهرة والرياض اللتان يحكمهما غياب الرؤية والاستراتيجية وادعاء الفهم والفكاكة.